الصادق العثماني: المسلمون اليوم وحاجتهم إلى التربية الأخلاقية 

الصادق العثماني: المسلمون اليوم وحاجتهم إلى التربية الأخلاقية  الصادق العثماني
‏كانت تسود في الجاهلية الأولى بعض الأخلاق الفاضلة والقيم الإنسانية النبيلة افتقدناها- للأسف- نحن اليوم في عصر الحضارة والمدنية والدمقراطية وحقوق الإنسان؛ بحيث كانت الخصومة بشرف، وخوض الحروب والمعارك بشرف.. وتتجلى هذه القيم والأخلاق الكريمة التي كان يحملها هؤلاء في الجاهلية، عندما قال أحد المتربصين والحريصين على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل: يا أبا الحكم، هل نحن قاتلون محمدًا؟ قال: نعم، قال: فلم انتظارُ حتى الصّباح، لم لا نتسوّر عليه وندخل البيت ونقتله ونستريح؟ فقال له أبو جهل: وتقول العرب أن أبا الحكم قد روّع بنات محمد في بيتهن؟!

لهذا نحن اليوم في أمس الحاجة إلى تخصص جديد في جامعاتنا ومدارسنا وهو تخصص دراسة "الأخلاق" ؛ علما أن التربية الأخلاقية هي المقياس الصادق الذي تقاس به خطواتُ تقدم الشعوب، ونهضة الأمم، بل هي الأساس المتين الذي تبنى عليه عظمة الدول وارتقاؤها، فما ارتقت أمة في العالم القديم أو الحديث إلا وكان سببُ ذلك سمو أخلاقِ أفرادها، وقناعتُهم، واقتصادُهم، وحبُّهم الناسَ محبتَهم أنفسَهم، وإخلاصُهم في العمل لوطنهم، وانتشار روح النشاط والإقدام فيما بينهم، وبعدُهم عن الزور والكذب والمحسوبية والزبونية والرشوة والغش والتطفيف في الكيل والميزان، بالإضافة إلى احتكار السوق وأكل أموال الناس بالباطل، والمشي بين الناس بالنميمة، والتي تعد من أكبر الكبائر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام" فالمشي بالنميمة من أسباب عذاب القبر، ومن أسباب حرمان دخول الجنة، وهي: السعي بين الناس بالكلام القبيح، كونه ينقل كلام هؤلاء إلى هؤلاء، وكلام هذا إلى هذا، مما يسبب البغضاء والعداوة بين الأهل والأحباب والأقارب والجيران..وفي هذا السياق يقول مارتن لوثر "ليست سعادة الدول بوفرة إيرادها، ولا بقوة حصونها، ولا بجمال مبانيها، وإنما سعادتها بكثرة المهذبين من أبنائها، وعلى مقدار الرجال ذوي التربية والأخلاق فيها". وما انحطت أمة، ولا أفل نجم مجدها، ولا زال سلطانها إلا بزوال تلك الأخلاق الفاضلة من نفوس أبنائها، وانغماسهم في الشر والفساد. وبالأخلاق الكريمة تسمو الأمم وترتقي، وقد ربط كثير من العلماء والمؤرخين بقاء الأمم وذهابها بالأخلاق، فكلما تعامل أفراد المجتمع مع بعضهم بعضاً بخلق حسن، نمت الحياة وازدهرت وأنبتت الخير بكل أشكاله، حتى إن كثيراً من الشعراء تغنوا بها، ولعل بيت أمير الشعراء أحمد شوقي: "وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا" خير دليل على ذلك. وقد نادى أيضاً فلاسفة العصور القديمة كأفلاطون والفارابي بقيم المدينة الفاضلة، ودعوا إلى سمو الأخلاق، والسعي لرفعة المجتمعات من خلال تأصيلها ونشرها بين الناس بعد وعيهم وإدراكهم لقيمها وقيمتها، وبانطماس هوية الإنسان من دونها. وفي ظل المتغيرات الدولية والحياة المعاصرة المعقدة، مع بروز ظواهر اجتماعية خطيرة على الساحات الوطنية والدولية التي أصبحت تؤثر في حياة وسلوك الناس، فإن التربية الأخلاقية صارت ضرورة ملحة وواجب شرعي وديني في عنق كل مسلم ومسلمة، ومن ثمّ فإن علينا جميعاً تنميتها في نفوسنا ونفوس أبنائنا وشبابنا، والعمل بها والتقيد بمكارمها حتى نرتقي بوطننا ونحقق المزيد من العطاء للإنسانية جمعاء. ولعل التحدي هنا أن لا يقتصر دور الأخلاق في المنهاج الدراسي وحدود أسوار المدارس فحسب، وإنما أن يمتد إلى مناحي حياتنا كافة، وبيوتنا وشوارعنا، وأدائنا في وظائفنا، وأمانتنا في تجارتنا ومعاملاتنا مع الناس، وكل ما يتعلق بحياتنا حتى تكون نبراساً مضيئاً ومثلاً أعلى للإنسانية جمعاء.

وختاما، يقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا". رواه الترمذي .
الصادق العثماني - البرازيل