علال الفاسي.. عالما وأديبا 

علال الفاسي.. عالما وأديبا  المرحوم علال الفاسي
خصص الكاتب الاعلامي عبد الإله التهاني الحلقة الأخيرة من برنامجه الأدبي والفكري "مدارات" ، للجوانب الأدبية  الفكرية في سيرة المرحوم علال الفاسي.

 الثنائية الخالدة لجيل الرواد :
 وأوضح في مستهل حديثه أنه في تاريخ الحركة الوطنية المغربية،يوجد رجال جمعوا بين العمل السياسي الوطني من أجل تحقيق استقلال البلاد ،وبين الإسهام الغزير في مجال الفكر والأدب ، مؤكدا أن النماذج في هذا الميدان عديدة ، حيث ذكر منها على سيبل المثال، أسماء الرواد الكبار كـعبد الله كنون، ومحمد الفاسي، ومحمد المختار السوسي، وعلال الفاسي، ومحمد داوود، وعبد الله إبراهيم، وسواهم.
وانتقل معد ومقدم برنامج  مدارات، إلى التركيز على شخصية العالم والأديب علال الفاسي ، واصفا إياه بأنه بصفته رائد وطني ، وعالم كبير، وأديب مجدّد ، لاتحتفظ له الذاكرة  الوطنية  فقط،  بكفاحه الطويل من أجل استقلال المغرب، والمساهمة في بناء الدولة المغربية الحديثة، وإنما تحفظ له أيضا عطائه الفكري، والأدبي ونشاطه الصحفي، وكتاباته الغزيرة في عدة مجالات، بدءا من الفكر السياسي والاجتماعي ، مرورا بقضايا العقيدة والاجتهاد الفقهي، إلى الأدب والتاريخ والفلسفة ، وصولا إلى تناوله إشكالات وقضايا الفكر المعاصر.
 
 ذخيرة علال الفاسي من التآليف :
واستعرض التهاني ، عناوين من حصيلة علال الفاسي من التآليف مبرزا أنه ترك للخزانة المغربية والعربية والإسلامية ، ذخيرة من المؤلفات تجاوز الثلاثين مؤلفا، في السياسة والتاريخ والشريعة ، والتفسير القرآني والفقهي ، وعلم الاجتماع، والتربية والاقتصاد، وكذا في مجال الأدب، شعرا ونثرا.
ومن بين تآليف علال الفاسي  في المجال المعرفي ، أشار  التهاني إلى كتبه التالية : النقد الذاتي ، وهو من أشهر مؤلفاته / اللحماية الأجنبية في المغرب من الوجهتين التاريخية والقانونية /  دفاعا عن الأصالة/  المدخل للفقه الإسلامي/ المدخل لعلوم القرآن والتفسير / في المذاهب الاقتصادية/ مجموعة أبحاث في علم الاجتماع والأدب/ الإسلام وتحديات العصر/ صحراء المغرب المغتصبة/ الإنسية المغربية / حديث مغربي في المشرق/ تاريخ التشريع الإسلامي/ المغرب العربي من الحرب العالمية الأولى إلى اليوم، وغيرها من مؤلفاته ذات الطابع الفكري ، إلى جانب إنتاجه الشعري الغزير، حيث أوضح  الاعلامي عبدالإله التهاني ، بأن  علال الفاسي، كان قد شرع يكتبه منذ شبابه،  واستمر على ذلك طيلة فترات حياته،  والتي قضى قرابة نصفها خارج المغرب ، إما متنقلا بين الدول الأجنبية للدفاع عن قضية استقلال المغرب ، أو منفيا في الغابون والكونغو بقرار من سلطات الحماية الفرنسية الاستعمارية بالمغرب وقتئذ.
 
