ومن بين المقتضيات اللادستورية في مشروع قانون المسطرة المدنية:
- حرمان المواطن من الحق في التقاضي، إذ فرضت المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية غرامات مالية على المواطن المغربي لفائدة الخزينة العامة، إذ أعطت للمحكمة المعروضة عليها القضية، صلاحية الحكم بغرامات، إذا تبين لها سوء نية المتقاضي وهذا النص فيه خرق لمبدأ الحق في التقاضي، وللفصل 118 من الدستور وللمادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللفصل 14 من العهد الدولي للحقوق السياسية والاقتصادية. فلا يقبل في بلد يسعى إلى إصلاح منظومة العدالة عرقلة اللجوء إلى القضاء بالترهيب بأداء غرامات تتراوح بين 10.000 و20.000 درهم، خاصة أن التقاضي ليس بالمجان في المغرب. ولا يسوغ للمشرع أن يخلق منبع ومورد مالي إضافي لخزينة الدولة على حساب المواطنة والمواطن الذي أرهقته الرسوم القضائية.
- إن مشروع قانون المسطرة المدنية يكرس التمييز المالي بين المواطنين ويمس بمبدأ المساواة بين المواطنين في المواد 30 و31 و 375 باعتماد المعيار المالي للتفرقة بين المتقاضين من أجل الولوج إلى العدالة على أساس الوضعية المالية بتصنيف التقاضي بين طبقتين الطبقة الغنية تستفيد من جميع مراحل التقاضي، والطبقة الفقيرة التي ليس حق لها في التقاضي على درجتين ولا تستفيد من الضمانات القانونية التي تضمنها محكمة النقض.
فالمادة 30 ثم فيها إقصاء فئة المتقاضيين من ممارسة الطعون في الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية بناء على قيمة القضية 30.000 درهم –والمادة 31 التي تتحدث على القسم التجاري بالمحاكم الابتدائية بناء على قيمة القضية لا تتجاوز 80.000 درهم، وهذا ويعد إقصاء لفئة من المواطنين لممارسة حقهم في الطعون في قضايا تتجاوز 50 في المائة من الملفات المعروضة على المحاكم. وإذا كانت الغاية تقليص نطاق الأحكام القابلة للطعن بالاستئناف لتخفيف الضغط على المحاكم، فإن ذلك سيكون على حساب حقوق المتقاضين وعلى حساب المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها النظام القانوني المغربي ولمبدأ التقاضي على درجتين كشرط من شروط المحاكمة العادلة. والمادة 375 نصت أن محكمة النقض تختص بالطعن بالنقض ضد المقررات الانتهائية التي تتجاوز قيمتها 80.000 درهم فهذا التعديل يخلق إشكالا قانونيا كبير يتجلى في توحيد تطبيق وتفسير تأويل النص القانوني في القضايا باعتماد معيار الاشكال القانوني وليس المعيار المالي الذي يمس بمبدأ المساواة بين المتقاضين.
- مشروع قانون المسطرة المدنية شرعن التمييز بين الخصوم والمس بحجية الشيء المقضي به، حيث نص في المادة 17 على إمكانية النيابة العامة سواء كانت طرفا في الدعوى أم لا، ودون التقيد لآجال الطعن المنصوص عليها في المادة السابقة أن تطلب التصريح ببطلان الحكم المخالف للنظام العام ". وتعد هذه المادة من أخطر المواد التي جاء بها المشروع، باعتبارها لا تساوي بين النيابة العامة كخصم شريف ودفاع الأطراف في الدعوى وفي الآجال وتضرب حجية الشيء المقضي به وقوة الشيء المقضي به في مقتل وستبقى الأحكام معلقة إلى أبد الآبدين، إذ من الممكن أن تأتي النيابة العامة سواء كانت طرفا رئيسيا أو منظما أم لم تكن طرفا البت في الدعوى، لتطعن في أي حكم دون التقيد بأي أجل وحتى في الأحكام التي بلغت للأطراف واكتسبت قوة الشيء المقضي به، وهو ما يسيء لاستقرار المعاملات والأحكام وللمنظومة الحقوقية بالمغرب دوليا لكونه فيه إهدار لمبدأ المساواة بين المتقاضين وفيه هدر للزمن القضائي.
وكيف يمكن شرعنة مراقبة النيابة العامة لقضاء الموضوع وطلب بطلان الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به مما يمس باستقلال القضاء؟
ومن أخطر المقتضيات ما جاء في المادة 375 أن محكمة النقض تختص بالطعن بالنقض ضد المقررات الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة باستثناء القرارات الاستئنافية الصادرة في مادة فحص شرعية القرارات الإدارية، وهذا مقتضى خطير من شأنه تحصين القرارات الإدارية ويخرق مبدأ المساواة أمام القانون.
