نظم المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال، يوم السبت 11ماي 2024، ضمن البرنامج الثقافي للمعرض الدولي للنشر والكتاب المقام حاليا بالرباط، لقاء حول كتاب " من التعدد الى التعددية .. محاولات لفهم رهانات السياسة اللغوية في المغرب" للأستاذ الجامعي سعيد بنيس، من تقديم وقراءة الإعلامي والكاتب جمال المحافظ رئيس المركز المغاربي.
في البداية أوضحت الأستاذة الباحثة سعاد البحري التي أدارت اللقاء، أن الهدف منه، المساهمة في دراسة وتحليل رهانات السياسة اللغوية بالمغرب، وذلك عبر الانتقال من التعدد اللغوي كحالة طبيعية عامة ومشتركة بين جميع البلدان، الى حالة التعددية اللغوية كفعل سياسي ومؤسساتي، كما جاء في كتاب الأستاذ بنيس.
ولاحظت - في معرض استعراضها لمضامين الكتاب- أن ذلك هو أشار إليه الكاتب حينما أكد أن ذلك ما يجد مبرره في الفصل الخامس من دستور 2011 الذي يعتبر اللغة الأمازيغية لغة رسمية مؤسساتية إلى جانب اللغة العربية، للإنتقال بذلك من الأحادية اللغوية العربية الى ثنائية لغوية رسمية العربية والأمازيغية، وهو انتقال يصاحبه تموقع المسألة اللغوية بالمغرب ضمن مجموعة من الإشكالات النابعة من التقابل بين: ازدواجية/ ثنائية، ثنائية/ أحادية، لغة واقعية / لغة افتراضية ، لغة رسمية / لغة غير رسمية/ لغةوطنية/لغة أجنبية، الأمن /اللا أمن، الداخل/ الخارج ،...قوى ناعمة/ قوى صلبة... لقد أصبحنا أمام وضع لغوي هجين نجد فيه الدارجة والأمازيغية والعربية والفرنسية و الإنجليزية.
وأضافت الأستاذة البحري " بل العروبية، الجبلية ،البدوية والحسانية .وداخل الأمازيغية نجد تريفيت، تمازيغت وتشلحيت، كما أننا أمام دارجة تكتب بالأحرف اللاتينية وبالعربية وبالأرقام ولغة افتراضية مقابل اللغة الواقعية، وأيضا لغة مدرسة ولغات التدريس؛ مما يفضي إلى التساؤل عن معنى التعدد اللغوي وكيف نميز بينه وبين التعددية.
كما أشارت الى أن صاحب الكتاب يتساءل هل يعكس التعدد اللغوي بالمغرب ثقافة مغربية تؤمن بقيم التعدد والتنوع والاختلاف أم يعكس اختلالات لغوية وانقسامات مجتمعية؟ ألا يشكل التعدد اللغوي مصدر خطر على الهوية الجماعية المغربية؟ كيف نمر من نص الدستور الى التفعيل الكامل لمضامينه فيما يتعلق بالتفعيل الرسمي والمؤسساتي للثنائية اللغوية ؟ وكيف نفهم تمفصلات التنمية الديمقراطية وقيم الانتماء والعيش المشترك في علاقتها بآليات السياسة اللغوية للدولة؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار تفعيل وأجرأة التعددية اللغوية عنصرا من عناصر الحداثة المغربية في صيغتها الترابية؟ وكيف تعالج المنظومة التعليمية والإعلامية ظاهرة التعدد اللغوي؟ وقالت إنها تساؤلات وغيرها يثيرها هذا الكتاب الذي يقع في 224 صفحة من الحجم المتوسط.
وفي تدخله اعتبر جمال المحافظ، في قراءته للكتاب، أن صاحبه، ينطلق من استنتاج رئيسي مفاده، أن السياسة اللغوية التي تعتمد استراتيجية التعددية اللغوية، تشكل أهم ضامن للهوية الثقافية والاجتماعية والحجر الأساس الذي يقوم عليه الرأسمال الاجتماعي المشترك، بعيدا عن كل أشكال الإقصاء والتهميش، وبالتالي لا يمكن للسياسة اللغوية بكونها عنصرا من عناصر "القوى الناعمة"، أن يكون لها تأثير، في الوقت الذي فيه واقع التعددية اللغوية " لا يزال في حالة غير مكتملة"، وما زال بعيدا عن التفعيل الرسمي والمؤسساتي للثنائية اللغوية الدستورية.
وفي معرض تفاعله مع ما طرح من أسئلة في هذا اللقاء الذي تميز بحضور عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس، والحسين مجاهد الكاتب العام لذات المعهد، وعدد من الأساتذة الجامعيين ووباحثون وطلبة مغاربة وأجانب ونشطاء من المجتمع المدني، أبوا إلا أن يدلوا بدلوهم في المسألة اللغوية بالمغرب، أكد بنيس على أن الانتقال من الأحادية اللغوية إلى ثنائيه لغوية خارج الزمن الدستوري العربية والفرنسية، والآن الى ثلاثية لغوية هجينة مع الفضاء الافتراضي، شكلت اختلالا هوياتيا لغويا لما يسمى في علم الاجتماع اللغوي بالسكيزوغلوسيا كانفصام لغوي في الدفاع عن لغة والتكلم بأخرى أو الدفع بتعليم الأبناء لغة الترقي والتسلق الاجتماعي،
هذا الانتقال يصاحبه انتقال آخر وهو ما يسمى في علم اجتماعيات اللسانية بالايكولوجيا اللغوية التي سيتم تثبيتها من خلال إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي يهتم بتشجيع التعبيرات الثقافيه المحلية والتنويعات اللغوية الترابية والحفاظ عليها. بهدف ضبط السيادة اللغوية بالمغرب وكذا تداعيات التعدد اللغوي في الفضاء العمومي، للانتقال إلى مستوى سوق لغوية منظمة تضطلع فيها اللغات الهوياتية والرسمية والدستورية بدور لغات التدريس.كما هو حال الدول الرائدة كفنلدا و كوريا الجنوبية.
