موسى المالكي يبرز تجليات الأبعاد الجيوستراتيجية بين المغرب وإفريقيا

موسى المالكي يبرز تجليات الأبعاد الجيوستراتيجية بين المغرب وإفريقيا موسى المالكي

بدعوة من الفرع الإقليمي لرابطة كاتبات المغرب وإفريقيا الصخيرات ـ تمارة، وبتنسيق مع جمعية الساقية الحمراء الوطنية والدولية للتنمية والتواصل، شارك الأستاذ موسى المالكي رئيس المنتدى الإفريقي للتنمية والأبحاث الجغرافية والاستراتيجية، بمداخلة تحت عنوان: "الأبعاد الجيواستراتيجية للعلاقات المغربية - الإفريقية ومسار بناء إفريقيا جديدة"، ضمن ثلة من الأساتذة في ندوة حول "تاريخ العلاقات المغربية الافريقية من الثابت الديني إلى المشترك الثقافي والاجتماعي والدبلوماسي"، يوم الجمعة 26 يوليوز 2024 بمقر دار الشباب ولاد زعير، بعين العودة (عمالة الصخيرات تمارة). ونظرا لأهمية الموضوع تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" عصارة ورقة الأستاذ موسى المالكي.

 

 أشاد الأستاذ موسى المالكي في تدخله بأهمية تنظيم الملتقى الأول بعين عودة من طرف الفرع الإقليمي لرابطة كاتبات المغرب وإفريقيا الصخيرات ـ تمارة، بتنسيق مع جمعية الساقية الحمراء الوطنية والدولية للتنمية والتواصل، الذي يزخر بالرموز والإشارات والدلالات من خلال الخيمة الصحراوية التي أقيمت عند مدخل دار الشباب ولاد زعير، وكل ما ترمز له من تاريخ وثقافة ومن حضارة وقيم وكرم الصحراء المغربية. ونوه نفس المتحدث باختيار المنظمين لمنطقة عين عودة لتنظيم الملتقى الأول، على اعتبار أن الملتقيات الفكرية كانت تقتصر على المدن الكبرى التي تحتضن الجامعات المغربية.

 

وشدد الأستاذ موسى المالكي على ضرورة توسيع دائرة التفكير إلى مقاييس جغرافية أكبر، مشيرا إلى أن إفريقيا تعتبر ثاني أكبر قارة في العالم من حيث المساحة، حيث يبلغ عدد سكانها مليار و400 مليون نسمة، وهي في تطور ديمغرافي واعد، وتعيش إفريقيا تحولات كبرى سياسية واقتصادية واجتماعية وجيواستراتيجية.

 

في سياق متصل أوضح نفس المتدخل بأن المغرب بلد إفريقي، وينتمي للقارة الإفريقية جغرافيا وثقافيا، وهناك روابط تاريخية واجتماعية ودينية تجمع بينه وبين إفريقيا، وأكد أنه لطالما كان المغرب عبر التاريخ واعيا بأهمية القارة الإفريقية لتطور الدولة وعلاقاتها، إضافة إلى أن الدول التي تعاقبت على حكمه كلها كان لها امتداد جغرافي حيث كانت حدوده تمتد من البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى حدود نهر السينغال جنوبا، ومن المحيط الأطلنطي غربا إلى مشارف الحدود التونسية والليبية شرقا.

 

وأشار في مداخلته إلى أن الاستعمار الأجنبي سواء الفرنسي أو الإسباني، يتحمل مسؤولية تاريخية اتجاه الجريمة التي اقترفها في حق خريطة المغرب والمغاربة، حيث يمكن الرجوع فقط لخريطة المغرب في عهد حكم السلطان العلوي المولى الحسن الأول سنة 1880، وسنكتشف أننا كنا ضحية دخول المستعمر للقارة الإفريقية ولازلنا ندفع ثمن الاستعمار الأجنبي لشمال القارة ـ حسب قوله ـ ورغم خروج الاستعمار على الأقل عسكريا، إلا أنه ترك مجموعة من المشاكل والنزاعات الحدودية والنفوذ الاقتصادي والثقافي.

