أجرت جريدة "أنفاس بريس" حوارا مطولا مع الباحث والموسيقى حسن الزرهوني حول التهجين الذي يطال ليس فقط الآلات الموسيقية مثل آلة لَوْتَارْ، بل كذلك الموسيقى المؤدّاة بها، لأن كل موسيقى أنتجت وتعاملت مع آلات بعينها تلائم روحها وجوهرها.
فآلة لوتار هي آلة مغربية، أرجع الفنان حسن الزرهوني تاريخ ظهورها إلى 900 سنة على الأقل بالمغرب، وهو ما يجعل كافة الألوان الموسيقية تعتمد هذه الألة سواء تعلق الأمر بالموسيقى الأمازيغية أو الموسيقى الـﮜناوية.
إن اعتماد هذه الآلة على مواد طبيعية من إنتاج البيئة المحلية يبقي على طبيعة الآلة الوترية، بجعلها تحافظ على الميزة التي تجمع بين الحضور القوي للعزف، مع الحفاظ على النبرة الإيقاعية، شأن آلة موسيقية تعتمدها النساء في الغناء الحساني إسمها "تادينيت".
فآلة لَوْتَارْ، هي ذات طبيعة صامتة وروحية، ـ حسب الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني ـ وهذا يتماشى مع طبيعة الموسيقى المغربية المطبوعة بالطابع العرفاني، شأن الكثير من الحضارات الشرقية مثل الصين واليابان والهند والباكستان.
حين يدعو الزميل أحمد فردوس ومعه الباحث والموسيقي الفنان حسن الزرهوني إلى الحفاظ على الوجود الفيزيقي لآلة كإنتاج لحضارة وموسيقى لها طبيعتها وجوهرها، فهو ترافع على حق من حقوق مضمون باتفاقية سنة 2003 بالمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للثقافة والتربية والعلم، المصادقة عليها من طرف المغرب، والذي تم الشروع في تنفيذها ـ أي الإتفاقية ـ ابتداء من سنة 2006، وظل المغرب يحتضن الكثير من فعاليات منظمة اليونسكو.
والمغرب من الدول الذي أضحى رائدا في احترام هذا النزوع نحو احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان بالعالم العربي بجعل دستور 2011، يعتمد على الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي المتمثل في الاتفاقيات الدولية.
إن الحفاظ على التراث المادي واللامادي للمغرب، ظل هاجس الدولة المغربية التي دأبت للحفاظ عليه. فالمغفور له الملك الحسن الثاني، كان قد أمر الطيب الصديقي بإنجاز بحث يتضمن كافة ألوان الصناعة التقليدية. بل كان رحم الله لا يحب أن تدخل الآلات العصرية في الصناعة التقليدية بل كان يعتبر ذلك محرما وضارا بالتراث المغربي.
إن أي تغيير على موسيقى أو مهارة أو معرفة ذات نزوع تراثي دون حاجة مجتمعية قد يفقد الأشياء جوهرها، وينزع منها أصالتها التي هي من أسباب القوة للكينونة الحضارية.
إن لَوْتَارْ أو الطَّعْرِيجَةْ، أو الِّليرَةْ أو الطّْبَلْ (ﮜانـﮜا) والْبَنْدِيرْ والَقْرَاقَبْ هي آلات موسيقية انتعشت في أحواش المداشير، والقصور (لَـﮜْصُورْ بدرعة) أو الدّواوير، بنفس القدر الذي انتعشت موسيقى الزوايا كموسيقى للعرفان، وتحريض على الجهاد، كما كانت تعطي للحركات السلطانية طعما خاصا. إنها الحضارة المغربية التي كانت عرفانية في موسيقاها، وفي الكثير من أشكال تعبيرها، ومنها التّْبَوْرِيدَةْ التي يعتبر الأخ أحمد فردوس في طليعة البحث في أسرارها وخباياها.
إن الموضوع الذي أثارته جريدة "أنفاس بريس" من خلال الحوار الذي أجراه الزميل أحمد فردوس مع الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني، هو رسالة للمؤسسات ذات الصلة لتكون حريصة على حماية هذا التراث، لأن عملية المحو لكذا تراث، هو محو للهوية التي بها يكون تمايزنا، وعلى أساسه يتم التواصل مع باقي الثقافات والحضارات، فهي تعبيرات يمكن الإعتماد عليها في الديبلوماسية الثقافية والفنية التي من خلالها يمكن الدفاع عن المصالح الحيوية للمغرب.
لا يمكن الإستهانة بالقوة التي تمنحنا هذه الأشكال التعبيرية، فالقوة لا يمكن أن تكون في المواد الأولية، ولا في النفط، بل كذلك في هذه التعابير التي تبدو للبعض بأنها فلكلورية. فالصين العلمانية والشيوعية تسمى مملكة النور، لأنها حافظت على تراثها اللامادي، بل وحاولت أن تعتمده لبناء نهضتها.
لا يمكن إلا نقدر المجهود الذي يقوم به الأخوين في الحفاظ على التراث اللامادي وفي الترافع عنه.