أين أنتم يا حماة التراث اللامادي.. من يحمي "الرّوح الصامتة" لآلة لَوْتَارْ المغربية الأصيلة من التشويه

أين أنتم يا حماة التراث اللامادي.. من يحمي "الرّوح الصامتة" لآلة لَوْتَارْ المغربية الأصيلة من التشويه الزميل أحمد فردوس رفقة الفنان الموسيقي حسن الزرهوني

في سياق التحولات التي تعرفها صناعة آلة لَوْتَارْ المغربية الأصيلة، طرحت جريدة "أنفاس بريس" أسئلة آنية على الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، هل آلة لَوْتَارْ المغربية الأصلية قادرة على إبداع نغمات طربية جديدة، على مستوى الإبتكار الفني والجمالي والوجداني؟ وما هو تعليقك على التشوهات التي طالت آلة لوتار مؤخرا، حيث تم الاستغناء بقدرة قادر، على مكونات الآلة الوترية، من جلد وأوتار من جلد وأمعاء الماعز، وعصرنتها عن طريق صناعة آلة إليكترونية جديدة، يتهافت على اقتناءها بعض الفنانين، على اعتبار أنها تصدر نغمات لا علاقة لها بنغمة لَوْتَارْ المغربي القديم والأصيل؟ ألا يعتبر هذا المنتوج الدخيل، تشويها لتراثنا اللامادي على مستوى النغمة المغربية ذات الصلة بالغناء والموسيقى التقليدية؟ وما هو موقف وزارة الثقافة إلى جانب الفنانين والموسيقيين من هذا التحول الخطير الذي يطال آلة لَوْتَارْ المغربية الأصيلة والإكتساح الذي تعرفه الآلة الإليكترونية المزعجة؟

لم يتردد الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني من تقديم وجهة نظره في هذا الملف، حيث أكد قائلا: "آلة لوتار المغربية الأصلية تعتمد في صناعتها على مقاييس رياضية وحسابية دقيقة ومحددة، لا يمكن القفز عليها". وأوضح بأن "الفنان الموسيقار المتمكن من العزف على آلة لَوْتَارْ، قادر على توظيف كل المقامات الموسيقية المعلومة في حقل الإبداع والفن الموسيقي، مثل مقام "النهوند"، و "السيكا" و "الحكاز"، و "البياتي"، و "الكرد" و "العجم" وما إلى ذلك من مقامات معروفة"، ولكن "يجب على الفنان أن يمتلك اللمسة السحرية في العزف" حسب تعبيره.

لهذا السبب يفرق الفنان حسن الزرهوني بين الفنان "لَوْتَيْرِي" العازف على لَوْتَارْ، والفنان الموسيقار المبدع الذي يخرج النغمة من الآلة بلمسته السحرية والفنية الطربية التي ترتاح لها الأذن وينصهر معها الوجدان الإنساني ـ حسب قوله ـ

لوتار بالنسبة لحسن الزرهوني آلة تاريخية وأصيلة، يصفها بـ "الروح الصامتة"، في إشارة إلى كساء جلد الماعز، الذي ينقر بالأصابع التي تمثل "الروح المتحركة" والحية، تزامنا مع اشتغال أنامل الفنان الموسيقار على الأوتار، من أجل التحكم في العزف وإخراج النغمة الساحرة والجميلة التي تنجذب لها آذان المتلقي وجدانيا وروحيا.

وأكد حسن الزرهوني على أن صناعة آلة لَوْتَارْ يجب ألا تزيغ عن مكوناتها الأساسية، والجلد يعتبر بالنسبة إليه مكونا أساسيا، حتى لا تضيع النغمة الفنية السّاحرة، بحكم أن للجلد طابعه وبصمته الفلسفية والروحانية، وطابعه الجمالي والوجداني مهم جدا.

وشدد نفس المتحدث على أنه لا يقبل أن يعزف على آلة وتار خضعت لتغيير مقاييسها التاريخية والفنية والجمالية دون احترام الذوق الفني الراقي، مثل ما يقع اليوم أمام من يعنيهم موروثنا الثقافي الشعبي وتراثنا اللامادي، وأشار إلى أن الفنانين الموسيقيين الذين يقدرون نغمة آلة لوتار الساحرة سواء كانوا أمازيغ أو غيرهم لن يقبلوا أن يعزفوا على هذا المنتوج التجاري. وقال في هذا السياق "أنا على يقين بأن الفنان الموسيقي عابدين الزرهوني لن يقبل أن يعزف على آلة وترية إليكترونية دخيلة على حقل لوتار المغربي الأصيل".

