أريري: جزيرة سانتياغو.. ذاكرة العبودية يفضحها أشهر قماش في العالم

أريري: جزيرة سانتياغو.. ذاكرة العبودية يفضحها أشهر قماش في العالم الزميل عبد الرحيم أريري ببلدة Cidade Velha بجزيرة سانتياغو
رغم أن مساحة هذه الساحة المركزية ببلدة Cidade Velha، لا تتجاوز 300 متر مربع، إلا أنها تبقى الساحة الأكثر ثقلا من حيث الرمزية التاريخية بجزيرة "سانتياغو" كبرى جزر الرأس الأخضر Cap-vert، بالنظر لكونها التي ترمز للماضي الكولونيالي البرتغالي الذي طال بهذه الدولة الإفريقية من 1460 إلى 1975. 
 
لكن الشحنة الأكثر ثقلا لهذه الساحة( تبعد عن العاصمة Praia بحوالي 20 كيلومتر)، ترتبط بالفترة الممتدة من 1462 إلى 1836، أي من تاريخ استغلال البرتغال للأفارقة وبيعهم كعبيد إلى تاريخ إلغاء هذا التجارة (وهو مايمثل ثلاثة قرون و74 سنة من خطف الأفارقة من جذورهم وبيعهم). إذ وسط هذه الساحة نصب البرتغاليون عمودا (Piloris)، كانوا يعلقون فيه العبيد المتمردين الرافضين لركوب السفن المتجهة إلى ضيعات البرازيل وإلى باقي دول أمريكا، وكانوا يجلدونهم ويتركونهم معلقين أمام أنظار زملائهم لأيام، وأحيانا حتى الموت، ليكونوا عبرة لكل من تجرأ ورفض الانصياع للسلطة الاستعمارية.
 
رمزية هذه الساحة ترتبط أيضا بكونها تقود مباشرة إلى أول زقاق بالرأس الأخضر، إنها زنقة"بانانا" Rua Da Banana، التي تعد من بين أقدم أزقة المدن في العالم.
 
رغم أن عمر زقاق Banana يصل إل 562 سنة، فما زال الزقاق محافظا على طبيعته الأصلية، بحيث رغم تآكل بعض جنباته أو انهيارها بفعل الزمن، إلا أن عمليات الترميم أعادت للزقاق شكله الأول، مما دفع اليونيسكو عام 2009، إلى تصنيف بلدة  Cidade Velha وزنقة Banana كثراث للإنسانية. 
 
الزنقة تربط بين كنيسة Nossa Senhero والحي البرتغالي القديم، وتضم منازل مبنية على الطراز العتيق من الحجر البركاني "البازالت" وسقف من سعف النخيل، وهي المنازل التي مازالت مأهولة من طرف أسر محلية، التي حولت بعض غرفها إلى مآوي تكتريها للسياح الذين يرغبون في أن يسافروا في الزمن، أي إلى القرون: 15 و16 و17، وهو ما يساعد الأسر على تأمين مدخول مالي  لتدبر شؤونهم، خاصة وأن أغلب هاته الأسر تشتغل في إعداد مشروب كحولي محلي رخيص ، يسمى  ponche de coco، ينتج بشكل تقليدي داخل هذه المنازل من طرف النسوة، وتتم نعبئته في زجاجات وبيعها للمحلات التجارية.
 
مشروب Poncho de Coco يعد من الكحول القوية المستخلصة من حليب "الكوكو"، ويخلط مع شراب آخر مركز مستخلص من قصب السكر. وتتراوح درجة تركز الكحول في هذا المشروب بين 40 و 45%. ويكثر الإقبال عليه من طرف الأسر بالرأس الأخضر في أعياد المسيح ورأس السنة وفي المناسبات الدينية.
 
وأنا أغادر بلدة Cidade Velha، حرصت على اقتناء قطعة قماش ذات دلالة رمزية قوية في جزر الرأس الأخضر، ألا وهو قماش من نوع Pana di Terra.
 
هذا القماش كان ينسجه العبيد بالرأس الأخضر ويقايضونه مع التجار البرتغاليين وباقي الأوربيين للحصول على بضع حاجيات دنيا. ورغم ردم العبودية، وزوال الاستعمار، ظل هذا القماش رمزا للهوية الوطنية بالرأس الأخضر يرتديه الرجال والنساء. فالرجال يستعملونه كفولار حول العنق أو لتزيين قمصانهم وقبعاتهم، فيما النساء يضعنه حول خصرهن أو كغطاء للرأس. 
 
ولما زار بابا الفاتيكان دولة الرأس الأخضر عام 1990، قدم له الرئيس هذا القماش كهدية، مما أعطى لهذا القماش شهرة عبر العالم، وهي الشهرة التي تكرست بفضل المغنية الذائعة الصيت عالميا "سيزاريا إيفورا" Cesaria Evora ( توفيت عام 2011)، التي كانت في معظم سهراتها تلتحف بقطعة قماش Pano di Terra، كإشهار لهويتها الإفريقية واعتزازها بالانتماء إلى جزر الرأس الأخضر.
 
ملحوظة:
الصورة 1: مرتديا قماش العبودية أمام المسلخ الذي كان يعذب فيه الأفارقة. 
الصورة2: في قلب أقدم زنقة (بانانا).
الصورة 3: داخل منزل أسرة محلية حيث أمسك زجاجة الكحولPoncho de Coco، المحلي الصنع .
الصورة الرابعة: مع المرأة المسنة (عن يساري) التي استضافتني بمنزلها في بلدة Cidade Velha بزنقة "بنانا".