أحمد الحطاب: هل أحزابنا السياسية تستحق دستور 2011؟

أحمد الحطاب: هل أحزابنا السياسية تستحق دستور 2011؟ أحمد الحطاب
أخصُّ بالذكر الأحزاب السياسية التي تتصدَّر المشهدَ السياسي، الموجودة في البرلمان، في الحكومة وفي الجماعات الترابية. لكن هذا لا يعني إطلاقا أن الأحزاب الأخرى غير معنية بهذا السؤال! فما دامت أحزاب سياسية تم إنشاؤها بمقتضى الدستور والقانون الذي هو مشتق من هذا الدستور، فهي معنية بمحتوى هذا الأخير.
 
وهنا، لا بد من التذكير أن النظام السياسي في بلادنا يعتمد على التَّعدُّدية الحزبية التي أنطلقت وتمَّ العمل بها بعد الاستقلال. ولا بدَّ من الإشارة كذلك أنه، في إطار هذه التَّعدُّدية، بلادَنا تحتضن ما يُناهز 40 حزبا سياسيا. غير أن جزأً كبيراً من هذه الأحزاب وُلِدَ ميِّتا، بمعنى أنها لا تأثيرَ لها على المشهد السياسي ولا على حياة المواطنين بحكم عدم توفُّرها على قواعد شعبية، وبالتالي، يمكن القول وبدون تردُّدٍ، أن هذه الأحزاب لا تستحق دستور 2011 ما دامَ وجودُها لا يختلف عن عدم وجودها. 
فما هو الشأن بالنسبة للأحزاب الأخرى التي هي مزيج من أحزاب وطنية وأحزاب إدارية التي لا يتجاوز عددُها عددَ أصابيع اليدين.
 
قبل أن أقولَ هل هذه الأحزاب الوطنية والإدارية تستحق أو لا تستحق دستورَ 2011، دعونا نطَّلع على ما ينص عليه هذا الدستور في شأن الأحزاب السياسية. حسب الدستور، تضطلع الأحزاب السياسية بالأدوار التالية :
-ممارسة أنشطتها بحرية،
-تأطير المواطنات والمواطنين،
-تكوينهم السياسي،
-تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية
-تعزيز انخراطهم في تدبير الشأن العام،
-المساهمة في التَّعبير عن إرادة الناخبين،
-المشاركة في ممارسة السلطة على أساس التَّعدُّدية و التَّناوب.
ما معنى "ممارسة أنشطتها بحرية؟
 
المقصود من هذه العبارة، هو أن الأحزاب السياسية، بحكم انبثاقها من الشعب، فإن كل نشاط تُمارسه، تُمارسه باسم الشعب ولصالح هذا الشعب، لكن في حدود ما يسمح به القانون. ما يمكن قولُه في هذا الشأن وبإستثناء الأحزاب التي وُلدت ميتة، فإن الأحزاب الوطنية والإدارية تكاد تكون غائبةً عن المشهد السياسي وعن التفاعل مع القضايا الأساسية للبلاد. وإن تفاعلت، يكون تفاعُلُها متأخِّرا وكأنها تنتظر إشارةً ما من جهة ما!

ما معنى تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي؟
بكل بساطة، من واجب الأحزاب السياسية، دستوريا، نشر الوعي السياسي بين المواطنات والمواطنين ليدركوا ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق. لو كانا هذان التَّأطير والتَّكوين ممارسَين فعليا من طرَف الأحزاب، لكانت لبلادنا عدَّة مدارس سياسية تختلف من حيث المباديء والإيديولوجيات. ما يُلاحظ على الساحة السياسية، هو أن الأحزاب أصبحت تتشابه من حيث انعدام توجُّهات إيديولوجية واضحة المعالم. قاسم واحد يجمعها : السباق نحو كراسي السلطة.
 
ما معنى تعزيز انخراطهم (أي ألمواطنات والمواطنين) في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام؟
الحياة الوطنية لها روافد اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، تكنولوجية، بيئية، صناعية، تجارية، استهلاكية… ولا يمكن أن تتحقَّقَ إلا بتضافر الجهود والتَّعاون والتَّضامن بين المواطنات والمواطنين. فكيف للأحزاب الوطنية والإدارية أن تحُثَّ ألمواطنات والمواطنين على الانخراط في الحياة الوطنية وهي تدخل في سبات عميق بين ولايتين انتخابيتين تشريعيتين! 
 
أما الانخراط في تدبير الشأن العام، فهو الدور الذي تُمارسه الأحزاب نيابةً عن المواطنات والمواطنين الذين وضعوا ثقتَهم في هذه الأحزاب. والأماكن التي تُمارس فيها هذه النيابة هي البرلمان والحكومة. في البرلمان، تتحوَّل النيابة عن الشعب إلى تبادل اللَّغط واللَّغو وتصفيات الحسابات وتبادل السَّب والقذف، الشيء الذي يُفرِغ كل التَّدخلات من محتواها ومن أهدافها. وفي نهاية المطاف، تتحوَّل هذه النيابة إلى أرقام (عدد الأسئلة) يُتَبَجَّحُ بها في التقارير.
 
أما الحكومة، فأول وآخر ما يُقال عنها، أنها تظهر، من ولايةٍ إلى أخرى، وكأنها حكومة تصريف الأعمال علما أن الأوراش الكبرى الاجتماعية والاقتصادية تقترحها وتقودها وتتَّبعها أعلى سلطة في البلاد.
 
ما معنى المساهمة في التَّعبير عن إرادة النَّاخببن؟
بالنسبة للأحزاب الوطنية والإدارية، التعبير عن إرادة النَّاخبين، شعارٌ لا يصلح إلا للحملات الانتخابية. وبمجرَّد ما تنتهي الانتخابات، تُقلبُ الموازين لتصبحَ إرادة المُنتَخَبين هي السائدة، بمعنى أن المصلحة الشخصية تتغلَّب على المصلحة العامة التي هي مصلحة المواطنات والمواطنين. 
 
ما معنى المشاركة في ممارسة السلطة على أساس التَّعدُّدية و التَّناوب؟
بكل غرابة واستغراب، ممارسة السلطة هي الدور الذي تتقِنه الأحزاب الوطنية والإدارية وتتشبَّثُ به. بل إنها تلجأ إلى جميع الوسائل، وبدون تمييز، لبلورته على أرض الواقع والعضِّ عليه بالنواجد. من أجل هذا الدور، تنسى هذه الأحزاب كل شيء : المباديء، التَّوجُّهات، القيم، الأخلاق، الانتماءات، الشفافية، الاستقامة، الصالح العام، المواطنة، إرادة الشعب والناخبين والناخبات… بل إنها تجتهد وتصل إلى قمَّة الإبداع لتُحوِّلَ القاسمَ الانتخابي من صيغة إلى أخرى إرضاءً لتعطُّشها للوصول إلى السلطة. 
هل أحزابنا السياسية تستحق دستور 2011؟ أترك لكم الجواب.