محامي يفكك قانون المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير المثير للجدل

محامي يفكك قانون المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير المثير للجدل ذ. عمر الداودي محامي بهيئة المحامين بالرباط
شكّل عزم الحكومة على إحداث ما أسمته ب: "المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي" على تراب ثلاث عمالات: تزنيت، تارودانت، وشتوكة أيت باها، على مساحة إجمالية تقدر 111.130 هكتارا على امتداد ثلاثة عشرة جماعة ترابية، بموجب القرار الصادر عن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات رقم 3267.23 المؤرخ في 29/12/2023 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 7282 الصفحة 1664 ، شكل مناسبة لإعادة النقاش حول الأرض بمنطقة سوس إلى واجهة النقاش العمومي.
 
​يجب التأكيد بداية على أن منطقة سوس الممتدة جغرافيا من إداوتنان إلى إقليم طاطا ومن الصويرة إلى تارودانت، ليست بها غابات بمفهوم الغابة القانونية على اعتبار أن هذه الرقعة الجغرافية عرفت تعاقب عدة حضارات وتضم آثار مهمة للعمران البشري الذي شيد هذه الآثار منذ مآت السنين: مدارس عتيقة ومساجد ومقابر وأسواق ومنازل ومدرجات زراعية وإكودار (مخازن).

​وإذا كان المقصود بالغابة هو ذلك العقار الذي لم يشهد أي نوع من أنواع الاستعمال أو الاستغلال أو التهيئة البشرية فإن سوس ليست بها أية غابة تذكر، اللهم ما يخصصه الأجداد قديما لرعي المواشي التي يتم رعيها خلال موسم الربيع لإبعادها عن إفساد الحقول المنبتة للزرع.
 
ولم يكن المستعمر في غفلة عن هذا المقتضى التاريخي حينما أصدر الظهير المؤرخ في 01/07/1914 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 62 الصفحة 275 والذي تمم وعدل بظهير 29/10/1919 ، هذا الظهير الذي أورد على سبيل الحصر الأملاك المعتبرة بمثابة أملاك الدولة وليس من ضمنها الغابات، ​أي أن امتلاك الغابات يمكن أن تتم من قبل الأشخاص (طبيعيين واعتباريين) كما يمكن أن يتم من طرف الدولة أو الجماعات السلالية.
 
​ومن المؤكد أيضا أن تعقد وتعدد الأنظمة القانونية للعقار بالمغرب ساهم أيضا في خلق اللبس بخصوص هذه النقطة بالذات، فأصبح يستعصي على الباحث –غير المتمرس- أن يميز بين أراضي ملك الدولة وأراضي العامة وأراضي الكيش وأراضي الجماعات السلالية.
 
​وقد عرفت الأنظمة العقارية بالمغرب نظامين اثنين هما: أراضي الجماعات وأراضي الخواص، مع التأكيد على أن الأصل بالمغرب في الملكية العقارية أن تكون جماعية إلى أن يثبت العكس ، فالإنسان الامازيغي بطبعه لا يقبل التصرف  في أرضه بالبيع أو تفويت حق الرقبة، وهو ما يفسر بعض الآثار الفقهية التي تحرم الأنثى من الإرث في الأرض وهو موضوع له دلالات عميقة متصلة أساسا بالحفاظ على وسائل الانتاج من الوقوع في يد الغرباء عن القبيلة الواحدة.
 
​وعودا إلى موضوع إحداث المنتزه بسوس فإنه بالرجوع إلى القانون رقم 22.07 الصادر بتاريخ 16/07/2010 الجريدة الرسمية عدد 5861 الصفحة 3904 وما يليها فإن هذا النص (القانون) يطرح العديد من الاشكاليات القانونية والعملية في تنزيل جل مواده ، مما يطرح أكثر من تساؤل عن مضمون الأعمال التحضيرية التي سبقت نشره في الجريدة الرسمية والمناقشات التي من المفترض أنها صاحبته خصوصا وأنه صدر في خضم أوج النقاش والسجال القانوني بين أبناء منطقة سوس وسمي أنذاك بالمندوبية السامية للمياه والغابات، والتي تعمدت على إصدار عدة مراسيم حددت بموجبها عدة عقارات آهلة بالسكان بنفس المنطقة خارج الضوابط القانونية وبشكل ينم عن شطط كبير في استعمال السلطة وعرفت قبة البرلمان عدة نقاشات بهذا الخصوص من طرف بعض نواب برلمانيين (عصام ، لشكر وآخرين ) كما تم إنشاء عدة إطارات جمعوية بهذا الخصوص (جمعية دارنغ) ، وتم نشر سلسلة من الكتابات والمقالات في الموضوع أهمها ما نشره الاستاذ الحسين الملكي رحمه الله تعالى.
 
​إن مسلسل الاجراءات التي تنهجها مصالح المياه والغابات مع العقارات التي يملكها الخواص، وكذا مع الغطاء النباتي المحمي بنصوص قانونية واتفاقيات دولية، يطرح (المسلسل) أكثر من إشكال قانوني.
 
​فقيام مصالح المياه والغابات (المندوبية السامية) بإجراءات تحديد اداري دون الانضباط إلى نوعية العقارات بمنطقة سوس والاستناد إلى قوانين صدرت في عهد الاستعمار كان الهدف من صياغتها التشريعية الاستيلاء على الارض وما يرتبط بها وتمريغ انف المقاومة في المنطقة بإظهار (بوغابة) كرمز للسلطة والتحكم الاستعماري إبان الاستعمار ، وكلها أهداف وإن كانت مقبولة من المستعمر الذي لم يحتل المغرب إلا من أجل نهب الخيرات وتعويض البنية المجتمعية والروحية للمجتمع فإن اعتماد نفس النصوص القانونية الآن يطرح أكثر من تساؤل ، سيما إذا علمنا بأن منطقة سوس لم تعرف دخول المستعمر إلا غداة 1934 ، أي أن الجريدة الرسمية لم تعرف الوصول إليهم قبل هذا التاريخ.
 
​ومهما يكن من أمر، وبمناسبة الحديث من إحداث المنتزه، فإني إرتأيت نشر سلسلة خواطر ومقالات في الموضوع من أجل فتح وإذكاء النقاش وطرح تساؤلات بين أهل الاختصاص، لعلنا نجد السبيل إلى حلول فاجعة تنهل من تراثنا وتثغيا الحفاظ على الحقوق العقارية والاجتماعية والاقتصادية لساكنة المنطقة في ظل ما يتيحه الدستور الجديد للبلاد .