في سياق ظاهرة الضّياع الكارثي الذي يطال "بْطًانًةْ عِيدْ لَكْبِيرْ" وخسارة عائداتها المالية التي تقدر بحوالي مليارين من السنتيمات، حيث يتم رمي ملايين "لَبْطَايَنْ" في مطارح النفايات والأزبال مباشرة بعد عملية نحر كبش عيد الأضحى، في حين أن قطاع الصناعة التقليدية في أمس الحاجة لهذه الثروة المادية في علاقة بالصوف والجلد، في هذا السياق استضافت جريدة "أنفاس بريس" الصانع التقليدي لَمْعَلَّمْ حسن لبيض فكانت حصيلة حواره عصارة هذه المادة.
في بداية حديثه مع الجريدة حول هذا الملف شدّد ضيف الجريدة الصّانع التقليدي لَمْعَلَّمْ حَسَنْ لَبْيَضْ على أنه يجب أن نضبط علاقة "لَبْطَانَةْ" بشعيرة عيد الأضحى، ورمزيتها ودلالاتها الدينية والاجتماعية والإنسانية، على اعتبار أن عملية ذبح الأضحية وسلخها يجب أن تتمّ بطريقة صحيحة وسليمة، حيث استحضر المثل المغربي القائل: "الِّلي مَا يَعْرَفْ يَذْبَحْ شَاتُو، وُيْطَيِّبْ عْشَاتُو، وُيْصَبَّنْ كْسَاتُو، يَتْعَزَّى فِي حْيَاتُو... مُوتُو أَحْسَنْ مَنْ حْيَاتُو".
وأكد على أن الجزار الذي ينوي القيام بعملية ذبح الأضحية يجب أن تكون له دراية، و "شَارَبْ الْحَرْفَةْ" على مستوى الذّبح والسّلخ، بحكم أن هناك علاقة متكاملة بين سلامة وجودة "لَبْطَانَةْ" وكيفية الذّبح والسّلخ، والتي تعكس مهارة الجزار في استعمال السكين حتى لا يحدث ثقوبا بجلد لَبْطَانَةْ، وتتم عملية السلخ بطريقة سلسلة دون تعريض جلد لبطانة للأضرار، موضحا أن جلد لَبْطَانَةْ يجب أن يعكس مهارة الجزار بنقاء كبير.
وارتباطا بالتقاليد والعادات القديمة ـ يقول ضيف الجريدة ـ فقد كانت المرأة المغربية الْحَادْﮜَةْ كسائر النساء اللواتي يقمن بأعمالهنّ المنوطة بهنّ، أول ما تقوم به بعد نحر أضحية العيد، وفكّ لَبْطَانَةْ عن السْقِيطَةْ، تشمّر على ساعديها وتتعامل مع لَبْطَانَةْ بدقة ومهارة، حيث تصبّ كمية مهمة من الملح وتمرره بيديها على بقعة الجلد، وهذه العملية تقي لَبْطَانَةْ من التعفّن والروائح الكريهة. وشدّد لَمْعَلَمْ حَسَنْ لَبْيَضْ على أن "لَبْطَانَةْ" تستحق اهتماما كبيرا كما كانت تفعل جداتنا وأمهاتنا سابقا من خلال عملية التنقية من الشوائب، لأنها في مكانة وقيمة سَقِيطَةْ كبش عيد الأضحى على مستوى جودة الصوف وسلامة الجلد من الثقوب والأضرار.
وبأسف شديد أوضح الصانع التقليدي حسن لبيض أن المغاربة سابقا كانوا يتباهون بمنتوج "لَبْطَانَةْ" بعد مرورها من عدة مراحل (الْمِلْحْ والشَّبَّةْ وعملية التنظيف والغسل بالصّابون والمطهّرات( لنصل في الأخير إلى صناعة "الْهَيْضُورَةْ" على اعتبار أنها ترمز لعلامة اجتماعية راقية وسط المجتمع لاستعمالاتها المتعددة سواء في الصلاة أو الجلوس.
