بدون مبالغة هي التهمة المسجلة تحت رقم 32 ضمن سلسلة اتهامات رسمية جزائرية ضد بلدنا منذ بداية عهدة مايسمّى ( تبّون - شنقريحة) والظريف في هذه السلسلة التبّونيّة أن جميع حلقاتها الكوميديّة شملت مختلف مناحي الحياة العامّة في هذه الجزائر الجديدة من السياسة إلى الثقافة والفنون، ومن الرياضة إلى حرق الغابات لتصل إلى تدمير التوازن البيئي وتجفيف السدود، كما جاءت على لسان وزير الرّي الجزائري على هامش مشاركته في المنتدى الدولي بالماء بإندونيسيا خلال نهاية هذا الاسبوع..
والغريب هو حمولة تلك العناوين الكبرى والمثيرة التي زيّنت الصفحات الأولى لجرائد النظام العسكر حيث جاء في أوّل أمس منها على سبيل المثال (الجزائر تفضح المخزن أمام العالم) أو (المغرب المخزني يخترق القوانين الدولية).
مستوحاة طبعاً من الخطبة العصماء للسيد وزير الرّي الجزائري.. هناك جعلت الوفود المشاركة في هذا المنتدى تنظر باستغراب كبير لهذه المرافعة الشبيهة بذاك اللّص المعروف حين يتحدّث عن الأمانة..
"الجزائر ترافع من أجل تحصين الشرعية الدولية واحترام الاتفاقيات والتعاقدات بين الدّول”..حتّى الشيطان نفسه لا يملك جرأة هذا النظام العسكري الهجين.. ولن يصل أبداً إلى وقاحة هذا الوزير كما جاء في هذه الفقرة :
"نحن ندين ما يحدث علي حدودنا الغربية؛ وسنلفت انتباه كل الفاعلين الدوليين لهذه المادة الحيوية لوضع خطة صارمة للحد من الممارسات العدوانية الممنهجة لهذا الجار الغربي...فالتعاون في مجال المياه العابرة للحدود لا يكون إلا باحترام السيادة الوطنية".
قبل التفاصيل أرغب في تقاسم هذا المعطى ذي الصلة بتدبير هذه المياه المشتركة مع هذا الجار، بحيث أنّ أول سدّ بني بالمنطقة هو سد جرف التربة بالجزائر ، سنة 1969، من أجل سقي سهل العبادلة، وكان يصل تحصيله إلى ربع مليون متر مكعب، وكان الوادي يفيض مرتين في العام..
وحين فكر المغرب في إطار هذه النهضة التنموية المصالحة مع مجاله الجغرافي الشرقي من خلال بناء ثلاثة سدود وخاصة سد قدوس العملاق جعل المنطقة تعرف استثمارات جد هامة في مجال زراعة النخيل وغيرها، انعكس بشكل واضح على الجهة الأخرى حدّ أن المسؤول الجزائري يعتبر أول وزير في هذا النظام يتحدث عن التعاون في تدبير المياه العابرة للحدود..
واستغرب كيف يكون التعاون مع نظام أطلق رصاصه وببرودة دم على مصطافين عبروا حدوده خطأ؟.. وكيف غاب هذا التعاون لحظة طرد فلاحين أبرياء في أرض العرجة واقلعتم النخيل وتمويت الأرض بعد إحيائها؟..
وكيف غاب عن هذا الوزير الذي يرافع اليوم من أجل احترام الاتفاقيات الموقعة بين الدول ورئيس دولته من أكبر الخائنين للاتفاقية المؤطرة لمنجم غار جبيلات؟..
هو نفسه لم يستحضر مسألة التعاون والتآزر والتضامن الجواري والتاريخي لحظة توقيع ايقاف العمل بأنبوب الغاز المغاربي الذي هو أيضا عابر للحدود؟.. بل استحضر لحظتها سوء نيّة ماكرة خبيثة بحيث ان القرار اتخذ في الدقيقة صفر من نهاية عقدة الأنبوب دون أدنى احترام لبنوذ الاتفاقية التي تشير إلى إخبار الأطراف بالقرار سنة قبل ذلك..!؟ بصريح العبارة بند 23 :
( تبدأ مشاورات التجديد من عدمه على الأقل سنة قبل نهاية العقد).
وكم تنمّرتم علينا بالعودة إلى العصر الحجري.. وعصر الشمعة والظلمات؟.. وكم كنتم تنتظرون أن نقف على أعتاب قصر المرادية صاغرين متوسلين غازكم؟..
وكم كانت الآية مناسبة لهذا الخبث والمكر ( ( ومكروا مكرا ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون، فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَٰهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ)؟ ..
وانظر كيف يتعرّض أنبوبهم للصدأ ؟ وكيف استمر التدفق العكسي عبر انبوبنا شمالاً في أفق ربطه بحقل تندرارت؟
هو توفيق من الله لعباده الصالحين في الأرض الطّيّبة..
فلتشربوا غازكم اليوم تطفئون به عطش عدائكم وتنمّركم الذي لم يبدأ اليوم حسب ماجاء في ذاكرة ملك للملك الراحل الحسن الثاني محرر الصحراء حين سئل حول مدى إنزعاجه من هذه القدرات النفطية للجزائر
(.. ما يهمّني ليس هو النفط بل سبل استعماله.. وانا أعرف أن بعض العسكريين الجزائريين سيقولون شامتين انظروا إنه يزرع الطّماطم بينما نحن نزرع أنانيب البترول.. لهؤلاء أقول أتمنّى لكم حظّاً سعيداً في اليوم الذي سيكون فيه عليكم أكل شطائر لحم مصنوعة من البترول) ..
هاهي النتائج الآن من بلد المليون شهيد إلى المليون طابور وانتظار أشجار الحليب تحت إشراف رئيس يضرب بالحجارة.. ففي مثل حالة هذه الجورة قيل:
" اعتنقوا الصّمت أمام الحمقى"
يوسف غريب كاتب /صحافيّ