 

واعتبر أن هذه الجريمة التي اقترفها المستعمر هدفت لقطع جذور المغرب الممتدة إلى إفريقيا، وشبه المغرب بالشجرة التي تمددت جذورها نحو وسط وغرب إفريقيا، إلا أن الإستعمار أراد قطع هذه الجذور حتى لا تنمو وتتطور الدولة المغربية التي كان ينعتها هو نفسه بالإمبراطورية الشريفة. وأشار في سياق حديثه إلى أن المستعمر يعي أنه إذا استعاد المغرب جذوره الإفريقية سيعود لسابق قوته.

 

واستدرك موضحا بأن هذه العودة ستكون بمنطق جديد، أي بمنطق الشراكة والتعاون واحترام سيادة واستقلالية وحرية الدول، على اعتبار أن كل من القوى التي تتنافس على النفوذ في إفريقيا، لا تهمها سوى مصلحتها الخاصة في المقام الأول، وهي المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. وأكد في هذا السياق، بأن للمغرب مصالح استراتيجية مشتركة مع البلدان الإفريقية، وهي التي يقود جهود الدفاع عنها الملك محمد السادس منذ اعتلاء سدة العرش، والتي توجت بالعودة القوية للمغرب إلى كرسيه المستحق كعضو مؤسس لمنظمة الاتحاد الإفريقي، وآخرها ربط جانب من بلدان الساحل بواجهته البحرية على المحيط الأطلنتي.

 

وأوضح ذات الباحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية، بأن عدة بلدان ستستفيد من مزايا الموانئ المغربية، وخاصة تشاد ومالي وبوركينافاصو، والنيجر لأنها لا تتوفر على منفذ بحري، ما يمنح أهمية قصوى لمبادرة المغرب من أجل وضع هذا المنفذ البحري وموانئه رهن إشارة هذه البلدان الحبيسة جغرافيا. مؤكدا على أن هذا المتنفس هو القادر على إعطاء هذه البلدان الإفريقية حلا لمشاكلها الكثيرة، مثل التوترات الأمنية والنزاعات المسلحة وانتشار المنظمات الإرهابية، بعد أن ثبت الم أن المنطق الأمني والعسكري الذي جربته بعض القوى الأجنبية، أثبت فشله الذريع ولم يحقق سوى آلاف الضحايا، من قتلى وجرحى، وملايين المشردين.

 

لذلك ـ يقول الأستاذ موسى المالكي ـ بأن المغرب أتى بمنطق اقتصادي وتنموي جديد، على اعتبار أن هذه البلدان الإفريقية لا تنقصها الموارد والثروات، سواء الطاقية أو الطبيعية إلى جانب الموارد البشرية من أجل أن تشق الطريق نحو مسار التنمية والاستقلالية والسيادة، وأن تمتلك قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

 

وتحدث عن مبادرة الإطار المؤسساتي للدول المطلة على المحيط الأطلنطي، منوها بالجهود التي تبذلها مختلف المؤسسات والأجهزة المغربية التي تقوم بواجبها على أفضل نحو، مشيرا إلى أهمية دور منظمات وهيئات وجمعيات المجتمع المدني في الجانب المرتبط بالترافع الثقافي والتواصلي والديبلوماسي، على اعتبار أن الحروب والمعارك اليوم ليست تقليدية ولم تعد تستعمل العنف الميكانيكي، بل ترتكز على ما أسماه بالقوة الناعمة، أو معركة كسب النخب، من خلال تنظيم الندوات والملتقيات الفكرية ومد الجسور مع النخب الإفريقية العلمية والاقتصادية والمدنية من أجل بناء إفريقيا جديدة.

 

وذكر الأستاذ موسى المالكي بالصورة المشوهة التي كانت تبث في وسائل الإعلام عمدا، عن إفريقيا المجاعة والحروب والنزاعات المسلحة لنشر اليأس بين أبناء القارة السمراء، حتى لا نفكر في أي طموح لتحويل إفريقيا مصنع للتنمية، وأن نخبها قادرة على صناعة هذه التنمية المستحقة لشعوبها رغم كل الإشكاليات التي تعاني منها أمنيا واقتصاديا وسياسيا، وهو الحلم المستحق والممكن والذي يحمله التوجه الاستراتيجي المغربي تحت قيادة الملك محمد السادس.