كما كان منتظراً تم ترسيم الإعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء بمناسبة الذكرى 25 لعيد العرش.
عندما تعترف فرنسا بمخطط الحكم الذاتي وتضيف جملة في "إطار السيادة المغربية" فإنها تخطت بذلك حاجزاً نفسياً ظلت تقاومه لمدة سبعة عشر سنة، أي منذ أن اعتبرت اقتراح الحكم الذاتي كحل ناجع و جدي.
هناك من يعتبر الأمر تحصيل حاصل و هناك من يقلل من تداعياته و من يعتبره أقل أهمية من الإعتراف الأمريكي. في الواقع هناك فرق في السياقات. الإعتراف الأمريكي، على أهميته باعتبار أمريكا أقوى دولة في العالم و لها تأثيرها بمجلس الأمن، إلا أن تزامن هذا الإعتراف مع مغادرة الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض خلف الكثير من التأويلات دعمها التعامل البارد لإدارة بايدن مع هذا الملف.
بالنسبة لفرنسا الأمر يختلف على اعتبار أنها القوة الإستعمارية السابقة للمغرب والجزائر ومن هذا المنطلق، وأخداً بالإعتبار لمصالحها الحيوية، كان الحياد هو الغالب خلال النصف قرن من قضية الصحراء وإن كانت باريس قد مالت شيئاً ما للرباط منذ العام 2007 مع تأييدها لمقترح الحكم الذاتي. لكن و منذ العام 2017 أي مع قدوم الرئيس ماكرون شهدت العلاقات بين فرنسا و المغرب رجات قوية كان حطبها مغازلة ماكرون للجزائر فيما مرة و التزامه منطقة رمادية في قضية الصحراء أوصلت العلاقات الثنائية لحد القطيعة و سحب سفير المغرب من باريس. إلا أن ماكرون استشعر انفلات الملف من يده بعد تصاعد الضغط عليه من طرف اليمين الجمهوري الذي يدعو صراحة بالقرب أكثر للمغرب والإعتراف بمغربية الصحراء صوناً للمصالح الحيوية لفرنسا (ساركوزي وسيوتي)، و من جهة أخرى من طرف اليمين المتطرف الذي ينادي بإلغاء الإمتياز الممنوح للمواطنين الجزائريين في التنقل لفرنسا منذ العام 1968 (لوبن و زمور). ولاشك أن ماكرون استشعر أن الإعتراف بمغربية الصحراء في سياق دولي خاص صار تحصيل حاصل ومسألة وقت ليس إلا فاستبق الأمور حتى تُحسب له هذه المراجعة الديبلوماسية الكبيرة.
وواهم من يعتقد أن فرنسا من رئاستها إلى مختلف مصالحها الديبلوماسية مروراً بمخابراتها تغيب عنها عواقب هذا الإعتراف و إسقاطاته الكارثية على العلاقات بين باريس والجزائر. فليس من محظ الصدفة أن تستبق فرنسا الأمور وتخبر الجزائر بخطوتها قبل ترسيمها على الأقل لجس نبضها. وقد سارت الأمور كما توقعته لا ريب السلطات الفرنسية عندما نشرت وزارة الخارجية الجزائرية بلاغاً بعيداً كل البعد عن اللغة الديبلوماسية ملؤه تهديد و وعيد فيه الكثير من الإهانة للدولة الفرنسية، وهذا بالضبط ما كان دائماً يستفز الطبقة السياسية الفرنسية التي تعيب على الجزائر عنف خطابها الديبلوماسي في مقابل رقي الخطاب المغربي حتى في أقوى لحظات الخلاف.
وإذا كانت فرنسا قد استخلصت الدروس من المواقف الأمريكية والإسبانية الموالية للمغرب والألمانية والبريطانية التي عبرتا عن تفاعلهما الإيجابي مع مقترح الحكم الذاتي، فإنها وهي الشريك الأساسي للمغرب وأول مستثمر به ستؤثر لامحالة على العديد من الدول بالإتحاد الأوروبي مما يؤشر لقرب انفراج هذا الملف، خاصة إذا عاد ترامب للبيت الأبيض في بداية العام المقبل.
للقصة بقية و لتفاعلاتها لاشك مآلات بهية.
سمير شوقي/ رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية و الجيوسياسية