يوسف لهلالي: هل يمنح الفرنسيون الأغلبية لليمين المتشدد في الانتخابات التشريعية؟

يوسف لهلالي: هل يمنح الفرنسيون الأغلبية لليمين المتشدد في الانتخابات التشريعية؟ يوسف لهلالي

هل يمنح الفرنسيون الأغلبية لليمين المتشدد في الانتخابات التشريعية، هو هدف بدأ يقترب منه هذا التيار وهو الامر الذي تعكسه مختلف استطلاعات الراي، ان الجبهة اليمينية المتشددة ستحصل على المرتبة الأولى بنسبة 36 في المائة، وهي نسبة لا تمنحهم الأغلبية، هذا ما دفع بزعيم هذا الحزب العنصري والمعادي للهجرة جوردان برديلا الى مطالبة الفرنسيين بالأغلبية وهو شرطه ليحكم فرنسا. في هذه الوضعية التي ينقسم فيها المشهد السياسي الى تلاث جبهات، بين اليمين المتطرف، الجبهة الشعبية التي تضم أحزاب اليسار وتحالف حزب النهضة لرئيس ايمانويل ماكرون.

 

في غياب أغلبية واضحة ومطلقة لأحد الفرقاء المشاركة في هذه الانتخابات، فإن الأزمة السياسية بفرنسا سوف تستمر حتى بعد الانتخابات، وهو ما يطرح السؤال حول موقف الرئيس ايمانويل ماكرون، الإجابة لم تتأخر، فقد علم انه لن يستقيل من منصبه كما طالبته مارين لوبين بل انه سوف ينهي ولايته الى تستمر حتى سنة 2027 وهو ما يعني ان فرنسا في هذا الوضع سوف تتحول الى بلد يصعب حكمه في غياب اغلبية لأي طرف وهو الاحتمال الذي يبرز في مختلف الاستطلاعات.

 

حزب التجمع الوطني المتشدد الذي يتقدم في الاستطلاعات، ماذا سيفعل في حالة عدم حصوله على الأغلبية، جواب زعيمه كان واضحا، انه لن يتسلم زمام الأمور دون اغلبية، لكن هل سيوفى بوعده او انه سيقبل الحكم كيفما كانت الوضعية بالبرلمان؟

 

أسئلة كثيرة تطرح علينا اليوم بفعل تعقد المشهد السياسي بباريس الذي يتوجه نحو المجهول، خاصة ان أي تكتله لن ينال الأغلبية المطلقة التي تسمح له بحكم فرنسا كما يستنتج من اغلبية دراسات الرأي التي تمت خلال الأسبوع الأول من الحملة. وهو وضع بدأ يثير المخاوف في الداخل خاصة وسط المهاجرين وفي الخارج لدى شركاء فرنسا.

 

ايمانويل ماكرون الذي انتخب رئيسا في سنة 2017 ثم فاز بولاية ثانية في سنة 2022 لم يتمكن من الحصول على الأغلبية بالبرلمان، وحكم فرنسا مند سنتين عن طريق التفاوض على كل قانون او استعمل بند 49.3 من اجل تجاوز البرلمان عدة مرات مما نتج عنه حالة من السخط عكستها الانتخابات الاوربية الأخيرة التي فاز بها اليمين المتطرف والتي دفعته الى مغامرة جديدة وهي حل الجمعية الوطنية في ظرفية خاصة

يصبو رئيس التجمع الوطني المتشدد جوردان بارديلا الى حكم فرنسا، بسرعة لم يكن يتوقعها أحد، وفي تصريحاته الأخيرة استخدم ورقة التهدئة، طارحا نفسه في موقع الشخصية القادرة على جمع الفرنسيين، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" اليمينية المحافظة.

 

وقال "أريد مصالحة الفرنسيين وأن أكون رئيس الوزراء لجميع الفرنسيين بلا أي تمييز"، مكررا أنه لن يقبل بتولي المنصب إن لم يحصل على الغالبية المطلقة في الانتخابات التشريعية. وهو شرط لم يكن يتوقعه الناخبون، ويعكس حالة الخوف التي أصبحت تنتاب هذا الحزب من تسلم مقاليد الحكم.

