"فقهاء الظلام" والحرب الكلامية على مهرجان موازين

"فقهاء الظلام" والحرب الكلامية على مهرجان موازين في كل سنة يشحذ الأصوليون سكاكينهم وسيوفهم لطعن حق المغاربة في الترفبه
منذ دورته الأولى، كلما أقيم مهرجان "موازين" للموسيقي، يتجدد الجدل الحامي الذي يطلقه فقهاء الظلام هنا وهناك، وبدعم شديد من "البعوض" الإلكتروني، دعما لأجندة "الخونجة" التي ابتلي بها المشهد العام المغربي، منذ بزوغ "الشمس السوداء" للتيار البنكيراني المنغلق على أهوائه السياسية.
 
فها هو البعوض الإخواني يشمر كعادته على أكتافه، ليطلق على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة لمقاطعة مهرجان "موازين" وشيطنة القائمين عليه و"صهينتهم" وإخراجهم من "أمة الإسلام" وتأليب الرأي عليهم، بدعوى أن المهرجان يلهف ميزانية ضخمة تؤول كلها إلى  جيوب الفنانين المشاركين، بينما يتعرض سكان غزة إلى إبادة جماعية على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي. ولم ينسوا أن يذكروا بزلزال الحوز، وارتفاع الأسعار، وأن الأولوية ينبغي أن تعطى لمعالجة الأزمة الاجتماعية الخانقة، وتحسين مستوى التعليم، وإصلاح قطاع الصحة، بدل إنفاق الملايين على مزامير الشيطان. 
 
لقد نسي هؤلاء الظلاميون، ومن يدور في فلكهم من هواة "إعلان الويل والثبور" و"رفع العقيرة بعظائم الأمور" أن المغاربة لا ينتظرون من يقدم إليهم الدروس، وأن المغاربة مدركون لواقعهم دائما، وكانوا دائما يحافظون على دينهم، ويناضلون من المهود إلى اللحود من أجل مساندة أشقائهم الفلسطينيين، ولا يحتاجون إلى بيارق الإخوان وأعلامهم من التأكيد على التزامهم بالقضية الفلسطينية.
 
المغاربة يعرفون واقعهم جيدا، وليسوا في حاجة لتوجيهٍ من تجار الدين الذين خبروهم وعرفوا على نحو مباشر بأن سلوكاتهم خارج ما ينادون به.
 
 إنهم يعرفون أن الموسيقى جزء لا يتجزأ من وجدانهم، ويعرفون أن الثقافة شيء مركزي في بناء هذا الوجدان، ويعرفون أن وجودهم لا يتوقف على الخبز أو الغاز أو البنزين أو الدرهم فقط، كما يعرفون أن السياسة تبنى بالطرق السلمية والمؤسستية، وليس برمي الحجارة وشحذ السكاكين بحرصٍ شديد على عدم الانكشاف. كل الدول التي تحترم نفسها، إذ تعمل من أجل استقرارها وأمنها وسيادتها، تصون جانبها الثقافي وتطوره، بل تستعمله درعا لضمان استمرارها. كل الدول التي تحترم نفسها لها مهرجانات عديدة، في جميع المجالات الثقافية والرياضية والفنية، ولا أحد يأتي ليحاول إبطالها ورجم القائمين عليها وتقديمهم كأنهم فاسدون ومختلسون ومترامون على المال العام؛ لا أحد يدعو إلى الاكتفاء بارتداء السواد، وتوسيع المدامع، والإفراج عن النواح، من أجل تقديم الدليل على التضامن مع ضحايا غزة أو رفح؛ لا أحد يدعو إلى إلغاء الحياة لدعم القتلى !
 
هل إلغاء جميع الحفلات الموسيقية وحجب الثقافة أو الاهتمام بها هو الحل؟ هل إعلان الحداد هو الجواب النهائي على الأزمة؟ هل رجم الموسيقيين والفنانين والمبدعين هو السلاح الذي سيمكن البلاد والعباد من القفز على الأزمة الاجتماعية؟

إن مهرجان موازين، ومثله المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، ومثله مهرجان كناوة بالصويرة، ومثله مهرجان الموسيقى الروحية بفاس. إلخ، يمثل قيمة مضافة للثقافة المغربية، وصيغة من صيغ تسويق صورة المغرب، وإثبات انتمائه إلى التنافسية السياحية والثقافية والفنية على المستوى الدولي.
 
مهرجان موازين ليس ترفا، وليس قفزا على يقع من مجازر في فلسطين، ولا حجبا لحقيقة أن المغرب يعاني من مجموعة من المشاكل، على مستوى سياساته العمومية، بل هو أساسا انتماء إلى العصر الراهن، واندماجا في الضرورة الثقافية التي لا يجادل أحد في أهميتها الكبيرة.
 
لقد أخطأ فقهاء الظلام، رغم اشتداد زبيط الخفافيش ورعاتهم وحماتهم وحراسهم، لأن "موازين" صورة مبهجة للثقافة المغربية، ولاختيارات الدولة التي تطمح إلى أن تنافس على استقطاب مشاهير الفن والموسيقى والإتيان بهم إلى منصات الرباط وسلا بين 21 و29 يونيو 2024.  لا تراهن الدول على الانغلاق، أو على الحجب والتخريق، أو على "السماع والمديح"، من أجل إثبات الوجود.. فاتركوا الدولة تقوم بعملها بسلام، ولكم أن تذهبوا بتنظيماتكم الحزبية والدعوية، وأموالكم في قطر ولبنان وإيران، لتحاربوا إسرائيل بسلاح لا تملكونه، وبقنابل لغوية لا تسمن ولا تغني من جوع !