نوفل البعمري: الانتخابات البرلمانية الأوروبية والعلاقة مع المغرب!؟

نوفل البعمري: الانتخابات البرلمانية الأوروبية والعلاقة مع المغرب!؟ نوفل البعمري
تم استدعاء حوالي 370 مليون مواطن أوروبي للاقتراع الذي جرى في الفترة الممتدة ما بين 6 و 9 يونيو الجاري، قصد انتخاب برلمان أوروبي، وهي الانتخابات التي تجري في ظل وجود تخوفات كبيرة من تنامي حضور الطيف اليميني المتطرف داخل مجلسه الذي ينتظر أن يحرز تقدماً سيكون له، ولاشك، تأثير على سياسة البرلمان في عدة ملفات تُعتبر ضاغطة على دوله، منها ما يتعلق بقضايا الهجرة واللجوء، الحرب على أوكرانيا وعلى غزة مع تأثيراتها على المزاج العام داخل الشارع الأوروبي.

ما يعنينا نحن هو تأثير هذه الانتخابات على العلاقة مع المغرب خاصة وأنها قد مرَّت بحالة من القطيعة بسبب التوجهات المعادية للمغرب التي كان قد اختارها البرلمان الأوروبي، من خلال محاولة استغلال ملفات محددة للتضييق عليه، التي انتهت كلها بأن اصطدمت بجدار سميك من الصمود جسدته الدبلوماسية المغربية رغم القرارات الصادرة عن هذا البرلمان التي لم تستطع التأثير على علاقة المغرب بالمفوضية الأوروبية… انتهت كلها بتجاوزها من خلال وعي البرلمان الأوروبي أن المغرب لن يتم لي ذراعه سواء بملف المهاجرين أو بملف الصحراء ولا ببعض الملفات المصطنعة…

الأكيد أن السؤال الذي يمكن أن يطرحه المراقب لهذه الانتخابات هل سيكون لها تأثير سلبي على العلاقة مع المغرب؟!

هذا السؤال هو سؤال مشروع بالنَّظر للسوابق التي جمعت العلاقة بين البرلمان الأوروبي والمغرب، وللمتغيرات المُنتظرة التي قد تؤدي إلى صعود اليمين المتطرف داخله مع كل ما يعني ذلك من تأثير على السياسة الخارجية للبرلمان الأوروبي تجاه دول الجنوب خاصة منها المغرب، هنا لابد من تسجيل ملاحظة كون هذه الانتخابات لا يتوقع أن يكون لها انعكاس سلبي على علاقة البرلمان الأوروبي بالمغرب نظراً لقوة تواجد الأحزاب التقليدية داخله خاصة منها الاشتراكيين الديموقراطيين والوسط الأوروبي، بل في بعض الدول قد يشهد التيار الاشتراكي الديموقراطي تقدماً ملموساً كالحالة الإسبانية، بمعنى أن التنافس يجري اليوم داخل رقعة اليمين، اليمين واليمين المتطرف اللذان يتنافسان على نفس الكتلة الناخبة بحيث جرى استقطاب حاد بينهما ويمكن تقديم الحالة الهولندية كنموذج عن ذلك…بهذا المعنى فنتائج الانتخابات لن تشهد تأثيراً كبيرا على حجم تواجد الأحزاب الأوروبية إن جاز وصفها بالكلاسيكية، والتي هي من تؤثر بشكل كبير من خلال التحالفات التي تقوم بها داخل البرلمان وتأثير حكومات هذه الدول على فرقها البرلمانية، هذه الحكومات التي لها علاقات قوية مع المغرب ولن تبحث عن تكرار أي أزمة معه، خاصة وأن غالبية هذه الدول الأوروبية لها اليوم علاقات اقتصادية وشراكات متنوعة سواء في مجال الفلاحة أو التجارة أو الهيدروجين، وتدفع نحو تحسين علاقتها مع المغرب.
بشكل أكثر تدقيقاً، هل سيكون لهذه التغيرات أثر على تجديد اتفاقية الصيد
البحري ما بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟!
الطرفان معاً سبق لهما بالحوار أن اجتازا مختلف الأزمات التي كانت متعلقة بتجديد اتفاقية الصيد البحري، ورغم محاولات الخصوم دفع القضاء الأوروبي إلى إبطال الاتفاقية لكن المغرب والاتحاد الأوروبي ذهبا غير ما مرة نحو تجديدها وتعزيز الشراكة بينهما، وكان البرلمان الأوروبي في نهاية المطاف يخضع لإرادة الدولة والحكومات الأوروبية وللتوجهات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي التي تجسدها أجهزة الاتحاد الأوروبي خاصة منها المفوضية الأوروبية،هذه الأخيرة هي من تحدد التوجهات المستقبلية والسياسية لأوروبا، والبرلمان الأوروبي ليس له إلا أن يستجيب لها، مما يزيد من تحجيم أي دور مناوئ من داخل البرلمان الأوروبي في مواجهة المصالح المغربية خاصة منها اتفاقية الصيد البحري والفلاحي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

الانتخابات الأوروبية لن تشهد مهما كانت نتائجها أي تأثير سلبي في علاقة المغرب بالبرلمان الأوروبي، بل قد تشهد في ظل حفاظ الأحزاب التقليدية لموقعها داخله، مع ما سيشكله ذلك من ضمانة سياسية للحفاظ على نفس التوجهات الاستراتيجية في علاقته مع عدة دول على رأسها المغرب نظراً لحجم الشراكات التي تجمعهما وتجمع الدول المشكلة للأغلبية داخل البرلمان الأوروبي، والتي لن تغامر بتكرار الأزمة أو افتعالها مع المغرب، ومع ذلك ففي العمل الدبلوماسي لا شيء مضمون، وتظل اليقظة المغربية ضرورية لحين اتضاح الصورة والأغلبية التي ستشكل البرلمان الأوروبي والتوجهات الجديدة له، والتي تفرض على المغرب أن يظل في نفس سياسته وخطه المبني على الوضوح، تنويع الشركاء، الوفاء للأصدقاء والصرامة في مواجهة الخصوم.