إلى وقت قريب كانت الأندية الرياضية العريقة مشتلا للوطنية والقيم النبيلة والتنافس الرياضي الشريف، غير أنها تحولت تدريجيا إلى محصنة لأباطرة المخدرات للمخدرات، ووجهة آمنة لمبيضي الأموال، ومشتلا خصبا للمحتالين والانتهازيين ومستغلي النفوذ، في هذا السياق تناسلت العديد من الملفات الخطيرة التي تتابع من خلالها أسماء معروفة قضائيا.
عن هذا التحول الكارثي في وظيفة الأندية الرياضية وطبيعتها وتركيبتها، وجهت جريدة "أنفاس بريس" أشئلة إلى مجموعة من الفاعلين والرياضيين حول: كيف يقرؤون هذا الوضع ويفسرون ما آلت إليها هذه الأندية الرياضية..
في ما يلي جواب الفاعل الحقوقي مصطفى المنوزي:
" لا يمكن فصل هذه الإشكالية القديمة والمستجدة عن الطبيعة البنيوية للدولة الرخوة، والتي تعرف بتضخم تشريعاتها ولكن لا تجرؤ على التفعيل الحقيقي لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومبدأ تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون.
فصحيح أن الأندية الرياضية كما الجمعيات التربوية والمدارس الخصوصية، كانت تشكل مشتلا للتربية الوطنية، ثم لاحقا للتربية على المواطنة. غير أنه، ومنذ منتصف السبعينيات، مع حصول المراجعات السياسية والفكرية لدى الهيئات الحزبية والثقافية، تضخم الخطاب الأخلاقي دون أن تواكبه حقيقة آليات الحكامة و الشفافية والنزاهة، خاصة بعد تمكين الأحزاب غير التاريخية من سلطة تدبير العمل الجماعي، وتيسير إمكانية إبرام الصفقات مع الخواص، حيث كانت العمليات توفر فوائض ريعية تستغل لتمويل الحملات الانتخابية، وفي أضعف الحالات تخلق شبكات من العلاقات الزبونية. وكانت الأندية الرياضية والجمعيات "التنموية" تشكل رافدا ماليا وبشريا لدعم "القواعد الانتخابية"، وكانت السلطات العمومية المحلية تطلق العنان وتغمض الطرف عما يجري من فوضى الاستقطاب والاصطفاف بعلة مواجهة الخصوم السياسيين للدولة، سواء أكانوا من المنافسين على الشرعية الدينية أم من المحسوبين على شتات الحركة التقدمية.
ويؤكد تاريخ الوقائع السياسية والاجتماعية أن الدولة عوضت الخصاص والفراغ الذي عرفته القاعدة الاجتماعية والأمنية للنظام فى عهد سنوات الرصاص، وخاصة على إثر المحاولتين الانقلابيتين العسكريتين، بالانفتاح على المنتخبين غير المنتمين، وقدماء المتقاعدين النقابيين والسياسيين وتشكيل أحزاب إدارية وجمعيات جهوية من الأعيان والنخب المحلية، تتمتع القيادات فيها بهوامش الحرية في التصرف والاستقطاب وتقرير المصير في الشأن المحلي، وذلك بغاية تبوء مواقع الصدارة محليا وجهويا، ودعم إستراتيجية الدولة وتصريف المقاربة الأمنية بقوة ناعمة .
من هنا فرغم التوجس من شغب الملاعب والعنف المرافق له، فإن تدبير الشأن الرياضي، وخاصة الشأن الكروي (كرة القدم على الخصوص)، صار نوعا من التدبير المفوض يعهد لتولي مهمته لرؤساء الفرق المشهود لهم بالشعبية / الدومالية المؤطرة "مخزنيا"؛ والذين صاروا يشكلون وعاء تغترف منه الأحزاب السياسية الموالية مرشحيها ومنخرطيها؛ وبالتالي، ومع التراكم ضمن الزمن الانتخابي، تتشكل شرائح مجتمعية، فرادى وفئات تنتعش من اقتصاد الريع وبيروقراطية الشطط في استعمال السلطة، وهناك من يزاوج من بين هؤلاء بين تحمل المسؤولية الانتخابية وبين امتهان السمسرة والوساطة، وما يرتبط بذلك من فساد ومحسوبية وتبديد للمال العمومي .
وحتى لا نغبن الدولة ومؤسساتها حقها، فلا مناص من الاعتراف بأنه لا يمكن فصل الفساد عن مظاهر الإستبداد الأخرى؛ فتمكين بعض النخب والأعيان من تدبير أندية أو جماعات أو مقاولات شبه عمومية يدخل ضمن خانة "الرشوة السياسية"، والتي تستند إلى جدلية شعار: "المال يمنح السلطة والسلطة تصنع المال"، ومع ذلك لابد من الإقرار بأن "التجربة والخبرة الوطنية" أكدت بأن الدولة، كي تتفادى السقوط في مقتضيات الدولة الرخوة، تتدخل لتشذيب أغصان الفساد دون استئصال الجذور !
أما من الناحية التربوية فيستحيل الرهان على الأندية الرياضية على حالتها، فقد صارت والملاعب مرتعا للجنوح والفرجة السلبية المثيرة والمربية على العنف والكراهية، وذلك موضوع يستحق تقييما علميا في العلاقة مع السياسة العمومية في مجال التربية والمنظومة التعليمية .
لا مناص من الإعتراف بأنه لا يمكن فصل الفساد عن مظاهر الإستبداد الأخرى؛ فتمكين بعض النخب والأعيان من تدبير أندية أو جماعات أو مقاولات شبه عمومية يدخل ضمن خانة " الرشوة السياسية " والتي تستند على جدلية شعار "المال يمنح السلطة ، والسلطة تصنع المال" ، ومع ذلك لابد من الإقرار بأن " التجربة و الخبرة الوطنية " أكدت بأن الدولة ، ولكي تتفادى السقوط في مقتضيات الدولة الرخوة ، تتدخل لتشذيب أغصان الفساد دون إستئصال الجذور!"