يوم 27 يونيو 2023، صعد وزير الفلاحة إلى منصة البرلمان ليخبر نواب الأمة بالحرف بأن "العرض المرتقب للأضاحي يبلغ 7.8 مليون رأس من القطيع". وبعد مرور عام كامل، عاد نفس الوزير إلى قبة نفس البرلمان أول أمس الثلاثاء 4 يونيو 2024 ليعيد نفس الأرقام ونفس المعطيات التي سبق أن أعلن عنها السنة الماضية مؤكدا بالحرف أن " أن العرض الوطني المرتقب من الأضاحي يصل خلال هذه السنة (2024) إلى 7,8 مليون رأس، منها 6,8 ملايين رأس من الأغنام ومليون رأس من الماعز". كل هذا ليقنع المغاربة عنوة بأن العرض الوطني من القطيع جد كاف ويغطي بشكل كبير الطلب الذي يقدر بنحو 6 ملايين رأس.
وإذا صدقنا ما قاله السيد وزير الفلاحة، فإن القطيع الوطني المخصص لعيد الأضحى كان 7.8 مليون رأس سنة 2023، ذبح منه المغاربة 6 ملايين رأس في عيد الأضحى الماضي، وتكاثر في ظرف عام من الجفاف والقحط، ليعود بالضبط إلى نفس الرقم الذي كان عليه (بالفاصلة) دون أن ينقص منه خروف واحد؟ !!
وتثير هذه الأرقام التي يكررها الوزير الوصي على قطاع الفلاحة كل عام، ويرددها في مجلس الحكومة وأمام نواب الأمة وأمام وسائل الإعلام، الكثير من علامات الاستفهام التي تبعث على الارتياب في مصداقيتها. فإذا كان القطيع الموجه لذبيحة العيد هذا العام يصل إلى 7.8 مليون رأس مقابل طلب لا يتعدى 5.6 مليون رأس، فذلك يعني أن الفائض يبلغ 2.2 مليون رأس، ومادام الوضع مريحا إلى هذا الحد، فما الذي جعل الحكومة تلجأ، للعام الثاني على التوالي، إلى الاستعانة بالاستيراد من الأسواق الخارجية؟ وأي منطق اقتصادي هذا الذي اعتمدت عليه الحكومة لفتح السوق الوطني على مصراعيه أمام الموردين لجلب الخرفان من إسبانيا و رومانيا مقابل دعم بـ 500 درهم عن كل رأس، وإعفاء تام من الرسوم الجمركية (2%) ومن الضريبة على القيمة المضافة (20%)؟ وتزداد هذه الأسئلة إلحاحا إذا علمنا أن عدد الأغنام الأجنبية التي تعول عليها الحكومة لـ «تعزيز» السوق الوطني، لن يتعدى في أحسن التوقعات 500 ألف رأس، أي أقل من عشر الفائض الذي أعلنت عنه رسميا والمقدر بمليونين و200 ألف رأس من الماشية ضمنها مليون و200 ألف رأس كفائض من الأغنام؟
غير أن كل هذه «الأرقام المنفوخة» التي أعلن عنها الوزير الصديقي يكذبها يوميا السوق الوطني للأضاحي، وتنفجر مثل فقاعات الصابون أمام الغلاء الفاحش الذي يكتوي به المواطنون عند دخول "الرحبة"، حيث لم يظهر لكل هذه التدابير الحكومية، التي ستكلف ملايير الدراهم من أموال دافعي الضرائب، أي أثر على أسعار البيع النهائي للخرفان، وتفيد آخر المعطيات التي حصلنا عليها أمس من مهنيي القطاع ومن مستوردي اللحوم الحمراء، أن هناك خصاصا في المعروض من الأغنام بالعديد من الأسواق، وأن الخروف المستورد مفقود في العديد من المدن، حيث ارتفعت وتيرة إقبال الأسر على شراء الأضاحي وسط انتقادات متواصلة للغلاء وارتفاع الأسعار التي لم تفلح حتى الآن الإجراءات الحكومية المعلنة في التخفيف من حدتها.
وعلى بعد يومين من عيد الأضحى، زادت وتيرة إقبال الأسر على أسواق المواشي، وسط سخط عارم وتذمر كبير من ارتفاع ثمن الأغنام بما يوشك أن يفسد على المغاربة فرحة العيد هذا العام.، فثمن الأضحية هذا العام زاد بأكثر من 40 في المائة مقارنة مع العام الماضي، وهو ما جعل ثمن الخروف المتوسط الحجم من وزن 50 كيلوغراما يفوق 4200 درهما عوض أقل من 2800 درهم المسجلة خلال المواسم الأخيرة.
وتطرح الأسعار الملتهبة التي عمت مختلف أسواق المملكة، عدة تساؤلات حول جدوى الإجراءات الحكومية المرتجلة (رفع رسوم الاستيراد، دعم المستوردين ب 500 درهم عن كل رأس..) حيث لم يظهر أثر هذا الدعم حتى الآن على الأسعار النهائية التي تلهب جيوب المواطنين.
وإذا كان جزء من الزيادة التي تشهدها أسعار الأضاحي هذا العام يجد تفسيره في ارتفاع كلفة الأعلاف وتضرر القطيع الوطني الذي تناقصت أعداده، فإن الجزء الأكبر من هذا الغلاء الفاحش يرجع من جهة إلى الخصاص الفظيع المسجل في السوق و إلى كثرة المضاربة وظاهرة الشناقة التي عجزت الحكومة عن التصدي لها، وهو ما يجعل الخروف الواحد يباع مرتين وثلاث مرات قبل أن يصل إلى المستهلك النهائي.