إدريس الأندلسي: ثقافة العفو الملكي وميزان حقوق الإنسان

إدريس الأندلسي: ثقافة العفو الملكي وميزان حقوق الإنسان إدريس الأندلسي
لا توجد حقيقة مطلقة في مجال تدبير الاختلاف السياسي والحقوقي والديني. علمنا التاريخ، سواء في الحاضر أو الماضي، أن النسبية هي القاعدة. يظل المطلق، سواء كان حقيقة أو ممارسة اجتماعية أو سياسية أو أيديولوجية، مؤقت الحضور والسيطرة والفعل في القرار السلمي أو العنيف.

كان السجن ولا يزال مؤسسة في قلب منظومات الدولة الحديثة في كل بقاع العالم. ولم يخطئ الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو حين شحذ كل أسلحته المنهجية لاستنباط قواعد مؤسسة السجن وفشلها في محاربة "الجريمة والسلوك المنحرف". وخلص إلى أن هذه المؤسسة، التي تعاقب المخالفين لقانون وضعي يهدف إلى تقويم السلوك، أصبحت تصنع عكس ما كانت تهدف إليه. ستظل العقوبة السجنية أهم ما وصل إليه الإنسان الماسك بدواليب التوازنات الاجتماعية والسياسية. تظل القاعدة أن السجن لا يصنع المعجزات. حين يخرج منه الصحافي يظل صحافيا، وحين يدخله المناضل السياسي يزداد إيمانه بالنضال، وحين يدخل المرتشي والسارق والمغتصب، يخرج منه وقد تفاقمت في نفسيته عوامل العنف والانتقام. تظل إعادة التربية وإعادة الإدماج أهدافا سامية ولكنها ذات أثر متواضع على واقع صعب أسسته سياسات عمومية وسلوكيات مؤسساتية.

فرح الكثير من المواطنين المغاربة المرتبطين بقضايا وطنهم بالقرار الملكي الذي قضى بالإفراج عن مجموعة من المعتقلين، ذوي الرأي، في ممارسة السياسة وفي تدبير مؤسسات ترابية وقضايا تتعلق بنوعية التعامل مع المال العام. لا تزال الانتظارات كبيرة في هذا المجال لكي يزيد وهج بلادنا حقوقيا، ولكي يعود وضع المغرب الحقوقي إلى ما كان عليه خلال عهد تدبير العدالة الانتقالية. الأمر صعب ويتطلب النفس الطويل والهدوء السياسي من الجميع. يجب أن يعمل كل الفاعلين على فهم خريطة ترتيب الأولويات. لا يمكن أن نوازي بين أفعال إجرامية وقعت في أكديم إيزيك وكتابات صحفية تتعلق بالممارسة السياسية داخل المؤسسات.

يجب على كل الفاعلين الجمعويين والسياسيين والصحافيين أن يظلوا أكثر التصاقا بمرتكزات الوطن. يجب عليهم جميعا أن يكونوا سندا لحماية الحقوق والحث على القيام بالواجبات. تشكل الصحافة وجمعيات المجتمع المدني حصنا لصد هجوم بعض المتسللين إلى المؤسسات ضد مصالح الوطن. يجب على الجميع أن يشكل تحالفا مجتمعيا لصيانة الديمقراطية والترافع لفضح أعداء البلاد من المرتشين ومن المنتفعين من اقتصاد الريع ومن سوء تدبير مؤسسات الحكامة ببلادنا. كل ما سبق ينبع من روح دستور 2011.

قرر ملك البلاد أن يرفع شأن البلاد منذ أول يوم من توليه مسؤولية الأمانة الكبرى بالبلاد. وسارت وراء عزيمته وإرادته كل مكونات الشعب المغربي. قال الشعب بكثير من الوعي التلقائي "ملكنا واحد محمد السادس". وشعر الجميع بدفء العلاقة بين ملك وشعب. لكن قلة من المستفيدين من الريع شعروا بخوف على مصالحهم ووجدوا في ولوج ممارسة السياسة، عبر المجالس الترابية والمؤسسات العمومية، مواقعا للتشويش على مسار ثوري قاده ملك البلاد. لكن الإرادة الملكية ظلت ممسكة بالقرار في مجالات الاستثمار العمومي والتنمية رغم كل ما كان يحاك داخليا وخارجيا للحد من طموحات البلاد. يظل الشأن المهم والمركزي في سياسة بلادنا هو الاستمرار في مسيرة البناء الديمقراطي والتنموي والحقوقي بوعي كبير.

أعداء الديمقراطية هم أعداء التنمية، وهؤلاء هم أعداء الوطن. لقد انفرجت الأسارير فرحا بخروج ثلة من محبي وطنهم من السجن وسيزداد الفرح مع العفو عن شيخ المعتقلين وكل من أخطأ في التعامل مع معطيات في زحمة الرسائل السريعة داخل فضاء أزرق مخيف وكثير منه شائعات وكذب وصنع للكذب في شكل حقائق. الحليم يصنع السلم والطمأنينة ويغض الطرف ويحيي الآمال في غد أفضل. وعلى الله التوكل في الأول وفي الأخير.