إن الدور المنوط بالمنتخب الجماعي في إطار تدبير الشأن العام الترابي، هو ذلك المحرك الرئيسي والعمود الفقري للتنمية الترابية ، وضمن هذا التصور لا يمكن لهذه النخبة ان تنجح في أداء مهامها ووظائفها و أدوارها الا اذا كانت نخبة مثقفة، مبدعة ، ونزيهة.
وتجعل من المصلحة العامة أولوية قبل المصلحة الشخصية. بمعنى ان النخبة لا تكتسب قيمتها الا بخدمة الدولة والمواطنين، والعمل على تحقيق الأهداف التي سطرتها في برامجها الانتخابية ، وتلتزم بما نادت به من شعارات مع ضرورة تطبيقها على أرض الواقع .
غير أن القيام بذلك يتطلب من المنتخب الجماعي التوفر على مؤهلات وإمكانيات تساعده على ضمان تسريع عملية التنمية، تحقيقا للمر دودية المطلوبة والفعالية ، إلا أن ذلك يصطدم بواقع ضعف المستوى المعرفي و الثقافي للمنتخب الجماعي ، مما يشكل عقبة امام تسيير هذه المجالس وذلك على الرغم من الإصلاحات التي أتى بها القانون رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الهادف إلى تحسين وضعية المنتخب والرفع من مردود يته ، إلا أن دوره لا زال محدودا نتيجة إلغاء شرط التوفر على مستوى دارسي معين لترشح لرئاسة المجلس .فإذا كان تدني المستوى الثقافي والمعرفي هي السمة الغالبة لبعض المستشارين الجماعيين ، فان لذلك انعكاسا سلبيا على مكانتهم ودورهم داخل الجماعة ، هذه الوضعية تجعلهم في تبعية مفرطة لرجل السلطة بصفة عامة ، والمصالح التقنية بصفة خاصة ، بما أن تدخلهم يصبح ضرورة ملحة .
فالضعف الكيفي للمنتخبين ينعكس سلبا على اللامركزية ، إذ كيف يمكن لمستشارين جماعيين ، ورؤساء مجالس بمستوى دراسي ضعيف ، أن يديروا شؤون ناخبيهم ، والقيام بمشاريع تجهيزية واستثمارية ، مع ما يتطلبه ذلك من دراية في التدبير و التسيير في ظل تعقيدات الشأن العام الترابي.وفي هذا الصدد ، فان جميع المناظرات الوطنية التي تنظم لفائدة المنتخبين أوصت بضرورة اشتراط مستوى ثقافي معين، مع ضرورة التكوين المستمر للمستشارين.
هذا من جهة، و من جهة أخرى فان النجاح في تدبير الشأن العام المحلي يستدعي وجود نخب وصلت الى التدبير بفضل كفاءتها و نزاهتها ، نخب متفوقة و كفأة و متميزة . و لا بد من انتقائها على ضوء معايير محددة بدقة ،مثل العلم، الشهادة، الكفاءة، القدرات الذاتية ،و النجاح في العمل، و النزاهة. مع ابعاد معايير أخرى لا علاقة لها بالحكامة الجيدة، مثل الحسب، و النسب، والمال و الولاء ....فهذه معايير في الحقيقة لا تقدم انا نخبا ناجحة، بل تقدم لنا نخبا تقليدية، تحول دون تقدم الدولة و تطورها و تنميتها . وهنا يتحدد دور الأحزاب السياسية من خلال مسؤوليها وتدخلها بكل موضوعية وشفافية عند إسناد المهام واختيار ممثليها ، من خلال اعتماد معايير تجمع بين الوفاء للالتزامات الحزبية من جهة، ومن جهة أخرى بين الكفاءة الوظيفية و الأخلاقية لمرشحيها. فإحدى الملاحظات الأساسية التي يمكن تقديمها هنا، وهي ان المسؤوليات غالبا ما يتم الحسم فيها انطلاقا من هاجس التراضي ، أو تحت ثقل اعتبارات تنظيمية ظرفية.
كما ان الأحزاب السياسية يجب عليها العمل على تأطير منتخبيها باستمرار ليكونوا في مستوى المسؤوليات المنوطة بهم .لان التكوين التقني الصرف للمنتخب لا يعطي نتائج حسنة ما لم يرافقه تكوين موازي يهم الجانب السياسي. فالمنتخب هو قبل كل شيء فاعل سياسي قبل أن يكون رجلا تقنيا، وهذه الصفة لا يتعلمها الفرد بقدر ما يكتسبها بشكل تلقائي من خلال انخراطه و تدرجه داخل الحزب المنتمي اليه . فتدبير المنتخب الجماعي ، ما هو في الواقع إلا انعكاسا لصورة الحزب الذي يمثله ، وهو ما يدعو الأحزاب السياسية إلى ضرورة تنظيم دورات تكوينية لفائدة المنتخبين من اجل تحسيسهم بجسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم ، والتي ينبغي الالتزام بها بما يخدم الصالح العام ، وبما يعطي صورة حسنة ومصداقية اكبر للأحزاب السياسية .