 

وعند تقديمه للبرنامج الاقتصادي امام الصحافة، فان زعيم هذا التيار لم يقدم أرقاما حول استراتيجيته الاقتصادية لإخراج فرنسا من ازمة التضخم، وعدد ببعض التخفيضات في الضريبة على القيمية المضافة لكن دون ارقام تذكر، وهي سابقة ان حزب يتقدم للانتخابات دون ان يقدم برنامج اقتصادي لحكم البلاد بأرقام محددة وهو ما اثار قلق الأسواق المالية حول مستقبل فرنسا.

 

في السياسة الخارجية أكد أن فرنسا ستواصل دعمها لكييف لكنه سيعارض إرسال صواريخ بعيدة المدى وقوات فرنسية إلى أوكرانيا. كما استبعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية معتبرا "أن ذلك يعني الاعتراف بالإرهاب" وهو موقف متضامن مع حكومة التطرف بإسرائيل..

 

معسكر الأغلبية الرئاسية بزعامة ايمانويل ماكرون الذي تعرض لانتقادات من كل حدب وصوب لحله الجمعية الوطنية، الأكثر ضعفا بين الكتل الثلاث المتنافسة (19,5 إلى 20%) حتى وإن تحالف مع الجمهوريين (يمين) المعارضين للتجمع الوطني 7 إلى 10%).

 

اليسار في اطارا الجبهة والتحالف الذي اسسه من اجل قطع الطريق على اليمين المتطرف يجد صعوبة في اختيار مرشحه لمنصب رئيس الوزراء او الشخصية المؤهلة لهذا المنصب. وسط حلافات خاصة بين الجناح اليساري لهذه الجبهة الذي يمثله جون لوك ميلونشون والجناح اليميني لدى اليسار الذي يمثله فرنسوا هولند..

 

من ناحية تحالف اليسار يخضع جان لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" لضغوط لعدم السعي الى تولي رئاسة الوزراء في حال الفوز. وهي نقطة الضعف الجبهة الشعبية الجديدة التي تضم أحزاب يسارية غير متجانسة.

حالة القلق من فوز حزب مارين لوبين المتطرف دو التوجهات التي تثير القلق على الحريات، تجاوزت الحدود، المستشار الألماني أولاف شولتس واحد البلدان المؤسسة للاتحاد الأوربي الى جانب فرنسا عبر. عن "قلقه إزاء الانتخابات بفرنسا"، وقال الأحد "آمل أن تنجح الأحزاب غير المحسوبة على لوبن في الانتخابات. لكن القرار يعود إلى الشعب الفرنسي". وانتقدت المفوضية الأوروبية فرنسا بسبب عجزها المفرط، نظرا لارتفاع المصاريف التي تقوم بها الدولة.

 

ومنذ انطلاق الحملة وتقدم المتشددين خرج عشرات آلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في فرنسا للتنديد بـ «خطر" يتهد د حقوق النساء في حال فوز التجمع الوطني بالانتخابات وخوفا على الحقوق الفردية وعلى حقوق المهاجرين المستقرين بهذا البلد وكذلك مزدوجي الجنسية الذين يستهدفهم هذا الحزب المتشدد.

 

وتثير نتائج الانتخابات، بين التخوف من أول حكومة من اليمين المتطرف في تاريخ البلاد، وجمعية وطنية تهيمن عليها ثلاث كتل متنافرة وعلى خلفية اوضاع اقتصادية متردية وحرب في كل من أوكرانيا وغزة وقبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية في باريس.

يبقى السؤال الكبير، هل يختار الفرنسيون الاستمرارية والتصويت على الأحزاب الكلاسيكية من اجل ضمان الاستقرار والاستمرارية، ام انهم لن يمنحوا الأغلبية لأي طرف لتعبير عن الغضب من الطبقة السياسية الى حد وصل الى دفع الأغلبية بالتعبير عن رفضها لطبقة السياسية من خلال اختيار شعبوي ومتطرف لحكم البلاد.