سأل الفيلسوف الصيني كونفوشيوس أحد مواطنيه يدعى (تزه-كونج) عن واجبات الحكومة إزاء الناس وعن الطريقة المثلى للمحافظة على سلطة الدولة، فأجاب كونفوشيوس بأن ألزم مهام الحكومة تتمثل في ثلاثة أهداف: كفاية من الطعام للناس ليعيشوا ويقدروا على أداء أعمالهم. وكفاية من الأسلحة ليدافعوا عن بلادهم ضد الأخطار الخارجية. والثقة لدى الناس بحكامهم. وسأل مرة ثانية (تزه-كونج) كونفوشيوس عن الأمر الذي يمكن التخلي عنه أولاً فيما إذا كان لابد من الاستغناء عن أحد الأمور التي على كل حكومة تحقيقها؟ ويجيب كونفوشيوس أن الأمر الأول الذي يمكن التخلي عنه هو العتاد الحربي. ثم يسأل مرة ثالثة (تزه-كونج) عن أي من الأمرين الباقيين يمكن التخلي عنه أولاً؟ فيجيب كونفوشيوس قائلا: فلنتخل عن الطعام، ذلك أن الموت منذ الأزل قضاء محتوما على البشر. أما إذا لم يكن للناس من ثقة بحكامهم فلا بقاء للدولة.
وإذا ما نظرنا إلى الوضع السائد في المغرب، خاصة في السنوات الأخيرة، يلاحظ أن هناك مشكلة الثقة بين المغاربة والحكومات المتعاقبة وأن هذه المشكلة ليست وليدة اللحظة، وإنما جاءت نتيجة تراكمات متشعبة ومتعددة تتحمل مسؤوليتها الحكومات والشعب في آن واحد. وبالتأكيد سيتساءل الكثير لماذا وصلنا إلى هذا الوضع السيئ؟ وما السبيل للخروج منه؟
ببساطة أن السبب الحقيقي هو عدم وفاء الحكومات المتعاقبة بالعهود التي قطعتها على نفسها بتحسين حياة الناس وأوضاعهم، بل وقع تراجع، لاسيما منذ سنة 2011، حيث أصبح المغربي يسمع شيء ويرى شيئا آخر على أرض الواقع. وبعبارة أخرى الحكومة التي تكلفت بتدبير أمور البلاد لولايتين متتاليتين منذ دستور2011 في سياق ما عرف بـ"الربيع العربي"، هي المسؤولة عما آلت إليه الأمور فهي ليس فقط لم تحقق أهدافها المعلنة بخصوص الإصلاح ومعالجة الملفات التي تؤرق المغاربة، كالتعليم والصحة، بل أساءت للمغاربة من خلال رفع الدعم عن المحروقات، وفرض نظام التعاقد ... إلخ.
وعليه فحالة فقدان الثقة اليوم لم تأت عبثا أو اعتباطا إنما انعكاس للوقائع على الأرض. والسبب الرئيسي هو عدم ترجمة الوعود التي قطعتها حكومة 10 سنوات السابقة، ومرافقها من تراكم الخيبات إلى اليوم.
ومن المعلوم أن الثقة تبنى من خلال الأفعال لا الأقوال، كما أنه ليس سهلا استعادة الثقة في الحكومة وأحزابها بين عشية وضحاها، فما حدث خلال السنوات الماضية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كان كفيلا بهدم الجدار.
وعموما يمكن تقليص فجوة الثقة وإعادة بنائها انطلاقا مما يلي:
- استكمال الاصلاحات السياسية وتطوير الحياة الحزبية للوصول الى حكومات ذات صلاحيات واسعة تحظى بثقة المواطنين ،وذات برامج عملية تعكس تطلعات وطموحات المغاربة.
- الفصل والتوازن بين السلطات الثلاث وتفعيل دور مجلس النواب وعدم هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، وهذا يتطلب ممارسة مجلس النواب حقه الدستوري، في الرقابة والتشريع.
- إرادة سياسية وإجراءات جدية في مكافحة الفساد المالي الكبير وتقوية دور الأجهزة الرقابية.
- تعزيز استقلال القضاء وتطبيق القانون على الجميع مهما كان وزن المسؤول والمواطن، وتعزيز الشفافية والمسؤولية والنزاهة في البرامج الإصلاحية قبل النظر إلى سلوك المواطن ومدى قناعاته بها أم لا.
- تحقيق الأمن الإجتماعي من خلال تجسيد العدالة الإجتماعية وحماية الأسر الفقيرة ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة .
- تقديم الخدمات العامة الجيدة وصيانة البنيات التحتية.
- إصلاح إداري حقيقي في خدمة المواطن المغربي لا العكس.