عرف المجلس الوزاري الأخير المنعقد يوم السبت فاتح يونيو 2024 تعيين عادل الفقير مديرا عاما للمكتب الوطني للمطارات خلفا للمديرة السابقة حبيبة لقلالش ..
ويأتي التعيين للمدير الجديد حسب مصادر نقابية في ظل الرهانات والتحديات التي تنتظر المكتب الوطني للمطارات باستضافة البلاد لتظاهرات قارية وعالمية، والإنتعاشة القوية للقطاع السياحي وحركة النقل الجوي بعد مرحلة كوفيد 19. وهي رهانات لا تنعكس نتائجها الإيجابية على شغيلة المطارات، التي ما فتئت تواجه صعوبات يمكن عرض أهمها في ظروف العمل السيئة وغياب وسائل الحماية والوقاية من الأخطار المهنية وحوادث الشغل. وفي غياب حوار جاد ومسؤول من طرف الادارة وتماطلها في تنفيذ ما تبقى من الإتفاقات الموقعة معها.وعدم جديتها في التعاطي مع مطالب فئات شغيلة المكتب والتقليل من أهميتها وتضحياتها..
وبالتالي فقد شكل تعيين المدير العام الجديد عادل الفقير مفاجأة لأغلب مستخدمي المؤسسة، وذلك لأن المديرة السابقة لم تكمل بعد عامها الرابع، مما أدى إلى الاستنتاج بأن ثمة أشياء مهمة وحيوية أقنعت صانع القرار بالإسراع برحيلها وتغييرها بعادل الفقير. وتضيف ذات المصادر لعل أبرز حدث طفا على السطح خلال مدة قيادة حبيبة لقلاش للمؤسسة وعرف تغطية إعلامية واسعة هو تدخل رئاسة الحكومة المباشر، للإشراف على الحوار مع النقابات وتوقيع اتفاقيات للسلم الإجتماعي في المكتب الوطني للمطارات أواخر سنة 2022، وهي سابقة في تاريخ المؤسسة، مما يوضح من جهة فشل لقلالش في إدارة الحوار الإجتماعي وعجزها عن مواجهة المطالب النقابية، ومن جهة أخرى سحب بساط القرارات الإستراتيجية بالمؤسسة من الإدارة العامة ونقلها لمستوى أعلى، نظرا لحيوية القطاعات التي تشرف عليها المؤسسة خصوصا قطاع الملاحة الجوية.
وقد تجلى ذلك في تدخل سلطات الوصاية بشكل مباشر في فرض إقالة عدد من أبرز المديرين والمسؤولين في المؤسسة، خصوصا مدير قطب الملاحة الجوية سابقا والكاتب العام السابق.غير أن ثمة وقائع وأحداث لم تحظ بتغطية واسعة لقلة المطلعين عليها، ومنها الخلاف الذي كان معروفا بين سلطات الوصاية ممثلة في وزارة النقل واللوجستيك مع المديرة العامة السابقة، والذي وصل ذروته بعد رفض المجلس الإداري الأخير المنعقد يوم 17 ماي 2024 للمرة الثانية، المصادقة على البرنامج الإستثماري الخاص بتوسعة وتجهيز المطارات استعدادا لتنظيم كأس العالم 2030، إضافة إلى ما تم تداوله عن عرقلتها لمحاولة تفويت مطار محمد الخامس لمستثمرين إماراتيين. ومما زاد الطين بلة صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات في دجنبر 2023 والذي سجل تأخرا في تنزيل المشروع الاستراتيجي لتحويل المكتب لشركة مساهمة (SA) ،وهو ما كان يوحي بأن أيام لقلالش قد أصبحت معدودة على رأس المؤسسة بين التدخل الحكومي المباشر في الحوار الاجتماعي ورفض المصادقة على البرنامج الاستثماري..
وحدثت وقائع أخرى خلفت تذمرا في عدد من الأوساط ، وهي الوقائع التي تردد صداها في الإعلام وتناولتها الصحف الوطنية، كحادثة الفرع الإفريقي للمكتب الدولي للمطارات (ACI) والذي هدد بنقل مقره من المغرب إلى جنوب إفريقيا بعد عرقلة عمله من طرف بعض المسؤولين بالمكتب ؛وتجاهل المديرة السابقة لمناشداته رغم الحساسية الشديدة اتجاه هذا الأمر في حالة حدوثه، إضافة إلى حادثة وفاة أحد التقنيين بمطار محمد الخامس وعجز المديرة عن معاقبة المتسببين الحقيقيين عن الحادثة، مما حدا بالوزارة الوصية إلى التدخل وفرض إبعاد الشركة التي أوكل لها صفقة صيانة التجهيزات الكهربائية المسؤولة عن الحادثة عن جميع صفقات المكتب بعد عدم اتخاذ المديرة السابقة لأي إجراء ضدها.
ويرى عدد من المتتبعين عن كثب أن خلفية وتكوين حبيبة لقلالش لم يساعداها على النجاح في مهمتها في قيادة المؤسسة، وهي المتخصصة في التقييم (AUDIT) والقادمة من شركة الخطوط الملكية المغربية حيث ثقافة العمل ونوعيته مختلفة عن تلك السائدة في المكتب رغم تجاور المؤسستين وعملهما جنبا إلى جنب في قطاع الطيران المدني، بعد تجربة زهير العوفير المدير العام السابق والذي كان هو الآخر قادما من نفس الشركة أي الخطوط الملكية المغربية، خصوصا مع تضخم هيكلة المكتب والارتفاع المضطرد لحجم الغلاف الاستثماري السنوي الذي يقارب ملياري درهم لمواكبة ارتفاع الحركات الجوية وعدد المسافرين عبر المطارات المغربية، مما طرح على المؤسسة تحديا تنظيميا لم تنجح في تجاوزه، والمتمثل في كيفية مواكبة هذا الارتفاع الكبير في الغلاف المخصص للاستثمار مع ضمان نزاهة عمليات التفويت والتتبع والإنجاز والتقييم لهذه الملايير على أرض الواقع، علما أن مستخدمي المؤسسة مازالوا يستحضرون الهزة التي عرفتها سنة 2012 بعد اعتقال المدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات عبد الحنين بنعلو مع 16 من كبار المسؤولين بتهم الفساد والارتشاء.
غير أنه في هذه المرة، يبدو أن السلطة المركزية اختارت، الابتعاد عن الأشخاص ذوي الخلفيات والتجارب القادمة من القطاع الخاص، وراهنت على شخص سبق له العمل في المؤسسات العمومية حيث البيروقراطية الإدارية واللوبيات حاضرة بقوة، ولا يمكن تجاوزها إلا بالتوفر على تجربة في التعامل معها، إضافة إلى ضمان رضى وتعاون سلطات الوصاية وعدم الدخول في صراعات معها من أجل إنجاح مخطط تحويل الوضع القانوني للمؤسسة بهدف تمكين القطاع الخاص من ضخ الأموال الضرورية لتأمين الحجم المتزايد للاستثمارات بما يمكن المؤسسة من توفير البنية المطارية اللازمة لرفع تحدي تنظيم كأس العالم 2030، وهو ما يبدو أن الحكومة تراهن عليه من خلال الدفع بالمدير الجديد عادل الفقير على رأس المكتب الوطني للمطارات.