وفي المادة 383 سمح المشرع أن يكون الطعن بالنقض موقفا لتنفيذ الأحكام التي تصدر في القضايا الادارية ضد الدولة أو الجماعات الترابية أو أشخاص القانون العام أو شركات الدولة، مع إقصاء المواطنين من الاستفادة من هذا المقتضى، وهو فيه خرق للفصل 6 من الدستور وهو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاص ذاتيين أو اعتباريين متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.
وبالمادة 429 مكن المشرع إدارات الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها وهيئاتها والمقاولات العمومية أو كل شخص آخر من أشخاص القانون العام أو جماعة سلالية من إعادة النظر أمام محكمة النقض إذ لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على الحقوق واستثنى المواطنين العاديين من هذا الحق، مما يسيء للمساواة في العدالة والتقاضي بين المواطن والادارة.
- خرق مبدأ الحق في الدفاع والولوج المستنير للعدالة، حق الدفاع ليس حق فئوي خاص برجال ونساء الدفاع فقط، ولكنه بالأساس حق لجميع المواطنين كأطراف في المساطر القضائية كيفما كانت مراكزهم القانونية سواء كانوا مدعين أو مدعى عليهم.
ويبدو ان مشرع قانون المسطرة المدنية يسعى إلى إقصاء المحامي من المجال القضائي، بالاستغناء عنه من مباشرة العديد من الدعاوى والمساطر والسماح للمواطن بممارس بصفة شخصية أو بواسطة وكيل ومن بين الوكلاء الحواشي إلى الدرجة الرابعة، هؤلاء المواطنين أغلبهم لا دراية لهم بالقوانين والمساطر، مما يتسبب في ضياع الحقوق وما يتمخض عنه من إصابة العدالة في مقتل وحرمان المواطن في الولوج المستنير والمتبصر للعدالة.
ألا يدري المشرع أن الزامية المحامي لم تكن في يوم من الأيام بترف ولا وسيلة لكسب العيش، بقدر ما هي وسيلة لتفادي ضياع الحقوق والمصالح وتفادي كثرة الاحكام بعدم قبول برفض الطلب، الا يعلم المشرع أن المحامي يساهم في تجويد الأحكام خدمة للعدالة، ومن بين المقتضيات التي أساءت للحق في الدفاع:
- المادة 376 جاء فيها: "إذا كان أحد طرفي الطعن قاضيا أو محاميا أمكن لمن يقاضيهما الترافع شخصيا أمام محكمة النقض " . علما أن المادة 33 من قانون مهنة المحاماة تنص على أنه: "لا يقبل لمؤازرة الأطراف وتمثيلهم أمام محكمة النقض إلا: المحامون المسجلون بالجدول منذ خمس عشرة سنة كاملة على الأقل؛المحامون الذين كانوا مستشارين أو محامين عامين، بصفة نظامية في محكمة النقض، قدماء القضاة، وقدماء أساتذة التعليم العالي، المعفيون من شهادة الأهلية ومن التمرين، بعد خمس سنوات من تاريخ تسجيلهم بالجدول.
ألا يرى المشرع أن هذه المادة العليلة سترتب عنها ضياع الكثير من حقوق المواطن المغربي الذي أعطيت له صلاحية التقاضي أمام محكمة النقض رغم عدم درايته بالقانون والمساطر التي تخول له الدفاع عن حقوقه في مواجهة خصم يكون إما محاميا أو قاضيا، وهذا يشكل خطرا على الولوج المستنير للعدالة و الأمن القضائي بالمغرب لعدم ضمان المحاكمة العادلة للأطراف والمس بجودة الأحكام.
وكيف يبرر المشرع نصه في المادة 422 السماح للمواطن شخصيا اللجوء إلى محكمة النقض لمخاصمة القضاة بمقال موقع من طرفه، ويفرض على المحامي الذي يباشر مسطرة مخاصمة القضاة أن يكون مقبولا للترافع أمام محكمة النقض من جهة و ان يرفق مقاله بوكالة خاصة تحت طائلة عدم القبول؟
وبالرجوع للمادة 11 ثم السماح للقاصر المميز الذي ليس له نائب شرعي أو لم تتأت النيابة عنه بالتقاضي أمام المحكمة أو بطلب الصلح فيما له مصلحة ظاهرة.
- المادتين 30 و31 يمكن الاستغناء عن المحامي في القضايا التي ستصبح المحاكم الابتدائية تختص بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا بناء على القيمة 40.000 درهم فما تحت بالنسبة للقضايا المدنية ،و100.000 درهم فما تحت بالنسبة للقضايا التجارية المعروضة على الأقسام التجارية بالمحاكم الابتدائية لم تعد قابلا للاستئناف.
المادة 79: لا تلزم الدولة بتنصيب محام للدفاع عنها علما ان فيه خرقا بمبدأ حق الاحتكار، وفيه منافع للدولة بعدم إرهاق ماليتها من كثرة الملفات المحكومة بعدم القبول أو برفض الطلب تكلف مالية الدولة والمادة.