وأكد لَمْعَلَّمْ حَسَنْ في حديثه للجريدة، على أننا نفتقد اليوم هذا المنتوج الشعبي من تراثنا المادي واللامادي، لأن جلد الأغنام له قيمة مادية كبيرة من حيث عمارة الإنسان على الأرض، لقد استعمل الإنسان منذ القدم مادة الجلد في الأفرشة واللباس وأيضا حتى على مستوى توثيق النصوص والرسائل والرسومات وما إلى ذلك من معاني الحياة. واستغرب نفس المتحدث كون المجتمع المغربي لم تعد تربطه بهذه المهنة ذات الصلة بجلد "لَبْطَانَةْ" أي علاقة ويتجلى ذلك من خلال ضياع ملايين "لَبْطَايَنْ" بعد نحر أضحية العيد، ورميها مع القمامة في حاويات الأزبال وفي مطارح النفايات. وأكد على أن "لَبْطَانَةْ" تمثل استثمارا كبيرا على مستوى قطاع الصناعة التقليدية، لكن للأسف نُضيِّع منتوجا بقيمة مالية ضخمة تتعدى المليارين من السنتمترات سنويا، فلماذا يا ترى لا نبالي ولا نعطي القيمة الحقيقية لهذا المنتوج المغربي؟
وطالب لَمْعَلَّمْ حَسَنْ لَبْيَضْ بضرورة التوعية في هذا الجانب والتحسيس بأهميته البالغة، في أفق أن يعتني كل مواطن مغربي بـ "لَبْطَانَةْ"، وننتقي جزارا ملمّا وعارفا بأصول صنعة وحرفة الذّبح والسّلخ، من أجل المحافظة على الصّوف والجلد، ونستثمر ذلك في صناعة النسيج واللباس الجلدي واستعمالات أخرى يعرفها جيدا قطاع الصناع التقليدية.
في سياق متصل ذكَّر لَمْعَلَّمْ حَسَنْ بفترات من الزمن الجميل، حين كانت الأسر المغربية تتباهى بمنتوج "الْهَيْضُورَةْ" التي كانت تستعمل للصلاة، وفراش في المساجد، وتأثيث صالونات الضيوف، حيث كانت تعتبر منتوجا مغربيا تراثيا يدخل في صميم اختصاص المرأة المغربية. طارحا السؤال: لماذا لا نعيد ونرد الاعتبار لهذا الموروث التراثي الشعبي؟
عن سؤال للجريدة أوضح لمعلم حسن بأن الأمر يتعلق بأهمية التحسيس بمعطى كيفية الاهتمام بـ "لَبْطَانَةْ" أثناء عملية السّلخ، وعدم إحداث ثقوب في رقعة الجلد، وحين التّمكين من هذه العملية لن نفكر أبدا في فرضية تصدير جلد الأغنام، على اعتبار أن "لَبْطَانَةْ" هي الرأس مال الكبير وهي "لَفْضَلْ وَالرْبَاحْ" للصناعة التقليدية. لذلك ـ يؤكد لمعلم حسن ـ يجب علينا توفير جلود بقيمة تحافظ على سلامة وجودة "لَبْطَانَةْ" وفي هذه اللحظة سنضمن اكتفاء ذاتيا لقطاعنا الداخلي، ولن نجد "بْطَايْنْ الْعِيدْ" مرمية في حاويات القمامة وبمطارح الأزبال. بل سنفرض ذاتنا على المستثمرين في قطاع صناعة الجلود عالميا.
وختم تصريحه للجريدة قائلا: "أمام هذه الحقيقة المرة، يجب على الحكومة أن تقرّ ببطاقة جواز لكل من يمتهن الذبح والسلخ في عيد الأضحى، حتى نضمن سلامة وجودة الصّوف وجلود لَبْطَايْنْ، ونحارب هذه الظاهرة التي تضرّ بمنتوج فيه منافع كثيرة للصناع التقليديين، ومنافع لخزينة الدولة والحكومة وأيضا منافع للتراث المادي واللامادي".