يفكّك سعيد العنزي تاشفين، وهو باحث في سوسيولوجيا الهوية وناشط حقوقي، ما يتعرض له مهرجان "موازين" من هجومات لاذعة من قبل إسلاميين كل عام، على الرغم من دوره في تحقيق الإشعاع الثقافي والفني داخل البلاد وخارجها".
ويبرز السّوسيولوجي العنزي، في حوار مع "أنفاس بريس"، "تمظهرات ذلك المجتمعية في ردود الأفعال السّلبية، في وقت تحتفي فيه دول وأمم بعشرات المهرجانات، فلا يمكن عزل الجهة الرافضة للمهرجان عن خلفيات إيديولوجية توظف كلّ شيء بتقدم نفسها حارسا مباشرا للقيم".
وفي ما يلي نصّ الحوار:
- في كل عام يتعرض مهرجان موازين لهجوم لاذع من قبل إسلاميين. ما قراءتكم لذلك؟
- مبدئيا، أود أن أؤكد أن الثّقافي والفنّي يلعبان دورا كبيرا في خلق الإشعاع الإيجابي لصالح الدول، ولذلك يندرج المغرب بدوره في دينامية فنية عبر المهرجانات الفنية بهدف إشعاع مناسب لحجم الدولة المغربية الصاعدة. وعليه لا يمكن النّظر إلى الفن من زاوية البذخ المعرفي أو الترف المرتبط بـ "هدر المال العام"، كما يذهب خصوم موازين.لذلك، لا يمكن التماهي مع صياح بعض الجهات الرافضة لهذا المهرجان من وجهة نظر "الحرام" الذي يمتح من رؤية نكوصية لحق الشعب في الفرح والسعادة. لكن في ذات الوقت المفروض أن نتساءل من وجهة نظر نقدية سليمة عن تلك المنح المالية السمينة لبعض الفنانين الوافدين من الشرق والغرب على مقربة من هذا الفنان المغربي الذي يعيش ظروفا مزرية. فهل يحظى الفنانون المغاربة بالاحتضان نفسه في مهرجانات العرب وأوروبا وأمريكا كما نفعل نحن معهم؟ هذا في نظري هو مورد النّزاع بعيدا عن شعبوية الطرح الارتكاسي المعادي للفن.
هناك من يعتبر أن تلك الهجمات العدائية ضد مهرجان موازين موجهة ضد شخص أو أشخاص في حد ذاتهم. لماذا وكيف؟
-لا يمكن قبول استثمار مهرجان موازين من لدن جهات ذات طموح شعبوي قصد ممارسة حرب تكسير العظام مع شخصيات مغربية نافذة بهدف الإساءة. وعليه، لا يجوز أخلاقيا وفكريا سحب المصداقية على الجهة المنظّمة للمهرجان تحت دواعي النظرة الاستعدائية للفن. كما لا يمكن عزل الجهة الرافضة للمهرجان عن خلفيات إيديولوجية توظف كلّ شيء بتقدم نفسها حارسا مباشرا للقيم. معناه أن المساس بشخصيات مغربية سامية تحديداً عبر الحروب على موازين يعتبر حربا ملطخة بالكثير من الانتقام بمنأى عن النقد الفني لظاهرة فنية تسترعي المساءلة من وجهة نظر فنية فقط، بعيدا عن شعبوية الفهم وارتكاسية الموقف.
مقابل ذلك، في كل دول العالم تقام عشرات المهرجانات من أجل الفرح ولا يحدث مثل الذي يحدث لمهرجان موازين الذي أنشأ من أجل ذلك. ما تعليقكم؟
-بخصوص سؤالكم الثالث أعتبر أن الفن لا يقل أهمية عن الاقتصاد والسّياسة في مسارات الشعوب الحضارية، ذلك أنه يلعب دورا دقيقا في بناء مجتمع راق ومتحضر بكثير من ملكة الذوق الرفيع لصالح المدنية المفعمة بالإيجابية. فالعالم برمته يعرف تظاهرات فنية كبرى، وهو ما يحققه المغرب كذلك في انخراطه في دينامية مهمة من المهرجانات الفنية ذات الصيت العالمي .
وبناء عليه، لا غرو أن الدعوة إلى رفض المهرجان بشكل شعبوي يظل انحرافا مكشوفا وبأهداف غير نبيلة، وفي ذات الآن مفروض وضع فقرات هذا المهرجان محطّ نقد فني رصين على مستويات المنح المقدمة للمشاركين وطبيعة الفنانين المدعوين، وأساسا من حيث ماهية المنتوج الذي يقدم للمغاربة. فالفنّ ضروري مثل الثقافة، لكن بعيدا عن البذخ المبالغ فيه بما يرسم صورة غير صادقة على وضعية صناعة الفن والسينما والثقافة في المغرب، أي بما يحتاج إلى الانتصار حقيقة للفنان المغربي من أجل طفرة فنية ملائمة لحجم المغرب الحضاري.