 المحطات العلمية في مسار علالل الفاسي:
أشار معد ومقدم برنامج مدارات، أن علال الفاسي كان قد تخرج  من جامعة القرويين عام 1932 ، وأنه حظي بعدة إجازات ، وتحديدا من  الشيخ شعيب الدكالي، والشيخ بن جعفر الكتاني، إضافة إلى إجازة من عمه العالم عبد الله الفاسي، وأنه تولى بعد تخرجه مهام التدريس بفاس، لكن مساره سيعرف تحولات مهمة بعد انخراطه المبكر في العمل الوطني من
 أجل تحرير المغرب من الاستعمار الفرنسي .
وأضاف المتحدث يقول، بأنه على الرغم  من هيمنة الجاب السياسي على المسار الطويل للمرحوم علال الفاسي، إلا أنه ظل حريصا على نشاطه الدؤوب ، كعالم ورجل فكر وأدب .
وأوضح بأنه إذا كان الاستعمار الفرنسي ، قد منع علال الفاسي  من التدريس بجامعة القرويين، بسبب عمله  السياسي الوطني، فإنه سيستأنف نشاطه العلمي بعد استقلال البلاد، إذ كان عالما متضلعا في الفقه المالكي، وفي الفقه المقارن، وأنه بهذه الصفة العلمية كان يتولى التدريس وإلقاء المحاضرات بكلية الآداب وكلية الحقوق ، التابعتين لجامعة محمد الخامس بالرباط ، وكذا بدار الحديث الحسنية في الرباط أيضا. كما استحضر  صفات علمية  أخرى عرف بها ، حيث كان عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ومجمع اللغة العربية في دمشق، وشغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في مطلع الستينات من القرن الماضي.
ولاحظ ذات المتحدث  أن علال الفاسي ، ظل حاضرا في الساحة الوطنية، ليس فقط من زاوية نشاطه السياسي فقط، ولكن أيضا من موقع عطائه الفكري والأدبي والصحفي الغزير.
 
عبدالرحمان الحريشي: حارس شعر المنفى  
وانتقل التهاني في ذات الحلقة الى استحضار  بعض ملامح الجانب الشعري في شخصية علال الفاسي ، بدأه بالقول  بأن علال الفاسي قضى قرابة عشر سنوات ، منفيا في الغابون ثم في الكونغو ، وتحديدا من العام 1937 إلى سنة 1946، مسجلا أنه كما عاش هذه المحنة بفكره ، فقد عاشها أيضا بإحساسه وعواطفه، وأننا لذلك نجده كتب شعرا غزيرا عن هذه الحقبة المؤلمة من حياته.
 واستطرد التهاني يقول ، بأن علال الفاسي كان قد قام بجمع كل ما كتبه من أشعار خلال سنوات منفاه، مع تدوين قصائده حسب تواريخ كتابتها في ثلاثة دفاتر، وأن   نظره كان قد استقر نظره على  أن يصدرها في ديوان خاص،  اختار له رحمه الله عنوان "رَوْضُ الْمَلَكْ" ، وفق ما ورد في إفادة للأستاذ بعد الرحمن الحريشي ، الذي وصفه بأنه قام سنوات بعد وفاة المرحوم علال الفاسي، بمجهود توثيقي على درجة كبيرة من الأهمية، حيث أعاد تجميع كل الاشعار التي قالها  الفاسي خلال فترة منفاه انطلاقا من سنة 1937،  وقام  بتصنيفها وترتيبها حسب الموضوعات، مع ذكر تواريخ وأماكن كتابتها، بل أضاف إليها بعض المقدمات أو التعليقات، التي كان  الشاعر علال الفاسي يفسر بها ظروف كتابته هذه القصيدة أو تلك ، ومناسبتها.
واستطرد التهاني موضحا بأن هذا العمل التوثيقي، قد توج بحفظ جزء نفيس من التراث الشعري لعلال الفاسي، حيث صدر الديوان بتحقيق وتقديم الأستاذ عبد الرحمن الحريشي سنة1987، ضمن منشورات مطبعة الرسالة بالرباط.
 كما أشار  صاحب برنامج "مدارات" إلى أن الأستاذ عبدالرحمان الحريشي ،قد أتى  بتعليقات وهوامش لمقارنة النصوص، أو تفسير بعض الألفاظ،  أوتدقيق المعنى الذي كان يقصده الشاعر علال الفاسي في قصائده.
 
