أن تكون تطوان عاصمة صيفية للبلاد لم يلغ التطبيع مع إمارة داعش بها !

أن تكون تطوان عاصمة صيفية للبلاد لم يلغ التطبيع مع إمارة داعش بها ! المسجد / الكاراج المنفلت من التدين المغربي
بهذه المادة تكون "أنفاس بريس"، قد أفردت في كشف مخطط تعطيل إرادة الدولة بمسجد علي بن أبي طالب بأرض الطريس، سبع مواد. لكن يظهر أن هناك أعطابا في منظومة الإصغاء، وفي مطبخ القرار الرسمي من منطلق التكامل المفترض للمجتمع والدولة.
 
ما هو قائم الآن، حتى إشعار آخر، يفيد واقع عجز مختلف المتدخلين في تنفيذ قرار مرتبط بالسيادة المذهبية للدولة. فالمجموعة المتسلطة على قاعة الصلاة، التي تحمل صفة المسجد تجاوزا، لا صفة لها قانونية تربطها بالمسجد. "إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرۡذِمَةࣱ قَلِيلُونَ"؛ فلا هم أصحاب مِلكية المسجد، ولا هم جمعية معترف بها، تتولى تدبيره وفق القانون، و محددات "تمغربيت". لكنها بقدرة قادر، استطاعت بوجودها، أن تستبيح هيبة الدولة داخل المسجد وخارجه، وقد مارست "الحسبة". وهذا مبعث الإستغراب
.
لقد سبق أن أشارت "أنفاس بريس"، إلى المخالفات المذهبية لتسلط هذه الشرذمة داخل المسجد، وفي تجاوزاتها داخل الحي، وفي تحويل هذا المسجد إلى نقطة تجمع/إنزال في الفجر لتقييم التغذية الراجعة من الأحياء المحيطة وحتى من سبتة. فقد تم تحويل هذا المسجد إلى كعبة رهانات مغايرة لا علاقة له بشعيرة الصلاة ولا لنموذج التدين المغربي. وهذا ما كان يقلق غالبية ساكنة الحي.
 
فهذا التحدي الذي أبدته هذه الطائفة المتسلطة بإديولوجية خارجية داخل المسجد وخارجه، لجميع مؤسسات الدولة، يبين أنها تعيش وهم الخلافة البغدادية لداعش، في مناخ غض الطرف عنها. والغريب أن مجموعة المال هذه والسوابق وقلة المعرفة، تملك من "السنطيحة" ما جعل صوتها جهارا عبر مكبر الصوت الإخواني. بل وتملك من الجرأة حد اقتحام كل الأبواب الرسمية للدفاع عن ترابها المحرر، وكأنها صاحبة الحق. وهي في مرافعتها تتشح بلباس المظلومية من جهة، وتبحث من جهة أخرى، عن منافذ لسحر ضرب البطون، مما يضعنا أمام لعبة تم الانتقال فيها من شرذمة محدودة، إلى جبهة عريضة من العلاقات المشبوهة، وهذا من سر تنطعها.
 
ولا شك أن هذه الوضعية 'الشاذة"، بالنظر إلى منطق مرجعية إمارة المؤمنين والمشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لصاحب الأمر، و"الطبيعية" من منظور استمرار سريان التحالف المخزني الأصولي،في العهد الجديد ،كما صاغة البصري والعلوي المدغري، تسمح لنا (هذه الوضعية)، بتحرير الانطباعات التالية:
 
أولا: إن سكوت الجهات الرسمية رغم وجود مكاتب بها للتواصل، يدل أن ثقافة "گولو العام زين"، و"لوطارت ماعزة"، ما زالت سائدة، رغم التغييرات التي شملت هيكلة الإدارة. وأن تفاعل هذه الجهات مع الإعلام هو بنفس الحساسية لعهد ولى، لا يتذوق حتى معنى المعالجة النقدية التي تنتصر للثوابت وتقوي عمل المؤسسات. ولا يعرف قيمة التناصح من مدخل السلطة الرابعة، في ظل المحددات الدستورية لمطبخنا الداخلي كمغاربة.
 
ثانيا: كان المرحوم محمد عابد الجابري، يعتبر إن إمكانية الإصلاح في بلادنا قائمة، لأن الإدارة منضبطة. يكفي تحصيل الإرادة السياسية، لتستقيم الأمور. لكن نازلة مسجد الخوارج بأرض الطريس، تظهر أن الإدارة متلكئة في ترجمة قرارات تأهيل الأئمة. لكن أمام هذا المدى الزمني لهذه النازلة، وقد طال، نجد أنفسنا أمام ضفاف دلالات أخرى تزيد من ضبابية الالتباسات.
 
