محمد بلال أشمل:هذه دواعي تأسيس"مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية-المغربية"

محمد بلال أشمل:هذه دواعي تأسيس"مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية-المغربية" محمد بلال أشمل
على هامش الإعلان عن انطلاق أعمال "مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية-المغربية"، بمكتبة أگورا"، مساء الجمعة 3ماي 2024، أجرت" أنفاس بريس" هذا الحوار مع رئيسه؛ الدكتور محمد بلال أشمل، أستاذ الفكر والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان:
 
 لماذا اسم كارلوس كيروس لمركز في الدراسات الإسبانية المغربية؟
وضع اسم "كارلوس كيروس" لمركزنا يوافق طبيعة اختيارات الفريق المؤسس لهذا المركز؛ فهذا الأخير يتنادى إلى العناية المزدوجة بالدراسات الإسبانية والمغربية من جانبين مختلفين وبلسانيين متجاورين في الجغرافيا والتاريخ. اختيار هذا الاسم لأحد صُناع الحياة الثقافية والفكرية في مدينتنا خلال فترة الحماية الإسبانية رسالة إلى الباحثين الوطنيين إلى العناية بهاته الفترة الدقيقة من تاريخنا، وتخليصها من أعلاق الإيديولوجيا، وتحريرها من أوثان الجهل، والنظر إليها بعيون نقدية فاحصة من أجل استئناف النظر إليها في الوضع الحالي للصلات الثقافية والفكرية بيننا وبين الضفة الإسبانية وبوساطتها بالعالم الأمريكولاتيني، ومن ثم استشراف جميع ذلك من أجل صياغة وجود معرفي وحضاري واع بهويته وقوته وطبيعة جواره.
 
 وكيف لتوصيف المركز بهذا النحو: الدراسات الإسبانية -المغربية، وليس المغربية-الإسبانية؟
توصيفه خاضع فحسب للضرورة اللغوية القائمة في الصيغة القشتالية (Estudios hispano-marroquíes) ومن ثم الحفاظ على تلك الصيغة المعمول بها مع إجراء ما يلزم من الترجمة وإلا كان سيكون الاسم نشازا في التعبير القشتالي. ليس ثمة أفضلية ولا أسبقية في العناية بالدراسات سواء كانت مغربية أم إسبانية. الأمر كله قائم على أيّها يكون أوفر حظا من العناية متى تهيأ له من الباحثين من يحققه وضعا أو ترجمة على شرط من الكفاءة والجدة والأمانة والموضوعية.
 
 ما موقع هذا المركز في انشغالاتك بين كتابي" سؤال المشروع الثقافي في تطاون العامرة"، و"مناسبات أورتيغانية"، إذا جاز هذا التحديد؟
صدر كتاب "مناسبات أورتيغانية. مقالات في الفكر الإسباني المعاصر" سنة 2008، وهو باكورة منشورات الجمعية الفلسفية التطوانية. وكلاهما، أي الكتاب والجمعية التي أصدرته، كانا يعيان مقتضيات ما كنتُ سميتهُ في حينه بـ"ضغط التخوم" و"إكراهات الجوار الجغرافي والتاريخي"، وأعني بهما ضرورة العناية بالفكر الإسباني عامة والفكر الفلسفي الإسباني خاصة أملا في تكثير مصادر الحوار الفكري مع "إسبانيا الجوهرية"، لأني كنت رأيت يومها أن أغلب تعويل الفكر المغربي إنما على الفكر الفرنسي، وإذا التفت إلى الألمان أو إلى غيرهم من صُنّاع الفكر العالمي، فبالوساطة الفرنسية. لقد كرهتُ يومها تلك "الواحدية اللغوية" التي يعتمد عليها الفكر المغربي في صياغة أفكاره، وبناء نظمه. ولذلك كان الغرض الأساسي الذي تنادينا إليه في "الجمعية الفلسفية التطوانية" العناية بالتداول الفلسفي في البر القشتالي، وعبره بالتداول الفلسفي في الأرخبيلات الفكرية الأمريكولاتينية. وبما أن الثقة في الذاتية الفكرية والمدينية في أهل الصنعة في مدينتنا لم تكن بالقوة المطلوبة لكسر "الواحدية اللغوية"، و"المركزية الفلسفية" وغيرهما من الآفات الفاشية يومها في تداولنا الفكري والثقافي، خاصة لما نقِمَ منا بعض الناس تسمية جمعية فلسفية باسم "الجمعية الفلسفية التطوانية"، مع رِضاهم بأسماء كلية جامعة في ميادين أخرى مثل "المغرب التطواني" أو "المغرب الفاسي"، صرفنا النظر عن العمل الجماعي، وانصرفنا إلى العمل الفردي؛ فكانت تجربة اختمرت فيها الكثير من الحدوس والأفكار. ومن جميعها أن فكرة "سؤال المشروع الثقافي في تطاون العامرة" كانت ضاغطة، فعكفنا على تطارح هذا السؤال - سؤال المشروع الثقافي-من حيث وجودُه ومن حيث مِلكيتُه، أي هل يوجد ثمة مشروع ثقافي في تطاون، وهل تملك هاته مشروعا ثقافيا؟ وصحَّ لدينا مرة أخرى أن ضغط التخوم، ومقتضيات الجوار التاريخي والجغرافي هي التي ينبغي أن تشكل الشروط الضرورية لصياغة مشروع ثقافي في مدينتنا قِوامه الحوار مع الفكر الإسباني وتوثيق الصلة مع إسبانيا الجوهرية، ولو أن هذا الحوار كما سميته في دراسة نشرتها سنة 2001 في مجلة "فكر ونقد" بـ"حوار الفكر المغربي-الإسباني: النداء الضروري والاستجابة الممكنة" كان ما يزال يتأرجح بين "الضرورة" و"الإمكان". أكيد أن مياها كثيرا جرت في نهر "المحنش"، وانظر الأطوار التي ارتقت إليها العلاقات المغربية الإسبانية، أفلا يكون من الضروري جدا أن نجعل من هذه الاستجابة متحققة؟ من هنا كان تأسيس مركز للبحث يتنادى إلى العناية بالدراسات الإسبانية المغربية في جميع شِعابها. ولما وجدنا من الإرادات الحرة في عمل فكري وثقافي متعدد المشارب ومختلف الينابيع، ولكنها متفقة على ضرورة تحقيق الاستجابة لهذا النداء الضروري، عزمنا على تأسيس صيغة ثقافية تحقق لنا مسعانا الفكري والثقافي فكان تأسيس مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
 
لكن قد يقال: "لِمَ لمْ يتم الاكتفاء بتسمية المركز بمركز الدراسات الإسبانية المغربية عوض مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية"؟ أو "لِمَ لمْ يتم اختيار اسم مغربي أو عربي ما دام المركز يشتغل في المغرب؟"
تسمية مركزنا بالاسم الذي اخترناه فيه مزيد تأكيد على الأغراض التي نسعى إلى تحقيقها كما ورد في القانون الأساسي الذي صودق عليه منذ ما يقرب من سنة. كان من الممكن تسمية مركزنا باسم سيدي عبد الله كنون، أو سيدي التهامي الوزاني، أو سيدي أحمد الرهوني، ولكنها على شدة توقيرنا لعطائهم الفكري، لن تؤدي في اعتقادنا الغرض الذي نسعى إليه وهو وصل البرّين المغربي والإسباني برباط الفكر والثقافة. هذا وثمة مراكز عديدة في بلادنا تحمل أسماء مغربية وعربية وإسلامية تشتغل وفق مقاصدها ومراميها. أما مقاصدنا ومرامينا فلم نجد من يمثلها خيرا من "كارلوس كيروس"؛ فالرجل المولود في بلدة "بولادي سييرو" بإقليم "أستورياس" سنة 1884 والمتوفى فيها سنة 1960، راهب نصراني، وكاهن ديني، ودارس ممتاز للدين الإسلامي وعلومه، ومترجم لنصوصه في الفلسفة والفقه والأدب والتاريخ، ومحب للعربية، وناظم أشعاره المقفاة بلسانها، ومدير "مركز الدراسات المغربية" في تطاون، وأمضى في المغرب أكثر من سبع وعشرين سنة، وأكثر أعماله نضجا - مختصر ما بعد الطبيعة لابن رشد- وضع له مقدمته في تطاون يوم 15 مارس سنة 1919، ولعله أفضل من يمثل هذه الأغراض المتعددة التي نسعى إليها كما اختار غيرنا تسمية مراكزهم بأسماء توافق ما وضعوا له من أغراض مثل "مركز جاك بيرك للدراسات في العلوم الإنسانية والاجتماعية" أو "مركز هارت للدراسات والأبحاث الاجتماعية والتنموية" أو غيرهما. إن الإرادات الحرة حين تكون بمثل هذه المثابة، تزكي كل بادرة تصح لها معقوليتها وأفضليتها، ولذلك حين ذكر هذا الاسم –كارلوس كيروس رودريغيث-قوبل بإجماع كامل من الأعضاء المؤسسين، لاسيما وقد علموا أن الرجل بصورة غريبة حلقة وصل بين المغرب وإسبانيا بلادا وأعلاما وتاريخا ووقائع؛ فلهذا لن يستغرب الأمر إذا عكف أحد الباحثين من مركزنا على دراسة مقارنة بين الضفتين في أرخبيلات مغمورة لم تقع عليها عين البحث العلمي، يكون فيها سيدي عبد الله كنون حاضرا إلى جانب الأب "كارلوس كيروس". هذا واختيار الاسم ليس فيه نفحة من تقديس ولا مسحة من تفضيل، فالوعي النقدي حاضر، والدراسات المنشورة حول الرجل من لدنا أو المنتظر نشرها قريبا فيها الكثير من البيان.
