"خذ باليد اليسرى أضعاف ما تمنحه باليد اليمنى"، ذلك شعار الحكومة وهي تعد بالزيادة في الأجور وبالخفض الجزئي من الضريبة على الدخل. والحال أن هذه الزيادة المزعومة لن تعوض المغاربة ولو بنسبة 10% عما فعلته فيهم الزيادات المتوالية في تكاليف المعيشة وأسعار الاستهلاك التي ارتفع معظمها بنسب تتجاوز ال 100% ناهيك عن بعض المواد الأساسية والخدمات التي تراوحت بها الزيادات ما بين 150% إلى 200%.
وحين تلجأ الحكومة مكرهة إلى التضحية ببضعة ملايير من الميزانية العامة، لامتصاص "الغضب الساطع" في الشوارع وفي العديد من القطاعات الحيوية (المغرب يشهد منذ مجيء الحكومة الحالية أكبر موجة إضرابات قطاعية تعرفها البلاد منذ سنوات) ، فهي تعلم جيدا أنها لن تتأخر في استرجاع كلفة هذه الزيادة، من خلال "الاجتهاد" في تضريب الاستهلاك وتضريب العمل بالضغط على أجور الموظفين والأجراء من المنبع عوض تضريب الثروة ومظاهر البذخ والثراء التي ما فتئت توسع الهوة بين أغنياء وفقراء هذا البلد.
للتأكد من هذه الحقيقة بحجة الأرقام، تكفي إطلالة سريعة على آخر حسابات الميزانية العامة: فخلال 4 أشهر فقط من العام الجاري، (إحصائيات أبريل 2024)، جنت الخزينة العامة ما لا يقل عن 105 ملايير درهم من الضرائب والرسوم (زائد 10 %) معظمها جاء من تضريب الاستهلاك (32 مليار درهم من TVA و 10 ملايير درهم من الرسم الداخلي على الاستهلاك TIC ) و من تضريب العمل (21 مليار درهم من الضريبة على الدخل التي يأتي جلها من منبع رواتب الموظفين والمأجورين) . كل هذا طبعا خلال فصل واحد، علما أن الحكومة وضعت خطتها هذا العام لجباية أزيد من 280 مليار درهم من الضرائب والرسوم (ضمنها 95 مليار درهم من ضريبة ال TVA و32 مليار درهم من الرسم الداخلي على الاستهلاك) زيادة على تضريب رواتب الأجراء والموظفين ب 53 مليار درهم في خانة الضريبة على الدخل).
والملاحظ هنا أن الانصاف هو الغائب الأكبر عن هذا التوجه الحكومي، طالما أن السياسة الجبائية، وتدبير الإنفاق وتخصيص الموارد، بما في ذلك الاستثمار، لاتزال وفية للنموذج التنموي السابق، بالرغم من انتاجه للمزيد من الفوارق واللامساواة. حيث ما زال نفس الملزمين، شركات وأفرادا، يؤدون أكبر قدر من الضرائب دون أن تفكر الحكومة في إضافة مقتضيات جديدة تسمح بتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل أصحاب الثروات الكبرى، ولو بتضريب رمزي يتراوح بين 2 و5 في المائة.
وهكذا تبقى الضريبة على الثروة هي المتغيب المبحوث عنه في هذا المشهد الذي يكرر نفسه، حيث تتعمد الحكومة التي تسمي نفسها "اجتماعية" ، رفض تنزيل هذه الضريبة، رغم كل الحوار الوطني الذي دار بشأنها منذ توصيات المناظرة الوطنية للجبايات المنعقدة سنة 2019 بالصخيرات.
كما تصر الحكومة في هذا الشأن على تجاهل توصيات صندوق النقد الدولي الذي سبق أن دعا المغرب بالحرف إلى "ضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين تصاعدية النظام الجبائي، والبحث عن موارد ضريبية جديدة مثل ضريبة الكاربون أو الأشكال الجديدة من ضرائب الثروة".
وإذا كان النظام الجبائي هو الوسيلة المحورية للحد من الفوارق، من حيث كونه يساعد على توزيع الدخل الأولي، كما أنه يمكن من التأثير على مستقبل الأفراد من خلال تحرير الموارد الكافية لتمويل البنى التحتية والخدمات العمومية، لا سيما للأشخاص في المناطق الأكثر هشاشة، (80 ٪ من الفقر يتمركز في الوسط القروي)، فإن الحكومة في سياستها المالية تكرس نفس الصيغ الضريبية الكلاسيكية بدل إعمال مبدأ تصاعدية الضريبة على الشركات والنتيجة أن 82 ٪ من عائدات الضريبة على الشركات تأتي من 2 ٪ فقط من المقاولات، ما يجعل القاعدة الجبائية للضريبة على الشركات منخفضة للغاية، خاصة و أن القطاع غير المهيكل لا يخضع للتضريب . ومن اللوحات السريالية في هذا المشهد أن 150 مقاولة فقط في البلاد برمتها تساهم في الضريبة على الشركات بنسبة 50 في المائة وتبلغ النسبة المئوية مقارنة مع قاعدة المقاولات المصرِحة في المائة 0.06 في المائة. ومن الأرقام الفاضحة في ضريبة الشركات كون 6.12 في المائة من المقاولات المصرِّحة، تساهم ب 95 في المائة من إجمالي الضريبة على الشركات.
وعلى الرغم من كل هذا الحيف الجبائي الصارخ، لا تبالي حكومة أخنوش بالنداءات المتكررة داخليا وخارجيا لجعل الضريبة على القيمة المضافة أداة في مكافحة اللامساواة الطبقية والمبنية على النوع الاجتماعي، وكذا دراسة مدى ملاءمة الإنفاق الضريبي عن طريق تقليص الإعفاءات الضريبية التي لم تنتج الآثار الاقتصادية المنتظرة أو تلك التي تساهم في توسيع الفوارق الاجتماعية.