في الحاجة إلى من يصون ويترافع على حقوق شباب ويافعي وأطفال مدينة اليوسفية

في الحاجة إلى من يصون ويترافع على حقوق شباب ويافعي وأطفال مدينة اليوسفية صور من أنشطة دار الأطفال اليوسفية سابقا
رغم أن المجمع الشريف للفوسفاط عمل منذ عدة عقود على توفير بنية استقبالية مهمة وذات جودة عالية، من حيث البنايات السكنية والمرافق والفضاءات والملاعب الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية والبيئية، بالحي المحمدي الفوسفاطي بمحيط "دْيُورْ النْصَارَى". حيث كان هذا المحيط الاجتماعي يستقطب آلاف الشباب واليافعين والأطفال من مختلف الأحياء الشعبية، للإستمتاع بمشاهدة الأفلام السينمائية والعروض المسرحية والندوات الفكرية بقاعة الأفراح المجاورة لنادي المستخدمين، إلى جانب الملاعب والمسابح والفضاءات بمختلف التخصصات الرياضية، دون الحديث عن أحزمة الأشجار الوارفة الظلال والنخيل الباسق الذي ينطّ المناطق الخضراء، والبساتين الجميلة والحدائق الساحرة التي تسر الناظرين.
 
رغم ذلك فالزائر اليوم لمدينة اليوسفية يشعر بملل ورتابة الفراغ الثقافي والفني والرياضي والاجتماعي والبيئي وكأن مدينة كاشكاط عاصمة الإقليم، أصابها العقم ولم تعد قادرة على إنتاج وصناعة النخب الثقافية والفنية والرياضية، بعدما كان رحمها وَلَّادٌ ومنتج للريادة والإبداع والتألق، حيث كانت أيام السنة حافلة بالبرامج والفقرات والأنشطة بمختلف تلاوينها إرضاء للأذواق والخصوصيات وتعدد التعابير الإنسانية.
 
يتساءل كل الزوار الذين ترعرعوا بمدينة اليوسفية، من جيل السبعينات عن الأسباب التي تركت هذه المدينة تصارع الكآبة والركوض والرتابة، على اعتبار أنها أعطت الشيء الكثير على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والبيئية، ولم تحظى بنصيبها الأوفر من الرعاية والاهتمام والحرص على مواكبتها لتطور المدن المتوسطة، على الأقل في الجانب الجمالي والبيئي، حيث تشير أصابع الاتهام إلى القائمين على تدبير الشأن المحلي داخل مؤسسة الجماعة الترابية التي عانت طويلا من ممارسات وسلوكيات شعبوية وسياسوية استهلكت الوقت والجهد والمال وجمدت مفاصل حركية مدينة كان من الممكن أن تكون نموذجا تنمويا للمدن المنجمية الرائدة.
 
في هذا السياق استغرب إطار رياضي يشتغل بالديار الفرنسية لواقع حال المدينة التي تربى بين أحضانها، ومنحته تأشيرة العبور الرياضي نحو النجومية بقوله: "كان الحي المحمدي الفوسفاطي نقطة ضوء لكل شباب المدينة سواء من أبناء العمال أو غيرهم، كلنا كنا نستفيد من المرافق والملاعب الرياضية، ومن أنشطة فعاليات التظاهرات الثقافية والفنية التي كانت تبرمج كل نهاية أسبوع". وتأسف لحال الحدائق المهملة أو التي انقرضت من مكانها بقوله: "كيف يسمح المسؤولون بمدينتي الجميلة ـ التي كانت تسمى باريس الصغيرة ـ لأنفسهم بمحو فضاءات بيئية كانت متنفسا للجميع، وملاذا للأطفال والشباب؟ وكيف يستسيغ المواطن اليوسفي هذا الإهمال الخانق والممل؟".
 
من المعلوم أن المجمع الشريف للفوسفاط كان قد فوّت شأن تدبير الحاضرة الفوسفاطية باليوسفية للجماعة الترابية، مما عجل بتغيير معالم وروابط تاريخية كانت شاهدة على تألق الهندسة الجمالية بموقع الحي المحمدي حيث يقول أحد أبناء المدينة: "كان شارع الحسن الثاني يربط بين محطة القطار و"الكنيسة" التي تحولت بعد الاستقلال إلى قاعة تداريب رياضة الجمباز بصيغة المؤنث، وكان العبور والتجوال في الشارع يعطي للزائر انطباعا جماليا وساحرا بأناقته الباذخة بالأشجار والنخيل والأزهار والورود والكراسي التي تؤثث ممراته".
 
