رشيد لبكر:  لهذه الأسباب ستكون عملية الإحصاء المرتقبة صيف 2024 خلاقة وطموحة

رشيد لبكر:  لهذه الأسباب ستكون عملية الإحصاء المرتقبة صيف 2024 خلاقة وطموحة رشيد لبكر
لابد من الإشارة في البداية إلى أن الدعوة إلى الإحصاء العام المقبل للسكان والسكنى فرضتها مجموعة من العوامل العامة، لسببين: أما السبب الأول فيتعلق لما لاحظناه خلال الآونة القريبة من تضارب وتتناقض في الأرقام الإحصائية الصادرة عن مؤسسات الدولة وصلت في بعض الأحيان إلى درجة متقدمة من الخلاف والتشكيك في مصداقيتها من طرف  المؤسسات المنتجة لها، (بعض يضرب في مصداقية بعض )،  علما ان هذه المؤشرات هي على درجة كبيرة من الأهمية وليس من المعقول أن تكون محط مزايدات، على اعتبار ما سيبنى عليها من سياسات عمومية تؤسس لبرامج واستراتيجيات في شتى القطاعات، من هنا، فالدعوة إلى الإحصاء العام للسكان والسكنى جاء في وقته، قطعا لدابر الخلاف وتوحيدا للرؤية وتنزيلا لبرامج واقعية وموضوعية، اما السبب الثاني، فمرتبط، في ظني، بالتحولات المجتمعية الكبيرة التي عرفها العالم خلال العشرية الاخيرة في ارتباط بجائحة كورونا وأزمتي الغذاء والطاقة، فضلا عن التغيرات المناخية التي وصلت إلى مستويات عالية من الحدة، لاسيما على مستوى انحسار الفرشاة المائية وتوالي فترات الجفاف، و بالتالي تضرر جل القطاعات المرتبطة بالماء، وهو ما نتج عنه، ازدياد معدلات الهجرة نحو المدن واتساع هوامش الفقر وغير ذلك، وأعتقد ان هذا سبب أخر يفرض نفسه، ويدعو الدولة  إلى القيام بوقفة اتجاه واقع حالنا اليوم، لمعرفة حقيقة الأوضاع بالأرقام وبالإحصاءات الميدانية، ولعل الإحصاء العام هو من السبل الناجعة جدا لتصحيح رؤيتنا اتجاه هذه الأوضاع وقراءتها بشكل صحيح ، لاسيما في ظل الثورة الرقمية المميزة للعشرية الأخيرة، وهذا طبعا مدعى آخر لإجراء هذا الإحصاء، إذ من المؤكد، أن التطور التكنولوجي سيسمح بتدقيق المعلومة وضبطها وتوسيع هامش التقاطها، وبالتالي يكون من المهم، استثمار هذا التطور في إجراء إحصاء جديد، عصري، بمقاربات مبتكرة وبوسائل حديثة وعالية الدقة، فلأجل كل هذه المعطيات، أنتظر أن يكتسي  إحصاء هذه السنة، أهمية كبيرة بالنسبة لبناء خطط مستقبل البلاد،  كما اتوقع له أن يكون على درجة متقدمة من الدقة والفعالية والموضوعية.

واعتقد أن استثمار الوسائل التكنولوجية الحديثة سيكون ذا إثر إيجابي كبير على موضوعية النتائج على اعتبار أن هامش الخطأ سيتقلص جدا، فضلا عن السرعة المتوقعة في علاج المعطيات المحصلة وسهولة جمعها ومركزتها وقراءتها وتوزيعها حسب القطاعات ، الشيء الذي سيوفر كل الشروط المساعدة على دقة النتائج المحصلة، فهذا بظني  ما هو يعنيه قول جلالة الملك، بأنه ينتظر أن تكون عملية الاحصاء خلاقة، أما وصفها بالطموحة، فنابع من  التغيرات العديدة التي طرأت على المجتمع المغربي وفق ما سبق شرحه، وهو ما يفرض ضرورة توسيع هامش العينات القطاعية والموضوعاتية التي يجب ان يشملها الاحصاء، ومنها مثلا  مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، التي أشار إليه جلالة الملك في رسالته الموجهة إلى السيد رئيس الحكومة، إذ من الضروري اليوم معرفة عدد المستفيدين من هذه الرعاية وظروف معيشتهم وإكراهاتهم وغير ذلك، وقد نضيف الى ذلك، حتى القطاعات القروية المعنية اليوم بالمشاكل الطبيعية التي عرفتها بلادنا وآثارها كالزلزال وانحسار الماء ، إضافة ايضا الى مشكل البطالة وعلاقة الشواهد بسوق العمل وغيره، لأجل كل هذا،  بنى جلالة الملك تصوره حيال هذا الاحصاء على الطموح والإبداع، أمله إذن،  أن يكون إحصاء هذه السنة متميزا في كل شيء، في وسائله وفي منهجيته وفي حجمه و في النتائج التي يرمي الوصول اليها، وهذا شيء مهم جدا، لتوضيح الرؤى وتشخيص الإكراهات وتحديد التحديات وضبط التصورات المستقبلية وفق خطة واحدة  ونظرة موحدة بين كل القطاعات، ضمانا للالتقائية وللنجاعة وللفعالية..
 
ولابد من الإشارة هنا  بان النموذج التنموي قدم تشريحا دقيقا لكل مشاكلنا وعدد أعطابنا التدبيرية التي تحول دون تحقيق النتائج المرجوة، وإلى جانب ذلك، اقترح مجموعة من الوصفات التي يمكنها أن تضمن إقلاعا حقيقيا لكل قطاع على حدى، اي في كل السياسات العمومية، من صحة وتعليم وسكن وإدارة وبيئة وغيره من خدمات عمومية، ولكن لا يمكن بلوة ولا تصور خطط تناسب مسلسل الإقلاع بهذه السياسات إلا بناء على معرفة دقيقة بإكراهاتها و تحدياتها وحجم أهميتها، ولن يجيب عن هذا كله، إلا إحصاء عام موضوعي وعلمي و متطور الاداء و التجهيزات  لأجل ذلك، فان النتائج المتوقعة من هذا الاحصاء ، ستمهد الطريق بكل شك، لسياسات عمومية ناجعة وفعالة ومتلائمة مع واقعها ،هذا بالطبع، لو أنجز وفق الرؤية الملكية، وفي هذا الإطار، لا ننسى أن الملك  أكد في رسالته، انه منخرط شخصيا في انجاز هذا الاحصاء، ودعا كل الإدارات العمومية والجماعات الترابية،  إلى الانخراط فيه بإيجابية ووطنية، وبظني، ان هذا الحرص الملكي، ينبئ بأن المملكة على موعد على استراتيجيات تنموية جديدة تحتاج الى مؤازرة ودعم بالمعلومات الصحيحة والمعرفة المعمقة  والإحصاءات الدقيقة. 
رشيد لبكر، استاذ القانون العام، كلية الحقوق، جامعة شعيب الدكالي بالجديدة.