 
 في بسط القيمة المفترضة لهذا المركز، ما هو تقييمكم لخريطة الإطارات الثقافية في المدينة؟
أولا لقد أسسنا "مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية" منذ ما يقرب من سنة، وسبق ذلك اشتغال بعضنا الأكاديمي والثقافي على تراث الاسم الذي يحمله قبل ذلك، وأعددنا لهذا المركز العدة المادية والفكرية لتأسيسه، وانطلقنا من يقين ثابت أن القيمة التي يمكن أن ينطوي عليها، قيمة "متحققة"، وإلا لصرفنا النظر عن التأسيس والإعلان جملة وتفصيلا. ولما قدرنا أن الوقت مناسب للإعلان عن انطلاق أشغاله، نظمنا حفل الإعلان عنه يوم 3 ماي الفارط في فضاء له دلالته في هذا السياق وهو مكتبة "أغورا" بما يعنيه اسمها من معاني الحوار والمناظرة في ذاكرتنا الفلسفية الإنسانية. ثمة مراكز بحث في بلادنا، رسمية أو غير رسمية، وجميعها تشتغل وفق ما تعتقد فيه من مقاصد وأهداف. ومركزنا لا يختلف عنها إلا في كونه مركزا حرا في أفكاره وأشغاله، وأعني بذلك أنه غير رسمي أي لا يتبع لجهة رسمية في بلادنا ولا في بلاد غيرها، ولا يتبع إلا إرادة مؤسسيه وغيرة الباحثين من المتعاونين معه، ومعنى ذلك أنه يعتمد في تمويله اعتمادا ذاتيا من أعضائه المؤسسين الذين زكوا من علمهم ووقتهم ومالهم لكي يصير واقعا في ديوان المراكز والجمعيات الفكرية والثقافية في بلادنا. وإذا قدم في المستقبل طلبا للجهات الرسمية الوطنية للحصول على الدعم فلاعتقاده أنه يستحق ذلك لأنه قد يكون قد قدم ما تقدره تلك الجهات مساهمة جادة ورصينة في العمل الثقافي والفكري والعلمي في بلادنا في صلته بالجوار الإسباني والأجنبي. لكن مركزنا برغم طابعه الحر إلا أنه يشتغل وفق الثوابت الوطنية، ويعمل طبقا للمقتضيات القانونية، بل ويحرص عليها أشد الحرص في كل خطوة يخطوها منذ التأسيس، فالإعلان عن افتتاح الاشغال، إلى تسطير برنامج العمل والشروع في تهيئة شروطه المادية والمعنوية. بل ويسعى إلى تقديم رؤية متنورة وجديدة عن واقع الدراسات المغربية والإسبانية بوساطة اللسانين العربي والقشتالي، ويعد نفسه، أو يعده غيره، إحدى الأصوات الواعدة في ربط الصلات الثقافية والعلمية مع المراكز البحثية الإسبانية والأمريكولاتينية خدمة لما صار يعرف اليوم بــ"ّالديبلوماسية الثقافية"، لا سيما وأن أكثر أعضائه المؤسسين، وأغلب المتعاونين معه، لهم خبرة طويلة في الميدان كتابة وترجمة ومشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية الوطنية والأجنبية. وتذكيرا بالقيمة المتحققة، فإن أول نشاط لمركزنا كان جلسة علمية لقراءة كتاب من صميم انشغال واشتغال مركزنا، ويتعلق الأمر بكتاب "الفقه الإسلامي في المتن الإسباني: نظام الأحباس 1912-1956" الصادر مؤخرا عن دار خطوط وظلال بالعاصمة الأردنية عمان. وشارك في تلك الجلسة العلمية باحثان هما الدكتور عبد العزيز السعود، المؤرخ والمترجم والمشتغل بالدراسات الإسبانية، والدكتور خالد الرامي الأستاذ في شعبة التاريخ بكلية الآداب بثغر مرتين، وصاحب الدراسات حول الحوالات الحبسية في تاريخ تطاون. وهذا له دلالته المتصلة بالقيمة المتحققة؛ فالمساهمان في الجلسة المذكورة من أهل الاختصاص، وكلاهما بصير بموضوع الأحباس، سواء في بعده الفقهي أو التاريخي أو صلاته مع الكتابات الإسبانية التي تناولته بالدرس والتحليل، وطبيعة الجلسة كانت نقدية حوارية، ومعنى ذلك أن اختيارهما كان مدروسا بعناية، تفاديا لتلك الآفة التي نعيتها على العمل الثقافي في مدينتنا، وأقصد بها "النجم الثقافي" أو "أبو العريف" الذي يتصدر المجالس العلمية بدون وجه حق، فضلا عن أن مسير الجلسة عامة راسخ القدم في الدراسات الإسبانية بلغتها الأصلية وخريج شعبتي القانون والتاريخ، ولعلكم لمستم طبيعة القراءة وفقرة المناقشة، فلعلهما كانتا بالصورة المطلوبة من حيث البعد عن المجاملة، وطلب الحق، وتفادي الآفات السائدة في تداولنا الثقافي في خصوص هذه المدينة وعموم بلادنا.
