البوادي والمدن الصغرى تنتقم من نخب المدن الكبرى بفرنسا انتخابيا

البوادي والمدن الصغرى تنتقم من نخب المدن الكبرى بفرنسا انتخابيا لحسن العسبي
مهم تتبع العمليات الإنتخابية في الديمقراطيات التي عال فيها الوعي المواطن (وليس زبناء الزرقالاف)، لأنها غنية جدا بالدروس، في مقدمتها تقنيات التأطير والاستقطاب الإنتخابي من قبل مختلف العائلات السياسية بمرجعياتها الفكرية المتناقضة.
مثلا تمنحنا الانتخابات الإنجليزية الأخيرة والانتخابات الفرنسية فرصة مثالية لذلك.

 
في الفوز الساحق والكاسح والتاريخي للحزب العمالي اليساري بانجلترا، كان الرهان ليس فقط على نخب المدن الكبرى أو شرائح الفئات المهنية المتوسطة، بل كان الرهان على المدن المتوسطة والصغرى وعلى الجيل الجديد بالبوادي استنادا على خطاب المخاطر المناخية والبيئية ومخارج الإنقاذ الفلاحي والبيئي. مع برنامج واضح ومدقق لخطة الحماية الإجتماعية بشروط الواقع البريطاني الجديد ما بعد البريكسيت. 

بينما التقنية المعتمدة في فرنسا مختلفة قليلا. حيث يظهر أن الانتخات الجديدة فيها لأول مرة انتصار للبادية والبلدات الصغيرة على المدن الكبرى بنخبها التقليدية التي ظلت تؤثر وتؤطر المخيال العام الفرنسي بخطاب سياسي تحليلي عبر التلفزيون والإذاعة وبدرجة ثانية الصحافة المكتوبة وطنية أو جهوية. 

واضح اليوم أن تقنيات (وتاحراميات) حزب لوبين لليمين المتطرف اشتغلت على قلق شرائح الفرنسيين بالمدن المتوسطة والصغرى والبوادي عبر تقنيات وسائط التواصل الإجتماعية وليس تقنيات الإعلام الكلاسيكية التي تركتها لنخب المدن الكبرى بنجوم بلاطواتها التقليديين. وأنها لعبت على ارتفاع منسوب المحافظة ثقافيا وسلوكيا عند تلك الشرائح (عدم قبولها لمواضيع مثل الإجهاض وزواج المثليين كمثال فقط).

دون إغفال حسابيا أن فرص الفوز في شساعة البوادي والمدن الصغرى أكبر بكثير من المدن الكبرى التقليدية التي كانت تعتبر قائدة التوجه العام الانتخابي في ما سبق. لأنه للحصول على مقعد برلماني في مدينة صغيرة أو دائرة قروية قد لا يتطلب الأمر سوى 4 آلاف صوت من مجموع ناخبين ممن لهم حق التصويت قد لا يتجاوز 12 ألف ناخب. بينما في الدوائر الانتخابية ببعض المدن الكبرى فالأمر يتطلب أرقاما مضاعفة للفوز بمقعد واحد. 

المفارقة هي أن نسب المشاركة في دوائر المدن الكبرى (مثل باريس وليون) هي الأدنى، حتى والنسبة العامة للمشاركة وطنيا عالية جدا منذ انتخابات 1981 الرئاسية التي جاءت بالزعيم اليساري فرانسوا ميتران. بالتالي تصويت البوادي والمدن الصغرى والمتوسطة عال وأنه نوعا ما عقابي للنخب الكلاسيكية للمدن الكبرى.
 
إن تجميع هذه الخيوط هي التي تعطي الخلاصة على أن خبراء اليمين المتطرف الفرنسي لعبوا اللعبة بذكاء عال، وأن فوزهم التاريخي المنتظر نتيجة عمل طويل النفس.