وفي مداخلة له، أكد عبد العالي المصباحي، المحامي العام بمحكمة النقض، والباحث في الشأن القانوني تخصص نيابة عامة، أن "الجرائم الإلكترونية، هي ممارسات إلكترونية عمدية ضد فرد أو مجموعة، تهدف إلى التسبب في إلحاق ضرر مادي، أو معنوي بضحاياها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، قال القاضي باركر «هي كل فعل إجرامي متعمد إذا كانت صلته بالمعلوماتية تنشأ عن خسارة تلحق بالمجني عليه أو كسب يحققه الفاعل..".
وفيما أوضح أن المشرع المغربي، لم يعرف الجريمة الإلكترونية بشكل خاص، بل أدمجها في إطار الفصل 111 من القانون الجنائي الذي يعتبر الجريمة هي كل فعل، أو امتناع مخالف للقانون، ومعاقب عليه بمقتضاه، وسمّاها في ظهير11 نوفمبر 2003 المتمم للقانون الجنائي، بجرائم المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات. وحسنا فعل لأن هذه الجريمة هي في تطور دائم، فلا يمكن حصرها في مقتضيات محددة، فيفلت بذلك الجناة من العقاب عن الأفعال غير المجرمة بمقتضى التعريف القانوني المحدّد مسبقا"، ذكر عبد العالي المصباحي أن اتفاقية بودابيست حول الجريمة المعلوماتية، المنعقدة بتاريخ 13 نوفمبر 2001، عرفتها بأن المجال الافتراضي هو مكان للجرائم النوعية والخاصة، بالرغم من أنه كذلك يبقى مجالا شاسعا وصعب التحديد.
وقال في هذا الصدد:"وهذا لأنه بقدر ما نوجه أشغالنا وتصرفاتنا إلى العالم الافتراضي، ليكون الضابط والمنظم لهذه التصرفات والالتزامات اليومية، بقدر ما ننقل معه الجريمة بكل أنواعها إلى هذا المجال الإلكتروني".
وفي حديثه عن المعايير الدولية لحماية الحياة الخاصة، أفاد المتحدث ذاته أن الحق في الحياة الخاصة، حظي بالحماية كباقي الحقوق المنصوص عليها دوليا، حيث نجدها مجسدة ومكرسة، في صلب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، كما أبرز أن الدستور المغربي مصدر أسمى لحماية الأشخاص، مشددا أنه في قراءة للمواد الدستورية، "إذا كان صاحب التدوينة في موقع التواصل الاجتماعي ينشرها في إطار مبدأ الحق في التعبير، فالمتلقي أو القارئ يتوصل بها في إطار مبدأ الحق في المعلومة. لكن القانون لم ينص صراحة على الحق في ولوج الأنترنيت أو مواقع التواصل الاجتماعي، كما لا يمكن اعتبارها مواقع رسمية، للقول بأنها مصدرا من مصادر الحق في المعلومة، فما هي حدود الحق في التعبير والحق في المعلومة، والحق في حماية الحياة الخاصة، وكيف يمكن التفريق بين هذا التماس المتداخل بينهم. وحماية لخصوصيات الأشخاص ذهبت انجلترا إلى إصدار قانون ينص على اعتقال مختلس النظر والمتنصّت، England’s Justices of the Peace Act ".
وعرج عبد العالي المصباحي إلى الحديث عن التكييف القانوني لبعض الصور، وقال في هذا الصدد:"إذا كان المشرع قد حدد الأفعال المجرمة بمقتضى النصوص المنظمة للجريمة الإلكترونية، فقد نجد عددا من الحالات التي سكت عنها، فظلت تتأرجح بين التجريم والإباحة ومنها مثلا: - الصور الملتقطة أثناء إعادة تمثيل الجريمة، فهي تكسب شرعيتها من البحث القضائي، وتستمد تجريمها من المس بالخصوصية- صور متهم ملتقطة بموافقته ولكن أثناء سريان البحث التمهيدي- صور شهود ومبلغين يخضعون للحماية طبقا للقانون- صور منشورة بالدوائر في إطار البحث عن مجرم مفترض- صور الموتى والقتلى وضحايا الكوارث والجرائم- الصور المدلى بها لإثبات جرم أو ادعاء- تداول صور كانت في ملف كوسيلة إثباتـ الصور الملتقطة بكاميرات المراقبة ـ نشر صورة الجاني المدان نهائيا خصوصا إذا تضمن الحكم عقوبة إضافية بنشره على نفقة المحكوم عليه ـ الصور الكاريكاتورية وتجسيد جلسات المحاكمات بالرسم- الصور القديمة ومبدأ الحق في النسيان.
وفي مقاربته لموضوع التبليغ عن الجرائم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكد على أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحوا اليوم ينصبون أنفسهم كدركيّي هذه المواقع، أو قضاة مواقع التواصل الاجتماعية، وذلك بالمطالبة بتجريم فعل معين وإيقاع العقوبة بصاحبه، عن طريق نشر مقطع فيديو يتضمن واقعة معينة، مطالبين من خلاله النشر على أكبر مستوى والتضامن مع الضحية.
واستدرك قائلا:"لا يمكن بحال اعتبار هذه المواقع كأرضية للتبليغ عن الجرائم وذلك بتداول مقاطع فيديو مثلا توثق لجرم معين وإرسالها لمجموعة من الأشخاص كطريقة للتبليغ أو لكشف الجاني، لأن المواد 42 و43 أوجبتا على كل سلطة أو موظف أو شاهد الجرم أن يخبروا وكيل الملك بذلك، والذي أعطاه المشرع وحده في المادة 40 الحق في تلقي المحاضر والشكايات والوشايات والتثبت منها. ولا مجال هنا للقول بالحق في المعلومة، لأن البحث عن الجرائم ومرتكبيها محاط بالسرية، لاقترانه بمبدأ قرينة البراءة، واحتكار الحق في تحريك الدعوى العمومية لبعض الأشخاص أو الجهات دون غيرها، تم التقادم الذي يسقط الحق".