 
وتقييمك لخريطة الإطارات الثقافية في المدينة؟
لستُ مؤهلا لتقييم جميع الإطارات الثقافية في مدينتنا، وحسبي منها أن بعضها غضب مني لما قررت في كتابي "سؤال المشروع الثقافي في تطاون العامرة" أنها غفل من أي مشروع ثقافي بالشروط التي اشترطتها وعلى رأسها "أن تكون وفية لذاتيتها المدينية". وعوضا عن أخذ نقدي بالجدية المطلوبة، اجتهد البعض في حجب كتابي عن واجهات المكتبات وعروض قراءة المؤلفات. وبما أني لا أملك أية عصبية حزبية أو دينية أو عرقية، لم يدرج كتابي في أية مشاريع قراءة في المعارض الوطنية أو المحلية أو الصالونات الأدبية أو الجمعيات الثقافية أو اتحادات الكتاب الشماليين أو الجنوبيين. ولكني انطلاقا من معرفتي المتواضعة ببعض الإطارات الثقافية أستطيع القول إنها تعمل بحسب مبلغها من العلم، وليس بحسب مبلغها من الوعي. وأعني بذلك أن لديها بعض الكفاءة العلمية، ولكنها تفتقر إلى بعد النظر فيما سميته سابقا بالوعي بضغط التخوم، وإدراك طبيعة الجوار الجغرافي والتاريخي. مركزنا يزعم أنه يستطيع أن يتدارك هذين البعدين حين يتطارح قضايا ذات قيمة عظمى من الجانبين الإسباني والمغربي. وأعطيكم مثالا واحدا: هل ثمة اشتغال علمي مغربي يتناول طبيعة الحياة الثقافية لا السياسية خلال فترة الحماية الإسبانية على الشمال المغربي؟ دعك من الاشتغال الوصفي الذي ما يزال يعتمد على "فيرناندو بالديراما" في تقرير الحياة الثقافية خلال الفترة المذكورة، نحن نتحدث عن اصطناع الوثائق المغمورة، واستثمار الأرشيفات المحفوظة، واستنطاق المخطوطات المضنون بها على غير أهلها والتي بوساطتها نستطيع تقرير طبيعة تلك الحياة، وأسماء رجالها ونسائها، ولاسيما من الجانب الإسباني، وانا لا أتحدث هاهنا عن الأسماء المعروفة بكثير من الأخطاء والسطحية، "طرينا ميركادير" أو "دورا بوكايكوا" مثلا، بل وحتى الأسماء التي يظن أنها اقتصرت حياتها على العمل السياسي أمثال "طوماس غرسية فيغيراس"، ولكني أتحدث عن الأسماء المغمورة أمثال "ماريانو أريباس بالاو" أو "مانويل ديل نيدو" أو "مانويل أولايلور يورد" بل ومن المغاربة أمثال عبد الرحيم جبور العدي وغيرهم ممن تحصلت لدينا الذخيرة الحية من أرشيفاتهم ووثائقهم وأخبارهم وآثارهم نطمح بتعاون الصادقين من الباحثين الوطنيين والإسبان التعاون معنا لإخراجها إلى الناس في حلة نقدية مشرفة للبحث العلمي المغربي. وهاهنا لا بد من التذكير أن صنيعنا في التعريف بالأب كارلوس كيروس وتحقيق ونشر مؤلفاته مما سنشرع في العمل عليه صنيع غير مسبوق في إسبانيا فبالأحرى في بلادنا، وقد بدانا قطعة من ذلك حين وضعنا رسالة دكتوراه حول منزلة الأب كارلوس كيروس في الإسلاميات الإسبانية بآداب تطاون سنة 2018، ونشرنا بالقشتالية بضع بحوث في شأن أعماله الفقهية، ونترقب قريبا نشر دراسة حول أعماله المنشورة والمخطوطة في مجلة علمية إسبانية محكمة. هذه مسؤولية علمية وثقافية ووطنية يتحملها مركزنا بأمانة وتواضع وصدق؛ فقد دخلنا في هذا الأمر بشغف، وأمانة، ومسؤولية، ومروءة علمية ووطنية، وليس كما دخله غيرنا بكثير من الادعاء، وبقليل من العلم، وبكثير من الكذب والبهتان.
