في مراكش تحديدا بكلية الحقوق، تمت مناقشة بحث طالب فلسطيني لنيل درجة الدكتوراه في غيابه وهو بين يدي الله، بعد أن نفض يديه من الدنيا وكل ما فيها من مراتب وشهادات (حقيقية أو مزورة).
ناقش المرحوم، عفوا، نوقشت نيابة عنه رسالة دكتوراه لو كان سئل مِن هناك عن رغبته في أن يلتئم الأساتذة دونه لمنحه لقب دكتور (الذي بالمناسبة لم يعد لديه بريق زمان)، لربما كان قال "أنا في شأن آخر، ولم يعد مطمع في مغانم الدنيا، كيفما كانت!".
من هنا أول استنتاج: مناقشة عمل جامعي دون إرادة صاحبه، يعد إكراها لا يقبله المنطق.
ثم إن المناقشة تكون بين أعضاء لجنة التحكيم والطالب، لا بين الأساتذة الممتحنين أنفسهم.
نعم البر بالناس، وذكر الأموات بالخير ولو كانوا أشرارا، والإحسان لكل المخلوقات، قيم حاضرة في المجتمعات الإسلامية كثقافة موروثة يُعمل بها قليلا أو كثيرا، لكن الجامعة تعد من أعتى معاقل بناء العقل الرشيد حسب فهمي. ولذلك لا تدرس فيها أشياء كالسحر الأسود، وطلاسم جلب الحبيب، وأوراد الدعاء للميت.
هناك أكيد في واقعة مناقشة بحث الطالب الفلسطيني بمراكش بعد وفاته خلط بين حسن النية والعبث الذي قد ينتج عنه. إن إرادة الله شاءت أن تفتح لروح الفقيد باب السماء للإرتقاء قبل مناقشة بثه لسبب يعلمه البارئ وحده، ومن العبث والخطا الإجتهاد في استحضار روح الفقيد من الآخرة لمناقشة بحث في قاعة من القاعات الباردة للجامعة.
مناقشة رسائل الدكتوراه يوم حساب أكاديمي يتم بحضور الطالب المعني ليدافع عن صحيفته.
والمناقشات في الجامعة لم تكن أبدا غايتها التكريم أو التأبين، أو الترحم على الأموات وتعداد مناقبهم، بل الإعتراف بالدرجة العلمية. أعيد "الدرجة العلمية" لا أية درجة على سلم التعاطف والانصهار الوجداني.
أنا أفهم طبعا المقصود من البادرة، خاصة في السياق الحالي لمجريات الأحداث، وأكيد أن الغاية كانت رد الإعتبار لعمل أنجز قد يكون لامعا وكلف الكثير من الجهد المحمود، لكنني لا أفهم مسوغ الإجتماع ،واعتبار العمل نوقش دون أهم الأركان المادية للمناقشة والمتمثل في حضور الطالب المعني عينا.
كان يمكن تكريم عمل المرحوم بطريقة أكثر احتراما لمقومات الجامعة عبر نشره ببادرة من الجامعة نفسها إذا توفرت فيه طبعا شروط النشر العلمية.
وبعدئذ الجامعة ليست مكانا للإحسان.
وبعدئذ، سبحان من يحيي العظام وهي رميم.
عبد الوهاب الرامي
أستاذ في المعهد العالي للإعلام