رشيد لبكر: الإعتراف الفرنسي ينبئ بقرب الإنفراج النهائي  لقضية الصحراء وانحسار الطرح الإنفصالي

رشيد لبكر: الإعتراف الفرنسي ينبئ بقرب الإنفراج النهائي  لقضية الصحراء وانحسار الطرح الإنفصالي رشيد لبكر
لعيد العرش خلال هذه السنة وقع  خاص، فقد تحالفت عدة معطيات لجعل هذه المناسبة التي تخلد لمرور 25 سنة على حكم محمد السادس، اي ربع قرن من الزمن، متميزة عبر عدة مستويات..
 
أولا، لأنها تزامنت مع إعلان القصر الملكي عن إصدار عفو ملكي كريم عن عدد من الصحفيين و المؤثرين الذين قضووا عقوبات حبسية متفاوتة المدة حسب طول العقوبة المحكوم بها على كل فرد، عفو قوبل بردة فعل إيجابية و ترحاب كبير على الصعيدين الوطني والدولي، بعدما تصاعدت في الآونة الأخيرة النداءات المتكررة لإطلاق سراح المعفو عنهم، خصوصا وان الغالبية منهم، سجنوا بسبب قضايا تتعلق بالرأي والصحافة، او إن البعض منهم، ولو في ظل متابعته بتهم جنائية "عادية"، فقد روج لدى العديد من الأوساط الحقوقية، ان المتابعة سياسية في الأصل وإن غلفت بتكييفات جرمية اخرى ،لكم وبعيدا عن هذه السجالات  التي شغلت حيزا كبيرا من الزمن المغربي، وربما استغلها بعض خصومنا للترويج لصورة سيئة عن بلادنا،التي قطعت أشواطا كبيرة في مجال حقوق والحريات منذ الإعلان عن طي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فإن قرار صاحب الجلالة بتمتيع المعنيين بهذه العقوبات بالعفو، جاء في مرحلة مفصلية هامة، لقطع الطريق عن هؤلاء المناوشين والمتربصين ، ومن تم، الدفاع عن التجربة المغربية الرائدة ضد من يحاول النيل منها والخدش في  البناء المؤسساتي التي بدأت بلادنا  بناءه بثبات وثقة بالنفس رغم المعيقات العديدة وكثرة الإكراهات، لذا أنا أعتقد، ان قرار الإفراج هذا، هو اختيار دولتي تزعمه جلالة الملك للدفاع عن المكتسبات الوطنية في المجال الحقوقي وحفظ الحريات، وقد مارسه باعتباره حقا دستوريا ثابتا لجلاته، وفقا لما تمليه مصلحة البلاد وصورتها في الداخل والخارج وليس بدافع الضغط من أي جهة ما، وقد كان من الأجدى بالفعل طي هذا الملف، من أجل التركيز على ما هو أهم بالنسبة لبلادنا وهو  الطي  النهائي لقضية الصحراء الغربية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني وواحد من مكونات السيادة المغربية.
 
