منذ انفجار الوضع في غزة عقب "طوفان الأقصى" الذي فجرته حركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023، وأعقبته حرب شاملة شنتها إسرائيل على القطاع لم يسلم منها البشر والحجر، والتنظيمات الإسلاموية تستنفر أتباعها والمتعاطفين مع الشعب الفلسطيني للاحتجاج والتظاهر في شوارع المدن المغربية، دعما لحماس وتنديدا بالحرب. قد يبدو الأمر عاديا وطبيعيا لو اقتصرت الاحتجاجات على موضوع الحرب وجرائم الاحتلال مثلما هي عليه المظاهرات في عدد من العواصم الدولية، لكنه اتخذ أبعادا عدائية ضد النظام الملكي والدولة المغربية. إذ استغلت التنظيمات الإسلاموية، وفي مقدمتها جماعة العدل والإحسان ومعها المتطرفون السلفيون واليساريون، أحداث غزة لتصفية الحساب مع النظام وفق خطة منظمة أعدتها الجماعة وتسعى لتنفيذها كلما وجدت إلى المظاهرات والاحتجاجات سبيلا. لهذا نجد الجماعة، من جهة تستغل المساجد يوم الجمعة لكثرة المصلّين، فينظم أتباعها وقفات احتجاجية عقب انتهاء الصلاة حيث وصل عدد أيام الجمعة التي استغلتها الجماعة تحت شعار "جمعة طوفان الأقصى" 39 إلى غاية 5 يوليوز 2024؛ وسبقتها مظاهرات أخرى اتخذت من يوم الجمعة موعدا لها مثل: "جمعة الغضب لنصرة النبي (ص)، وجمعة الغضب لنصرة الأقصى". وحين لا تجد الجماعة مناسبة لها علاقة بفلسطين أو بالرسول تدعو من أجلها إلى التظاهر والاحتجاج، نجدها تصطنع مناسبة مثل "التنديد بإجرام الحكام المستبدين في حق شعوبهم، وتضامنهم اللامشروط مع كل الحركات الاحتجاجية الداعية إلى الحرية والكرامة والعدل" التي دعت إليها الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة التابعة لجماعة العدل والإحسان، يوم الجمعة 15 أبريل 2011. ومن جهة ثانية، تستغل الجماعة تعاطف المغاربة مع الفلسطينيين لتخرجه من إطاره الإنساني إلى الإطار السياسوي، حيث تتولى "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع"ــ وهي الهيئة التي تشكل الجماعة عمودها الفقري وتحدد برنامجها وشعاراتها وأهدافهاــ الدعوة إلى المظاهرات التي لا تكفتي فيها الهيئة برفع شعارات دعم المقاومة والتنديد بالمجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة، بل تعمل على رفع شعارات وترويج إشاعات الغاية منها تأليب المتظاهرين ضد النظام والتنديد بسياسته الخارجية. إذ ليس الهدف من تلك المظاهرات دعم الفلسطينيين وإثارة انتباه الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل إلى معانة شعب أعزل وحقه في إقامة وطن مستقل، بقدر ما هو تحريض ممنهج ضد النظام وضرب أسس الاقتصاد الوطني عبر التحريض على مقاطعة الشركات الوطنية أو تلك التي لها استثمارات في المغرب بتهمة تعاملها مع إسرائيل. هنا يظهر الهدف الخسيس الذي تسعى لتحقيقه تلك التنظيمات الإسلاموية وعملاء إيران من قوميين ويساريين الذين يجمعهم شعار: "الضرب معا والسير على حدة".
هذه الخلفية العدائية للنظام وللوطن التي يتعامل بها الإسلامويون وأذنابهم مع أحداث غزة، تمنعهم من الانخراط في المعارك الوطنية حين يتعلق الأمر بالوحدة الترابية، أو دعم المجهود الرسمي الذي تقوم به الدولة من أجل مساندة الشعب الفلسطيني، سواء في دعم صمود المقدسيين والحفاظ على الطابع الإسلامي لمدينة القدس من خلال التبرع لمؤسسة "بيت مال القدس" التي تعتمد بشكل شبه كلي على التمويل المغربي، أو تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في الأزمات (أزمة كرونا) عبر إقامة مستشفيات ميدانية تقدم الخدمات الطبية لعموم المرضى والمصابين، وفي الحروب بإرسال عشرات الألاف من أطنان المواد الغذائية والطبية ؛ الشيء الذي لا تفعله تلك الدول التي تتبجح "بالممانعة" و"دعم المقاومة". ذلك أن الفلسطينيين في محنهم لا يحتاجون الى شعارات بقدر ما يحتاجون إلى الدعم العيني. فحين قرر المغرب تطهير معبر الكركرات من فلول الانفصاليين بلعت جماعة العدل والإحسان ومن يدور في فلكها ألسنتهم وكأن الأمر يتعلق ببلد غير بلدهم. وكذلك فعلوا عند استهداف عصابة البوليساريو أحياء من مدينة السمارة بصواريخ إيرانية في أكتوبر 2023.
من خبث جماعة العدل والإحسان وحلفائها أنهم يتخلفون عن المظاهرات المؤيدة للوحدة الترابية للمغرب أو المسيرات الوطنية الداعمة لمغربية الصحراء، كما هو الحال في مسيرة 13 مارس 2016 التي لم تشارك فيها الجماعة وحلفاؤها، بينما شاركت فيها كل التنظيمات الحزبية والنقابية والمدنية. طبعا لم تشارك الجماعة ولن تشارك في أي مسيرة وطنية أو مظاهرات لا تستهدف النظام والدولة المغربية. لأن الجماعة تدرك جيدا أن أي مسيرة أو مظاهرة ليست ذات طابع احتجاجي يمكن استغلاله ضد النظام، لا يمكنها أن تخدم أجندة الجماعة وخططها. بل بالعكس ستقوض تلك الخطط وتؤخر تحقيق أهداف الجماعة إلى أبعد مدى. ذلك أن الجماعة لا تثمّن الجهود التنموية للمغرب في صحرائه المسترجعة، وإنما تعتبرها سببا لتفقير المغاربة. ففي "رسالة إلى من يهمه الأمر" لمرشد الجماعة الشيخ ياسين نقرأ التحريض التالي ضد استثمارات الدولة في الأقاليم المسترجعة: “امتصت رمالها ملايير الدولارات التي أنفقت في تشييد مدن حديثة جديدة، وازداد فقر المغرب، وتضاعفت ديونه". أكيد من يرفض الإنفاق العمومي في الصحراء سيرفض التضحية في سبيل مغربيتها بأدنى ما يملك.
لهذا وجدنا الجماعة نزلت بكل ثقلها العددي والتنظيمي في الاحتجاجات القطاعية للطلاب والأساتذة المتعاقدين، والممرضين والأطباء، لتجعل منها معركة سياسوية ضد النظام وسياسة الدولة ليسهل عليها ترويج شعاراتها التخريبية. وها هي تفعل الشيء نفسه باسم نصرة غزة متوهمة أنها ستنجح في تحويل المظاهرات إلى مسيرات غاضبة يسهل الركوب عليها لتفجير الأوضاع الأمنية والاجتماعية حتى تصير "قومة" و "زحفا" على السلطة. تلك أوهامهم التي أثبتت الوقائع زيفها.