هكذا ترافع حسن الزرهوني على تاريخ ومسار آلة لوتار المغربية

أكد حسن الزرهوني على أن لوتار المغربي آلة وترية أمازيغية النسب، وقد تعددت أسماءه حسب النوع والحجم والمجال الجغرافي، فهناك من يسميه لَوْتَارْ، أو الـْﮜَنْبَرِي، أو السّْوِيسِي، خلاف ألة الْهَجْهُوجْ التي تعتبر ألة وترية صوفية.

وحسب ضيف الجريدة فإن تاريخ صناعة ألة لوتار يعود إلى أكثر من 950 سنة قبل الميلاد، حيث استحضر في هذا السياق حكم الفراعنة في مصر وتحديد في فترة الأسرة 21 الفرعونية، حين دخل الغزاة إلى مصر، ومن بينهم أمازيغ ليبيا، القادمين من شمال إفريقيا التي كانوا يسيطرون عليها. وقد توافد بعدهم على مصر الكوشيين والآشوريين ومن بعدهم الفرس ثم الرومان وأخيرا العرب.

في سياق متصل أوضح حسن الزرهوني أن الغزاة الليبيين كانوا قد قضوا على الأسرة 21 الفرعونية التي كان يتزعمها الفرعون "سيامون" و "بيساوسن الثاني"، حيث سيحكم آنذاك مصر الفرعون "سيشانق"، وكان معه في تلك الفترة فارس أمازيغي من المرجح أنه قد ذهب من المغرب، حاملا معه آلة لَوْتَارْ، التي توجد حاليا في متحف اللوفر في فرنسا بعد أن عثر عليها ضمن مجموعة من اللقى بعض المستكشفين الفرنسيين في إطار الحفريات الأركيولوجية بدولة مصر، حيث تم تحديد عمر هذه الآلة في 950  سنة قبل الميلادي.

وأضاف موضحا بأن الآلة الوترية التي عثر عليها المستكشفون الفرنسيون تشبه إلى حد كبير، الآلة الوترية المغربية الحالية، ذات الشكل الهندسي المستوحى من لوح الصبار الشوكي، ـ من حيث المكونات المادية ـ وكان لهذه الآلة ثلاث أوتار مصنوعة من أمعاء صغير الماعز المعروف في اللغة العربية باسم "السَّخْلَةُ" أو "الْعُنَاقْ".

وعن مراحل صناعة الأوتار فقد كانت تذهن بالزيت وتوضع تحت أشعة الشمس مدة زمنية طويلة حتى تصبح لائقة لإصدار أنغامها الجميلة والساحرة. وكانت الآلة الوترية المغربية القديمة تحتوي كذلك على ما يسمى بـ "الَحُمَّارْ" وهو الرافعة الأساسية التي تحمل الأوتار، ودوره يعتبر ركيزة مثل رْكِيزَةْ "لَوْثَاقْ" أو "لَخْزَانَةْ" أو "الَخَيْمَةْ" أو "الَكْيَطُونْ" والتي يطلق عليها أيضا اسم "الْحُمَّارْ".

وأشار قائلا بأن آلة لوتار المغربية القديمة جدا، كان يتم صناعتها من جلد الإبل، أو جلد الغزال، أو جلد الماعز كما هو متعارف عليه حاليا لدى الصاع التقليديين المتخصصين في هذه الصناعة الجميلة.

في سياق متصل تحدث الفنان الموسيقي والتشكيلي حسن الزرهوني عن آلة العود القديمة جدا، والتي يعتبرها من أقدم الآلات الموسيقية، حيث كان يسمى سابقا بـ "الْبُرْبُطُ" أو "الْمُوسِرُ" ويطلق عليه الموسيقيين اسم سلطان الآلات وجالب المسرّات.

