إذا كانت المنتخبات الوطنية تسير في سكة الاستقرار على مستوى التدبير والتأطير التقني، فإن المشهد الكروي على مستوى البطولة الوطنية التي تسمى تجاوزا «الدوري الاحترافي»، يعرف اختلالات هيكلية عميقة، ناتجة عن انعدام الاستقرار المؤسساتي داخل الأندية المغربية التي تعيش غالبيتها تحت رحمة التسيير الفردي.
فبعد اعتقال رئيس الوداد الرياضي سعيد الناصيري في ملف «اسكوبار الصحراء»، وإدانة رئيس أولمبيك آسفي محمد الحيداوي في قضية بيع تذاكر كأس العالم بقطر 2022، والهجرة الطويلة لرئيس الرجاء الرياضي محمد بودريقة خارج المغرب، واختفاء رؤساء آخرين عن الأنظار بعد استقالات اضطرارية، أصبحت الكثير من الأندية تعيش تقلبات تدفعها غالبا إلى التعامل مع الوضع الاستثنائي بتدابير استثنائية.
إذا كان الوضع في البطولة «الاحترافية» لأندية الصفوة بهذا التردي، فإن حال فرق الأقسام السفلي يبعث على الأسف، خاصة في ظل التدبير الفردي من طرف رؤساء يجثمون على فرقهم منذ سنوات.
من هذا المنطلق تعيش غالبية الفرق المغربية حالة اللا استقرار، خاصة بعد أن دخلت الشركات الرياضية حيز التنفيذ، فأصبح الفريق بين مطرقة الجمعية الرياضية وسندان الشركة.
الوداد الرياضي.. الانقلاب الأبيض
لم يكن أحد يظن أن سعيد الناصري رئيس المكتب المديري للوداد الرياضي، سينتهي به المطاف في يد العدالة، وأن صرح الوداد سيتصدع بمجرد دخوله إلى سجن عكاشة واتهامه في ملف «إسكوبار الصحراء».
في عهد سعيد الناصري تصالح الوداديون مع الألقاب، بعد أن جلس على كرسي الرئاسة إثر انقلاب على الرئيس السابق عبد الإله أكرم، لكن بعد سنوات من النجاح على مستوى الألقاب، تبين أن التدبير أحادي وأن الناصري هو الآمر الناهي داخل قلعة الوداد، بل إن الجموع العامة في عهده حطمت أرقاما قياسية إذ اعتبرت الأسرع في تاريخ جموع النادي، لكن الناصري دخل السجن وفي ذكته دين أربعة جموع عامة معلقة.
حين اعتقل الناصري أعلن المكتب المديري لنادي الوداد الرياضي، عبر بلاغ رسمي، تزكية عبد المجيد البرناكي، لتولي مهام التسيير خلفا للرئيس المعتقل. اجتمع رؤساء فروع النادي «الأحمر»، من أجل منح الصلاحيات الإدارية والمالية لعبد المجيد البرناكي، باعتباره نائبا أولا للرئيس سعيد الناصيري، وذلك لغاية انعقاد الجموع العامة للجمعية واتضاح الرؤية حول مآل رئاستها.
في 28 مارس 2024 سينتخب عبد المجيد البرناكي رئيسا لسعيد الناصري خلال جمع عام اختزل أربعة جموع دفعة واحدة، وجاء انتخاب البرناكي رئيسا جديدا للوداد، عقب تحول الجمع العام العادي إلى استثنائي، بعد تقديم المكتب المسير للفريق الأحمر لاستقالته بشكل جماعي.
وبتاريخ 29 ماي 2024 أعلن فريق الوداد الرياضي عبر موقعه الرسمي عن موعد الجمع العام العادي الذي سيتحول إلى استثنائي، بعد فتح باب الترشح لرئاسة الفريق، كما تم إحداث لجنة لاستقبال طلبات الترشيح لمنصب الرئاسة.
وتم تحديد يوم 18 يوليوز 2024 موعدا لعقد جمع العام العادي لموسم 2023_2024 لمناقشة التقريرين المالي والأدبي، ثم المرور إلى جمع عام استثنائي لانتخابات رئيس جديد حيث سيتم وضع طلبات الترشيح قبل 10 يونيو المقبل..
وجاء ذلك في وقت يعيش فيه الفريق الأحمر موسما استثنائيا، حيث حصد الفريق سلسلة من النتائج السلبية في موسم يعتبره الوداديون موسما للنسيان.
أولمبيك أسفي ..رئيس الفريق يجرد من الاختصاصات السياسية والرياضية
وضعية فريق أولمبيك أسفي أشبه بوضعية الرجاء الرياضي، مع اختلاف في الحصيلة التقنية. بدأت أولى خيوط القضية من مونديال قطر، بتسريب صوتي يتضمن مفاوضات حول تذكرة دخول الملعب، وحين مباشرة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لأبحاثها القضائية، بخصوص ما سمي بـ «قضية تذاكر مونديال قطر»، استمعت إلى البرلماني محمد الحيداوي، الذي يترأس فريق أولمبيك آسفي، بعدما ورد اسمه ضمن لائحة المشتبه فيهم.