هذا هو المستوى الثاني الذي يجعلني أقر بفرادة اللحظة الوطنية التي تزامنت مع خطاب جلالة الملك، وهي إعلان الإليزيه رسميا عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي، و إعلان  الرئاسة الفرنسية في بيانها ب "أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية" وأن "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية.." أعتقد انه لا يوجد تعبير آخر أوضح من هذا الوضوح ، وبذلك تنضاف فرنسا الى قائمة الدول الكبرى (الدائمة العضوية في مجلس الأمن) إلى تشكيلة الدول الداعمة للمقترح المغربي والمقرة بسيادة المغرب على أقاليم الصحراء الغربية، وهو ما ينبئ بقرب الانفراج النهائي لهذه القضية وانحسار  الطرح الانفصالي  وقرب زواله، ومن المهم في هذا الباب الإشارة إلى معطى أساسي، يعكس حكمة وذكاء الموقف المغربي، وهو تعمد صاحب الجلالة عدم تضمين خطاب العرش الإشارة إلى هذا التحول الهام في الموقف الفرنسي،رغم أهميته القصوى ورواجه الواسع  قبل الخطاب، والسبب ان حسن النية التي أبداها المغرب طيلة سنوات، كثيرا ما كانت تقابل في بعض الظروف بالتنكر والتجاهل ولا سيما من قبل الطرف الفرنسي، الذي سبق لجلالته ان طالبه في خطبة سابقة بضرورة الخروج من" المنطقة الرمادية" وخاطبه بلغة سيادية قوية، تستنكر الإبتزاز واللعب بالحبلين، من أجل هذا، فقد تعمد جلالته عدم الإشارة الى هذا الموقف الجديد، حتى يعلن عنه الطرف الفرنسي ذاته، باعتباره هو المعني الاساسي بموقفه والأجدر بالإعلان عنه، وان المغرب " ما تسيبقش العرس بليلة"، ولأن قضيته عادلة، فإنه ماض في الدفاع عنها و لا ينتظر مواقف  العطف من أحد، فإما الوضوح او لا،إذ المبدأ، أن الدول تبني مواقفها بناء على بيانات الدول وليس على "يقال ويروج".
 
بخصوص القضية الغزاوية..فاعتقد أن جلالة الملك كان واضحا في إبداء موقف المغرب منها، بعيدا عن أوهام و مغالطات " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، فقد تكلم بمنتهي الواقعية والوضوح قاطعا الطريق عن كل المزايدات، وقال إن المغرب كان دائما مع الدولة الفلسطينية ، ولأنه كذلك، فقد فتح طريقا لمد المساعدات للشعب الغزاوي بعد ان عجز العديد من المتاجرين بالقضية عن فعل ذلك، بل ورفض الخضوع للإبتزاز عندما نشر رئيس الكيان الغاشم خريطة المغرب مبتور عنها الجهات الصحراوية العزيزة ردا على موقف المغرب اتجاه غزة. ورغم كل هذا الدعم،  فقد صنف جلالة الملك كل المجهودات المبذولة لإنهاء العدوان اليوم، بأنه مجرد تدبير مرحلي لأزمة وليس حلا جذريا لها، وتبعا لذلك، قدم بمنظور واقعي ورؤية مستدامة، عرضا دبلوماسيا لوقف العدوان يتكون من ثلاث نقط أساسية ( أولها )توسيع الأفق السياسي، وهو نداء للأطراف المتصارعة، كي تفكر في مقاربة أخرى لتدبير الصراع، قوامها التعايش "ولو على مضض" وليس المحق والإفناء،و(ثانيها) الجلوس على طاولة المفاوضات وفق الأفق السياسي المقترح من طرف جلالته، والذي لا يقبل بالمتطرفين من هذا الطرف أو ذاك، وفي ظني أن الطرف الإسرائيلي لحد الساعة هو الأكثر تطرفا والأشد تعنتا على اعتبار أن موازين القوى لصالحه فضلا عن الدعم الأمريكي الصريح، أما (ثالثها) فهو حل الدولتين التي لن تكون إلا تتويجا للنقطتين السابقتين على أساس اعتبار غزة جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، من هنا أرى، إن بيان  الخطاب الملكي في هذا الظرف، موجه لكل المزايدين على الموقف المغربي، ومضمونها الداعم لقيام الدولة الفلسطينية وحفظ حقوق الشعب الفلسطيني واضح الآن وكما كان دائما، إذ  المغرب معروف بحب الألوان الواضحة ويكره المساحات الرمادية..
 
اخيرا، آمل ان يشمل العفو الملكي معتقلي الريف في اقرب فرصة ممكنة..أنا على يقين بأن العفو مجرد وقت وترتيب لأمور ربما نجهل بعض تفاصيلها، و أن دورهم قادم وفي أقرب وقت.. نتمناه..