في الواقع، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في جارتنا الشرقية، صار من الصعب على المواطن المغربي أن يتصور أيامه بلا أيِّ تصبيحة طريفة تحمل آخر تقليعات السي عبد المجيد تبون، بما تحمله معها كل يوم من المواقف الساخرة، ليس لأن الرجل يتمتع بدم خفيف يجعله ينشر الفكاهة من حوله، وإنما لأنه "عسري" بكل دلالات الكلمة، بحيث لا يتحرك أو يتململ يميناً أو يساراً إلا وقد أحدث حوله ضوضاء من جراء ما يقع كسره وهدمه وتطويحه... تماما كما يفعل أيُّ فيل غاضب أو مُعَربد عندما يجد نفسه في متجر تزدحم فيه الأواني الخزفية والزجاجية!!!
مناسبة البوح بهذا الكلام الساخر أنّ السي عبد المجيد خرج علينا في آخر كلمة له، ألقاها في مقر وزارة الدفاع هناك، بتصريحات راقصة كعادته، أثبت فيها، بما لا يدع ادنى مجال للشك، بأنه لا يملك زمام نفسه، ولا زمام لسانه، فبالأحرى أن يمسك بأزمة الحكم في جمهوريته العسكرية، وأثبت بأنه بالكاد يعي بعض ما يصدر عنه من الكلام و"غيره"!!!
جاء هذا بعد سويعات فقط من قولته التي صارت أشهر من نارٍ على علَم، بأنه يمسك بحجر في يده، وبأنه "مستعد لأن يصعق به كل من يخرج عن الصف"... تصوروا معي رئيس دولة "كيضرب بالحجر"... والرائع أنه أكّدها بعظمة لسانه!!!
في لقائه الضيق بجنرالات جمهوريته وضباطها الكبار، قال إنه لن يقترض من المؤسسات المالية الدولية والعالمية، لأن الاقتراض شيء مُخْزٍ ومُهين، ولأنه إذا اقترض فلن يستطيع بعد ذلك أن يدافع عن القضية الفلسطينية وعن عصابات البوليساريو، ولا عن القضايا العادلة في العالم!!!
والحال هذا لا يمت بأي صلة للواقع، لأن الواقع يقول إنه لا يدافع عن البوليساريو وإنما يدفع بفلولهم إلى الانتحار في المنطقة العازلة، اما القضية الفلسطسنية فوفده المعتمد لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يصوت لصالح التوصية الأممية التي تقضي بضم دولة فلسطين كعضو كامل العضوية في المنتظم الدولي... فهذه التوصية التي وجهتها الجمعية العامة لمجلس الأمن بأغلبية 143 صوت، لم يكن من بين المصوتين لها صوت الوفد الجزائري، وهذا أفظع تكذيب للادعاءات التبونية بالامتناع عن الاستدانة من أجل الاستمرار في نصرة القضية الفلسطينية... فالرجل يتبجّح من هنا.. ووفده الرسمي في الجمعية العامة يكذبه من هناك... والانكى من كل هذا أن الجزائر مدينة للمؤسسات المالية بأكثر من 109 مليار دولار، وهو ما يزيد عن مقدار المديونية المغربية بنحو عشرة في المائة!!!
بالله عليكم، كيف سنقضي أيامنا بدون السي عبد المجيد، الله يخليه لينا مَبعثَ تَفَكُّهٍ يومي صِرنا مدمنين عليه بكل معنى الكلمة!!!
في تلك الكلمة أيضاً، قال السي عبد المجيد إنه يتعهد بعدم التخلي عن "الشعب الصحراوي"، بينما حقيقة لسان حاله تقول إنه لن يحرم جنرالات نظامه الكسيح من التربّح على حساب مقدرات الشعب الجزائري تحت يافطة الدفاع عن الشعب الصحراوي... فلصوص البوليساريو عند السي عبد المجيد، أهم وأغلى من آلاف الطوابير المنتشرة في كل بقاع الدولة الجارة، فجراً، وضُحىً، وفي عز القيلولة، من أجل الظفر بعلبة حليب مجفف، أو من أجل كيس سميد أو عدس أو فاصوليا... بينما سِقْطُ مَتاع عصابات البوليساريو يُتاجرون في السيارات الفاخرة، ورباعية الدفع، وفي المواد الغذائية ذاتها، والتي تنتظم لأجل الظفر بشيء يسرٍ منها الطوابيرُ سالفةُ الإشارة... وسِقْطُ مَتاعِهم يسكنون أفخم الفنادق في كبريات العواصم العالمية بالبترودولار الجزائري!!!
وفي الكلمة ذاتها مرة أخرى، تعهد السي عبد المجيد بأن يجعل لجزائره الجديدة في غضون السنوات الخمس القادمة أعلى معدل للنمو الاقتصادي في شمال إفريقيا، وفي القارة السمراء بالكامل، بل وفي العالم، أسوة بالصين وروسيا والهند... بينما واقع الحال يقول إن أعلى نسبة تضخم في العالم هي التي تشهدها بالذات، جزائر تبون الجديدة، بدليل السقوط المدوي والقياسي لقيمة الدينار الجزائري، الذي لم يعد يقبل أن يلمسه أحد في كل أسواق العالم، المتقدم منه والثاني والثالث.. وحتى في البلدان الأكثر تخلفا في المعمور!!!
بربكم، بعد كل هذه المَفاخر، كيف سيتسنى لنا أن نعيش في هذا الزمن الرديء والمتقلب والمنذر بكل المخاطر والويلات، لولا هذه القفشات الساخرة، التي يُتحفنا بها السي عبد المجيد... أدام الله إطلالاتِه علينا بين كل يوم وآخر؟!!