وأضاف نفس المتحدث قائلا: "لن أنسى ما حييت جنبات مدرسة دْيُورْ النْصَارَى التي بصمها بعطاءه التربوي المرحوم الحاج يونس بالحاضرة الفوسفاطية. كانت جنباتها تحفة من حيث جمالية المنطقة باخضرارها الدائم، والحدائق الرائعة التي تمنح للأطفال والتلاميذ روعة المنظر البيئي كحافز نفسي مكمل للحافز الذهني والتربوي"، علاوة على ذلك قال محدثنا: "كانت فضاءات فيلات دْيُورْ النْصَارَى تبهر كل العابرين نحو المرافق الفوسفاطية وسط الحي المحمدي، سواء الاجتماعية منها أو الرياضية والثقافية والفنية من حيث تنوع المغروسات وأشجار الفواكه، دون الحديث عن هندستها المعمارية التي كانت تسحر العين حين يستقر فوق مداخنها طيور اللقلاق المهاجرة".
 
سؤال آخر طرحه العديد من الزوار خلال هذا الصيف وخصوصا أبناء مدينة اليوسفية من مغاربة العالم، وهو: "إذا كان هذا هو حال مجال الحاضرة الفوسفاطية التي تعرف تجمدا حركيا من حيث تفعيل أدوار المرافق والفضاءات ذات الصلة بكل ما هو ثقافي ورياضي واجتماعي وبيئي، فكيف يمكن لنا تصور واقع حال الأحياء الهامشية بمدينة اليوسفية؟".
 
في سياق متصل ركزّ أحد أبناء المدينة وهو بالمناسبة مهاجر بالديار الإيطالية على مشهد لم يعجبه بالملحقة الإدارية الثانية، وتحديدا بالقرب من غَابَةْ الْعَرُّوكْ حيث يتجمع عشرات المتقاعدين المسنين الفوسفاطيين وراء سور مدرسة موسى بن نصير بمحاذاة مصلى الأعياد الدينية، من أجل قضاء وقتهم في ممارسة رياضة الكرة الحديدية حيث قال مستغربا: "من العار أن يهمش المسؤولون هؤلاء المسنين المتقاعدين، ألم يفكروا في إحداث ملعب القرب لهم كما هو الحال في العديد من المدن حيث تجد ملاعب الكرة الحديدية مسيجة ومؤثثة بالكراسي وبمرافق صحية وبيئية تحافظ على أدميتهم وتصون كرامتهم؟".
 
وشدد في حديثه للجريدة على أن الأمر يقتضي تدخلا عاجلا من طرف المسؤولين بمختلف مواقعهم، لـ "إنصاف حي السمارة/العرصة باعتباره من أقدم وأعرق الأحياء الشعبية بالمدينة، ويحتضن أكبر نسبة من المتقاعدين والشباب والأطفال، بحكم أنه لم يستفد نهائيا من ملاعب القرب الرياضية التي أحدثتها مديرية وزارة الثقافة والشباب سابقا أو المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وكذا المجمع الشريف للفوسفاط، في حين أن المنطقة تضم بقعا ومساحات أرضية فارغة شاسعة، سواء داخل غَابَةْ الْعَرُّوكْ أو بجنبات الحي المذكور على طول امتداد الطريق المؤدية إلى حي الرَّيْطَبْ".
 
في هذا السياق يصر مجموعة من الشباب واليافعين القاطنين بنفس الحي على التشبث بحقوقهم الثقافية والفنية والرياضية، من خلال مطلب إحداث ملاعب القرب لكرة القدم المصغرة إسوة بباقي الأحياء الشعبية التي استفادت من هذه المشاريع، خصوصا أن هناك عدة مشاكل اجتماعية تتعلق بتسريب أنواع المخدرات من حشيش وقرقوبي ومبيقات أخرى، علما أن حي السمارة/العرصة الشاسع الأطراف يفتقر لدار الشباب ومكتبة وقاعات ثقافية وفنية تغذي عقول الشباب والأطفال وتصقل مواهبهم وتبعدهم عن كل ما من شأنه أن يعرقل مسيرتهم المستقبلية على جميع المستويات ويقوي مناعتهم ضد الإنحراف.
 
يشار إلى أن جريدة "أنفاس بريس" قد عاينت مؤخرا انتشار ظاهرة الأطفال يتسابقون ويركضون وراء الكرة وسط أزقة حيهم الضيقة والمكتظة بالسيارات والدراجات النارية، مما يتسبب في مطاردتهم من طرف بعض المواطنين بحجة الإزعاج. فضلا عن وقوف الجريدة ذات ليلة على ثلة من الشباب يقومون بتداريب موسيقية وإيقاعية بجانب غَابَةْ الْعَرُّوكْ في وقت متأخر من الليل، وهم يردّدون أغانيهم المناسبة لذوقهم الفني، في حين كان من الأليق أن يحضنهم مقر دار الشباب أو قاعة فنية وسط حيهم المعروف تاريخيا بحي العرصة والذي أنجب منذ السبعينات من القرن الماضي العديد من الأطر والكفاءات والفعاليات الثقافية والفنية والرياضية والنخب السياسية والنقابية والإعلامية...في الوقت الذي تنتظر المساحات الشاعة بغابة العروك من يبادر لتحويلها إلى منتجع ربيعي وصيفي يضم مجموعة من المرافق الاجتماعية والثقافية والرياضية والبيئية ويحولها كمتنفس لساكنة افتقدت من يترافع ويدافع عن حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.