علال الفاسي متحدثا عن شعره :
وأشار التهاني، إلى أن هذا الجزء الشعري الخاص بما قاله  علال الفاسي ، خلال فترة نفيه بالغابون والكونغو، من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية آنذاك،  يقع في338 صفحة، وأنه يفتتح باستهلال كتبه الشاعر علال الفاسي بخطه المغربي الجميل:  يقول فيه : 
"كنت على نية جمع ما نظمته في الوطن العزيز من الشعر في ديوان خاص، أسميه "رَوْضُ الْمَلَكْ" ، ولكن النفي حال بيني وبين تحقيق مشروعي، فرأيت أن أجمع ما نظمته في المنفى، في هذه الْكُنَّاشَةِ التي ستعتبر جزء ثانيا للديوان، ولكن تسجيل القصائد في هذا الدفتر، لن يكون حسب الترتيب الذي أريد، بل سيكون حسب تواريخ وضعها، وعليه فلابد من محاولة الترتيب ، حتى يسر الله العودة للبلاد، واجتمع ما نظمته هنا بما نظمته هناك، ليتم التنسيق الذي أريد على حسب الموضوعات ، إذ هو أجدى على فهم الفكرة العامة ،،وأقرب لدراسة الاتجاه المبدئي".
ويختم الشاعر المرحوم علال الفاسي هذا التقديم لقصائده التي كتبها في المنفى، قائلا: "لا أدعي لهذا الشعر بدبراعة  أبي تمام، أو إعجاز المتنبي، ولا عبقرية شكسبير، أو روحانية طاغور. وكل ما أدعيه أنه شعر شاعر يحمل فكرة، ولذلك لن أطلب من القارئ أكثر من تقدير ما يحمله من إيمان ، وما يشدو به من حبّ ووجدان. " .
ولفت التهاني الانتباه إلى أن هذا التقديم القصير ، يحمل إمضاء الشاعر علال الفاسي وتاريخ كتابته والمحدد في عام 1943، وقد كان في هذا الوقت ما يزال في منفاه بالكونغو.
 
 قصائد اللوعة والاغتراب :
 وتحدث التهاني عن هذا الجزء النفيس من شعر علال الفاسي ، موضحا أننا " نلمس في شعره الذي كتبه في منفاه بالغابون والكونغو، حنينا دافقا للوطن، وشوقا جامحا للأهل ولأبناء بلده، ومن ذلك قصيدة له كتبها في منفاه، عام 1939، وهي بعنوان "حرارة شوقي للقوم والوطن" ، وقصيدة أخرى في نفس المعنى بعنوان: "لو خيروني" ، كلها تفضيل للوطن، وتعلقه بأهله، كان قد كتبها سنة 1938، إضافة إلى  قصيدة خفيفة وبديعة بعنوان "نشيد المنفى".
واستطرد معد ومقدم البرنامج،  ساردا عددا من قصائد علال الفاسي ، التي أبدعها في سنوات  منفاه الأفريقي، ومن ذلك  قصيدة تحت عنوان "يوم الأضحى"، كتبها يوم عيد الأضحى، ووصفها عبدالاله التهاني، بأنها قصيدة مليئة بالحمولة الدينية، وطافحة بالإيمان، وبالتقرب إلى الله تعالى، كتبها في شهر يونيو من سنة 1942، وهو منفي في منطقة مياما في الغابون، وكل أبياتها تضرع إلى الله وتوسل إليه.
كما توقف عند قصيدته المؤثرة  وهي بعنوان: "أبي"، وهي قصيدة طويلة تقع في 207  أبيات ، كتبها علال الفاسي في شهر غشت من العام 1942، مباشرة بعد أن تناهى إلى علمه وهو في منفاه ، نبأ وفاة والده العالم المرحوم عبد الواحد الفاسي، الذي كان من  علماء القرويين بفاس، وهي قصيدة تفيض بالحرقة والشعور الحاد في فقدان والده، وعدم تمكنه من حضور جنازته وتشييعه إلى مثواه الأخير.
 
 قصائد حب من المنفى : 
اختار عبدالاله التهاني قصائد أخرى لعلال الفاسي، كتبها كلها على امتداد  فترة منفاه، حيث قدم للمستمعين قراءة  في عدد من مقاطعها  ، ومن ذلك قصيدة  "أبى القلب إلّا"، وقصيدة  "أذكريني" التي يخاطب فيها زوجته ، وقصيدة "منطق الحبّ" ، ومقطوعة أخرى جمع فيها بين التغني بعاطفة الحبّ ، وبين التأسي والرثاء  لحاله في متفاه ، وهي بعنوان "الحبّ يدنيك من المحبوب وإن كنت بعيدا". ومن أجمل أشعار الشاعر علال الفاسي التي أبدعها عن عاطفة  الحبّ ، استحضر معد ومقدم برنامج "مدارات" كذلك،  قصيدة نشيد الحب " ،  التي كان قد كتبها الفاسي عام 1938 في المنفى أيضا ، وهي القصيدة التي اشتهرت وذاع صيتها ، بعد أن انتبه إليها الفنان الراحل أحمد البيضاوي في فترة لاحقة،  فقام بتلحينها وغناها بنفسه .