كما يرى صاحب الكتاب أنه لتأمين ما هو ترابي يمكن أن ننتقل من جهوية متقدمة اقتصادية وإدارية الى جهوية متقدمة لغوية وثقافية؛ فالتفعيل أساسا هو المرور من الدسترة الى المأسسة، للانتقال باللغات الهوياتية العربية واالأمازيغية الى لغات وظيفية لغات التدريس والبحث العلمي والإنتاج، لتفادي السقوط فيما يسميه بالاحتباس اللغوي الذي يرهن مستقبل الأبناء كما يرهن الاحتباس الحراري مستقبل الارض، وإيمانا منه بأهمية السؤال أكثر من الجواب،
كما بدأ بالتساؤل الإشكالي في البداية انتهى منه في الأخير كتساؤلات تبقى في نظره دون أجوبة قارة وواضحة، لكنها ومن خلال المقترح المطروح في اللقاء من طرف جمال المحافظ يمكن لهذه التساؤلات أن تصبح مشاريعا بحثية مستقبلية: كيف يمكن تفعيل آليات التعددية في علاقتها بالتمكين الهوياتي والشعور المواطناتي والتحدي التنموي؟ ما طبيعة العناصر والأسس التي سيعتمدها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية للبث في مصفوفة التنويعات اللغوية والتعبيرات الثقافية الترابية؟ وما المنطلقات التي سيتم اعتمادها لمقاربة منظومة الانتقال اللغوي في ارتباطها بالقانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟ وبالنظر إلى رهانات السياسة اللغوية بالمغرب، إلى أي حد يمكن للتدبير الرسمي للثنائية اللغوية الرسمية أن يوازي بين التمكين الهوياتي من خلال مبدأ الشخصانية والتوطين الثقافي واللغوي؟ وإلى أي مدى يمكن للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية أن يستجيب لطبيعة الدينامية اللغوية ويحدد آليات التعددية اللغوية ويغطي مكونات السوق اللغوية ويرقى بالتوجهات الإستراتيجية؟
أما الأستاذ بنيس يبدو أن مداخل التعددية اللغوية تنضبط لصيرورة الأحادية والتعدد في إطار مجالات وحقول تداولية تربط بين اللغات الرسمية والوطنية والجهوية والتنويعات الترابية في أفق استتباب الأمن اللغوي، ومقاومة العولمة، والميز اللغوي، والهيمنة الرمزية لبعض المنظومات التعبيرية.
وفي هذا الصدد، قال إن البيئة اللغوية بالمغرب، تشكل بيئة ملائمة للتعددية اللغوية من خلال تعدد داخلي يهم نفس المنظومة اللغوية، وتعدد خارجي يرتبط بالتقاء لغات مختلفة مثل الأمازيغية والعربية والفرنسية والإسبانية وكذلك الأنجليزية. مما ينتج عنه نوعين من الأسواق اللغوية سوق لغوية واقعية، وسوق لغوية افتراضية تتعدد فيها الأنماط التعبيرية والتنويعات التواصلية والنزوعات الهوياتية.
ولاحظ كذلك أنه لا يمكن فهم التداعيات الهوياتية إلا من خلال اقتراح ملامح سياسة لغوية تمكن من الانتقال من مقولة الاختلاف الإثني إلى جدلية التعددية اللغوية، وكذلك الارتكاز على التحول من جهوية إدارية إلى جهوية لغوية. إلا أن بطء تفعيل الثنائية اللغوية الرسمية في الحياة العامة يمكن أن يؤدي إلى بيئة لغوية هجينة ستقوض خصوصيات النموذج المغربي للتعددية اللغوية، وتفضي إلى اختلالات في مقولتي التنوع الثقافي والتعدد اللغوي ، واحتباس لغوي على المدى المتوسط والبعيد.
كما أن ترسيم اللغة الأمازيغية في علاقته بتفعيل التعددية اللغوية في إطار وحدة الانتماء للمملكة المغربية، لا يمكن أن يتم إلا بإقرار التنويعات اللغوية الترابية والتعبيرات الثقافية المجالية (الحسانية وتشلحيت والجبلية وتريفيت والعروبية وتَمَزيغت والبَدْوِيّة....)، والبث فيها من طرف المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. لذا، فتفعيل مأسسة الأمازيغية، سيجيب على مطلب الثنائية الرسمية والمساواة الثقافية والعدالة اللغوية في أفق إرساء مفهوم التصالح الهوياتي وتقوية اليقينيات المحلية واسترجاع الانتماء للمغرب الكبير وترسيخ الحق في اللغة وضبط ملامح سياسة لغوية تتلاءم مع سردية تَمغْرِبِيتْ التي تنضبط لمقولة الانفتاح على العالم الخارجي إقليميا ودوليا وتنأى عن الخوض والانغماس والانحراف إلى حقول العنصرية والشوفينية والاكزنوفوييا والهوية المنكمشة.