كانت للقضية مضاعفات سياسية، حين قرر المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار إحالة النائب البرلماني عن إقليم آسفي، محمد الحيداوي على لجنة التأديب لاتخاذ القرار المناسب في حقه. وأفاد بلاغ صادر عن الحزب بأنه على إثر تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لتسجيل صوتي من المحتمل أنه منسوب للبرلماني محمد الحيداوي عضو الحزب، ومضمونه بيع تذاكر لحضور مباراة في كرة القدم، فإنه وحتى يتمكن الحزب من الإحاطة بكل المعطيات المتعلقة بهذا الملف وترتيب كل الجزاءات، قرر المكتب السياسي للحزب إحالة المعني بالأمر على أنظار اللجنة الجهوية للتأديب والتحكيم بجهة مراكش آسفي، عملا بأحكام المادة 32 من النظام الأساسي للحزب، لتنظر في المنسوب للمعني بالأمر.
وفي الوقت الذي كان الحيداوي يستعد لمحاكمته والنطق بالحكم، أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بتجريده من صفته البرلمانية عن الدائرة الانتخابية المحلية «آسفي» ومن عضويته بمجلس النواب، وبشغور المقعد الذي كان يشغله مع إجراء انتخابات جزئية لشغل المقعد الشاغر طبقا لمقتضيات البند 5 من المادة 91 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.
الرجاء الرياضي.. الرئيس خرج ولم يعد
يعيش الرجاء الرياضي لكرة القدم، مفارقة غريبة وغير مسبوقة في المشهد الكروي المغربي. فبعد أزيد من خمسة أشهر على مغادرته المغرب، ما زال محمد بودريقة حديث الرأي العام السياسي والرياضي، بسبب هذا الغياب المثير للجدل، وهو الذي يشغل منصب رئيس الرجاء الرياضي وفي الوقت نفسه هو نائب برلماني.
الحكاية بدأت في 20 يناير 2024، حين سافر محمد بودريقة، إلى لندن لإجراء عملية جراحية، ومن عاصمة إنجلترا سيلتحق بالإمارات العربية المتحدة التي كان يشارك بها في دورة ودية. لم يعد رئيس الرجاء إلى المغرب كما كان متوقعا، بل ظل خارج الوطن يواصل كتابة تدويناته. لكن هذه الهجرة الغامضة والأزمة المالية لم تمنعان الفريق من تحقيق نتائج مبهرة في منافسات البطولة الوطنية، حيث بات اللقب قريبا من القلعة الخضراء.
هذه النتائج لا تخفي الأزمة المالية الخانقة، خاصة في السنوات الأخيرة، ما تسبب في مشاكل إدارية كثيرة، والمثير للاستغراب هو محاولة كل رئيس تولى الإشراف على إدارة النادي، التملص من المسؤولية وتبرئة ذمته، بإلقاء اللوم على الآخر في الخرجات الإعلامية. أضحى الرجاء بمثابة الاستثناء في المشهد الكروي المغربي، إذ كلما ساءت أوضاعه إلا وتمكن من إسعاد جماهيره المتعطشة للألقاب دائما.
يوسفية برشيد.. من يسود ومن يحكم؟
منذ بداية الموسم الرياضي الحالي وفريق يوسفية برشيد يعاني من الانقلابات والانقلابات المضادة، وبين انقلاب وآخر فترات إضراب يشنها اللاعبون وهدنة سرعان ما تتبعها بيانات وندوات صحفية بين رئيس النادي فتح الله ورئيس الشركة العائد من فترة توقيف نور الدين بيضي، والنتيجة الحتمية سقوط الفريق الحريزي إلى القسم الثاني بعد سلسلة من الإضرابات.
عادت يوسفية برشيد إلى القسم الثاني، بسبب اختلالات في التسيير نتج عنها عصيان ووقفات احتجاجية وتبادل للاتهامات وصلت إلى القضاء.
ما يحصل في برشيد حصل في فرق عديدة عاشت على إيقاع عدم الاستقرار، كالمولودية الوجدية الذي انتقل من زمن التسيير الأحادي إلى اللجنة المؤقتة، وبين جمع عام عادي واستثنائي عاش الفريق الاختناق.
تعددت أزمات العديد من الفرق المغربية، وظهرت اختلالات التدبير من خلال تعدد الجموع الاستثنائية، وعصيان اللاعبين الذي شمل أغلب الفرق المغربية باستثناء الجيش الملكي والفتح الرباطي واتحاد تواركة.