- المادة 440: سلوك مسطرة تقديم الحساب معفية من تنصيب محام ، كما ان المادة 256 فرضت على المحامي أن يدلي بتوكيل خاص صادر عن المودع له لسحب المبالغ أو الأشياء المودعة و هذا المقتضى يتناقض مع المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
هل الهدف هو إقصاء المحامي من المشهد القضائي المغربي وإسكات صوت الدفاع فذلك مستحيل لأن من اختار المهنة اختار النضال من اجل حقوق الغير ، واليوم نسجل على المشرع ان المتضرر هو المتقاضي من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وهم عامة الشعب؟ نريد ان نقف على الأسباب والمسببات لهذا التوجه الذي يسعى إلى خلق الفوضى داخل محاكم ستعج بمواطنين تائهين ضائعة حقوقهم ضحايا قانون سمح بتوكيل الحواشي ، وهذا سيسود صورة العدالة بالمغرب وهو ما لا نتمناه لهذا البلد.
أليس من الواجب على الدولة أن تعمل مقتضيات المساعدة القضائية لفئة المتقاضين الذين لا يستطيعون اداء اتعاب المحامي لضمان تمتعهم بحق الدفاع وإلغاء المقتضى المتعلق بإمكانية الترافع عن انفسهم بشكل شخصي.
ونذكر المشرع بأهداف ميثاق إصلاح منظومة العدالة في إرساء مقومات المحكمة الرقمية والتقاضي الالكتروني، حيث دعا جلالته إلى ضرورة انخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي ومن بينهم المحامين باعتماد الحسابات الالكترونية المهنية واستعمال الرقمنة في كافة مراحل الدعوى المدنية التجارية والجنائية .فكيف للمواطن أن ينخرط في التقاضي الالكتروني. فمن المستحسن التنسيق بين مشرع رقمنة المحاكم ومشرع المسطرة المدنية لاستحضار المحكمة الرقمية للمواطن.
المادة 99: تنص على مقتضى لا يصون حق المواطن في الدفاع إذ سمحت للمحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى إذا كانت لا تتوفر على العناصر الضرورية للفصل فيها لمجرد استدعاء المدعي أو المحامي أو وكيل المدعي، في حين كان على المحكمة العمل على إنذاره بتصحيح المسطرة تفاديا لضياع الحقوق والمصاريف القضائية.
- المس بمبدأ حصانة الدفاع واستقلال المحاماة:
تعد حصانة الدفاع من أهم مقومات مهنة المحاماة وتجعلها تمارس مهامها بكل حرية واستقلالية لضمان حقوق وحريات موكليهم بعيدا عن أي نوع من القيود أو المضايقات وقد جاء التأكيد على هذا المبدأ في البند 16 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة باستقلال ومسؤولية القضاة والمحامين .
ولقد جاء مشروع قانون المسطرة المدنية في المادة 94 منه بمقتضى فيه تراجع عن ضمانات الحصانة المفروض ان يتمتع بها المحامي أثناء قيامه بعمله وفيه مساس باستقلالية المؤسسات المهنية إذ جاء فيه: "إذا صدرت أمام القضاء خطب تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا، حرر رئيس الجلسة محضرا يوجه إلى نقيب الهيئة وعلى الوكيل العام لاتخاذ ما هو ملائم"، فهذا النص يجعل النيابة العامة تمارس رقابة مباشرة على سلوك المحامين أثناء أدائهم مهامهم وهو إجراء يمس باستقلالية الممارسة المهنية، التي تكون تحت رقابة المؤسسات المهنية بعيدا عن أي تدخل للنيابة العامة التي منحها القانون الحق في الطعن في قرارات المؤسسات المهنية أمام غرفة المشورة و أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض . وهي آلية كافية لكي يمارس السيد الوكيل العام رقابته واستأنف قرارات المجالس للهيئات دون أن يكون له الحق في التوصل مباشرة بمحاضر من الهيئة القضائية محررة المحضر.
المادتين 78 و353: فيهما خروج عن الأصل بجعل مكتب المحامي محلا للمخابرة مع موكله بقوة القانون وتحميله الآثار القانونية عن التوصل بالإجراءات وسيتحمل مسؤولية إجراءات لا علاقة له بها، فلا يمكن للمشرع إخلاء مسؤوليته وتحميلها للمحامي، فالدولة مرفق عام ينبغي ان تتحمل مسؤوليتها كاملة في تصريف العدالة بالبلاد، فلا يمكن ان تكون السرعة في تجهيز الملفات سببا في الإجهاز على الملفات، ولا يمكن إحلال المحامي محل الموكل في الالتزامات لأن الدفاع يتصرف في حدود الوكالة الممنوحة له وهي الدفاع عن مصالح موكله وليس الحلول محله.
ونوجه رسالة إلى كل المتدخلين في العملية التشريعية أن المحامون ليست لهم مطالب خاصة ولكنها مطالب لفائدة المتقاضين والمرتفقين في مجال العدالة، فلا يمكن أن تمارس المحاماة بالطريقة الصحيحة في مجتمع يعاني قصور التشريع وتختل فيه الضمانات الدستورية.