 
هذا المركز وبمسحة الانفتاح فيه على الضفة الأخرى، ما هي إمكان العطاء الثقافي المتبادل في تواصل الضفتين بهذا الشأن؟
نقدر أن العطاء الثقافي المتبادل في تواصل الضفتين الذي في إمكان مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية أن يقدمه عطاء واعد وطموح يمكن الإشارة إلى بعض ملامحه في عجالة:
- أولها فتح ملفات الحياة الثقافية ببصيرة المثقف والمؤرخ، ويقتضي ذلك التعويل على الوثائق، واعتماد المقاربة النقدية. وهذا هو المُعَوَّلُ عليه في مركزنا.
- مقاربة القضايا الفكرية والثقافية من منظور الصلات بين الضفتين باللسانين القشتالي والعربي؛ كأن ننظر مثلا إلى "الهوى الإسباني عند سيدي التهامي الوزاني" أو "نظام الأحباس في الكتابات الإسبانية"، أو "صورة الزوايا الدينية في الرحلات الإسبانية إلى المغرب" أو "نصوص التراث الأشعري المغربي" أو "نقد الدراسات المغربية حول الاستعراب الإسباني"- وهذه الأخيرة بالمناسبة فيها الكثير من السطحية والجهل والنصب والاحتيال على القراء- وغيرها من القضايا التي شرعنا في الاشتغال عليها قبل تأسيس المركز، ونشرنا بعض ثمارها بالعربية والإسبانية، ونعزم تحقيق بعض فصولها في منشورات المركز القادمة.
- التركيز على الرؤية المتبادلة بين الضفتين في قضايا فكرية ودينية وثقافية بوساطة المحاضرات والندوات المصغرة المتخصصة بين باحثين مغاربة وإسبان وغيرهم من الناطقين باللغات الأوروبية والأمريكية.
- تجسيد قيم التواصل الحضاري والثقافي مع البرّ القشتالي وبوساطته مع العالم الأمريكولاتيني، والتعبير عن معاني التسامح الديني والثقافي والحضاري وفق شروط رد الحق، وإقامة العدل، وإزهاق الباطل التاريخي والفكري والديني والسياسي.
- التعاون مع الإرادات الحسنة في عمل علمي وثقافي يخدم الصلات الثقافية والحضارية مع إسبانيا الجوهرية وبوساطتها مع العالم الأمريكولاتيني، ولاسيما في مراكز البحوث العلمية الوطنية والأجنبية المشهود لها بالكفاءة والموضوعية.
- إعادة استثمار صيغة "المحاضرة الفردية" الحضورية أو عن بعد، لما تنطوي عليه من حيوية ومباشرة وتركيز، والعمل على اختيار أصحاب الصنعة في اختصاصهم، والحرص على التوفر على ملخصها، والعمل على طبع متنها الكامل احتفاظا بالأصل، وتوثيقا للنص، وصيانة للحدث الثقافي من الضياع والتلف.
- العمل على ترجمة النصوص الموضوعة بالعربية إلى اللسان القشتالي، والموضوعة بالإسبانية إلى اللسان العربي، ولاسيما المتصلة بالموضوع المغربي في مختلف تجلياته الفكرية والدينية والثقافية ماضيا وحاضرا.
كل ما نرجوه في مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية الصبر علينا في تحقيق مشروعنا، والدعوة لنا بالتوفيق والسداد، والسعي إلى التعاون معنا لتحقيق جميع ذلك وفق شروط الكفاءة العلمية، وطبقا لأخلاق الصدق والأمانة والموضوعية، ولاسيما من أقران العمل العلمي والثقافي في خصوص مدينتنا وعموم وطننا.