ثالثا: كانت "أنفاس بريس" قد ألمحت، من منطلق تحفيز نخوة تمغربيت، لحساسية أن تكون حدود إمارة داعش على شارع الجيش الملكي، وتطوان ستكون عاصمة المغرب الصيفية. لكن تبين أن المقاربة التقنوقراطية للشأن العام، قد لا تأبه بالأبعاد الرمزية التي تمنح خصوصية المغرب بالنسبة لتاريخه ولجواره.حيث الحصيلة لحد الآن، أن هناك تطبيعا رسميا مع خروج شبر مربع من التراب، عن السيادة المذهبية للدولة.
 
رابعا: إذا استثنينا في باب التفاعل مع ما كتبته "أنفاس بريس"،تعبير الجهة المتسلطة على المسجد ،عن نيتها في مقاضاة هذا المنبر، رغم مختلف الشبهات التي تحف بها، ونهج مندوب الشؤون الإسلامية ورئيس المجلس العلمي، مقاربة استعارة الألسن، والضغط على الإمام المؤهل للتهجم على "أنفاس بريس"، بالرغم من دفاعها عن حقه. ما عدا هذا، تم فقط منع إمام الجماعة المسيطرة من ممارسة التدرير هو وزوجته، لأنهما لا يتوفران على رخصة لذلك. أما الإمام المؤهل فما زال ممنوعا من ممارسة مهامه بالقوة، ولم تعمل بعد مديرية القيمين الدينيين بوزارة الاوقاف على تسوية وضعيته، حيث يظهر أن هناك نية لإعادة نفس الوضعية السابقة لإرضاء حسابات الجهة المسيطرة على المسجد بدون وجه حق. فالحل يبدأ بالتعجيل بتسوية الوضعية المادية للإمام المؤهل، ثم تحرير المسجد من تسلط شرذمة الخوارج. ثم البحث عن حل لإمام هذه المجموعة إذا استكمل مراجعاته. فكل من تقرب تجاه الدولة شبرا من منطلق تلازم الولاء السياسي والمذهبي، تقربت إليه ذراعا..والغاية هي الإصلاح.
 
خامسا: لكن ومع ذلك ،كان لما كتبته"أنفاس بريس" تأثير ظاهري، تمثل في محاولة إمام الجماعة المسيطرة،التفاعل الإيجابي مع ما سطرته بشأن أدائه، فبدأ في قراءة الحزب، في المساء،ثم تلاه بالفجر، وبدأ يرفع الدعاء. وقد كان هذا موضع تجاوب من ساكنة الحي. فهذا الإمام كان من قبل، يواجه كل من يطالبه من ساكنة الحي بمطلب التدين المغربي، بأن من لم يعجبه الحال، عليه بالبحث عن مسجد آخر.
 
والملاحظ أن الجماعة المسيطرة لم يرقها هذا التجاوب، حيث تنهض بمجرد الشروع في قراءة الحزب أو الدعاء، لأن ذلك يخالف توجهها الخارجي.
 
وحتى ما كتبته "أنفاس بريس" مرتين حول عبث خطيب مسجد المصلى بعبادة الناس، لتقدمه في السن، لم تتفاعل معه المندوبية والمجلس بالشكل المطلوب، بل تفاعل معه آل التجكاني كأسرة عالمة حريصة على ثقة الناس بها، فقدم الأستاذ عبد العزيز التجكاني بطلب الإعفاء. أما ما يُؤْثر عن المندوبية، أنها اعتبرت ما يُكتب ك"النباح"، سرعان ما سيتوقف. فتم قتل القيم أولا. بل، وأكثر من هذا، عوض أن تحل مشاكل عجزها وتواطؤاتها مارست الوشاية في حق صاحب هذا "النباح" المفترض. وهذا ليعلم الوزير التوفيق طينة فراخه في تطوان، في تعاطيها مع حس المسؤولية. وليعلم كل من يهمه الأمر، بأن الرهان في النهوض بأوضاع الشأن الديني، على نخبة بعض الزوايا وذيول بعض تجمعات الشرفاء، المخترقة أصوليا والمنهكة بحسابات التهافت على"الربيعة"، وثقافة التسول، هو رهان خاسر.
 
إن ما هو حاصل في تطوان كحالة مخبرية، وشبكة لعبة التأثيرات التي تحف بها، لا تجعل منها أمرا هينا. فهناك ضفاف أخرى في التحليل. "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ"!