واستطرد موضحا بأن عمر آلة العود يقدر بحوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وقد تم العثور على آلة العود في إطار الحفريات الأركيولوجية في مصر، ويعود عمره إلى حوالي 1600 سنة قبل الميلاد، وقد أخذت آلة العود شكلها النهائي في عهد الأمويين في الأندلس من طرف الموسيقار والشاعر أبو علي الحسين ابن علي ابن نافع الموصلي المعروف بالموسيقار الكبير زرياب، وهو الذي طور آلة العود ومنحها شكلها الحالي

أما بخصوص آلة الكمان "الْكَمَنْجَةْ" فلم تظهر إلا في حدود القرن السادس عشر بإيطاليا، حيث تخصصت مجموعة من الأسر في صناعة آلة الكمان، من بينها مثلا، أسرة الموسيقار والشاعر والفنان الكبير، "أوندري أماتي"، بالإضافة إلى أسرة الفنان "سترا ديفاري" وكذلك عائلة الموسيقيين "جوار نيري". وقد وثق الفنان التشكيلي "بوديزو فيراري" المشهور بلوحاته الفنية آلة الكمان من خلال أعماله الفنية خلال القرن السادس عشر، والذي عاصر الرسام "مايكل أنجلو" والرسام الشهير "ليوناردو دافينشي"، ومن تم فقد دخلت الآلات الموسيقية إلى المغرب في بداية القرن العشرين خلال عهد الحماية الفرنسية، خلاف آلة لوتار والعود القديمين جدا.

علاقة الروح الصامتة لآلة لوتار مع روح العازف المتحركة والحية

لقد حافظت آلة لوتار على شكلها ومكوناتها المادية "جلد الماعز وأوتار الأمعاء"، في هذا السياق يؤكد حسن الزرهوني على أن جلد الماعز الذي يكسو جسد آلة لوتار يعتبر "روحا صامتة"، في حين أن الأنامل التي تعزف تعتبر "روحا متحركة" وحية. لذلك يخلص بقوله إلى أن هناك علاقة جدلية ما بين العازف الموسيقار الفنان، باعتباره يجسد "الروح المتحركة" والحية، وكذلك بين آلة لوتار الأصلية التي توصف بأنها "روح صامتة".

لا ينفي حسن الزرهوني فكرة تأصيل المعاصرة وعصرنة الأصالة لاعتبارات ظرفية فنية، في هذا الإطار يستدرك الفنان الموسيقي والتشكيلي ضيف الجريدة بقوله: "ولكن يبقى الأصل أصيلا وله معناه وذوقه الساحر والجميل" من خلال ضرورة المحافظة على مكونات آلة لوتار ذات الصلة بصناعته القديمة ـ الجلد والخشب والأوتارـ على اعتبار أن جلد الماعز هو القادر على إخراج النغم والطرب المستوحى من البعد الروحي والجمالي والفني والإبداعي. خصوصا يضيف حسن الزرهوني أنه "أثناء العزف بالموازاة مع النقر على الجلد بالأصابع يستطيع الموسيقي الفنان المبدع أن يتحكم في إخراج "النوتة الموسيقية" ويتحكم أيضا في المساحات والانتقالات سواء في لحظة الاسترسال في العزف أو حين تحديد زمن العزف، لذلك فمادة جلد الماعز ـ بالنسبة له ـ لها دورها الفني على مستوى النغمة الموسيقية، والبعد الجمالي والبعد الروحاني.

وشدد حسن الزرهوني على أن الآلات الموسيقية ترتكز وتقوم على مقاييس علمية ورياضية وحسابية دقيقة، ومحددة، وكل آلة وترية موسيقية يتم صناعتها تستند على هذه الدقة الحسابية، التي ترتكز على "نُوتَاتْ" ونغمات وأبعاد موسيقية أصيلة وأساسية، وتصاحبها أيضا مجموعة من النغمات الفرعية والتي يطلق عليها اسم سلسلة النغمات التوافقية. وانطلاقا من هذه القاعدة العلمية يوضح الفنان حسن الزرهوني يقوله: "أن هناك الموسيقار الفنان الذي يمتلك اللمسة السحرية التي يضيفها لعزفه على الآلة الموسيقية، وهناك فنان غير الموسيقي المحترف العالم بأساسيات النغم".