رواية "ذاكرة المدني في أنفا بارك"رؤية أنطولوجية عميقة للحياة بعمق فلسفي ينتصر للحياة

رواية "ذاكرة المدني في أنفا بارك"رؤية أنطولوجية عميقة للحياة بعمق فلسفي ينتصر للحياة الروائي والكاتب توفيق الوديع وجانب من الحضور

واكبت جريدة "أنفاس بريس" يوم السبت 4 ماي 2024، فقرات الأمسية الباذخة لحفل توقيع رواية "ذاكرة المدني في أنفا بارك"، الإصدار المعطر بعبق الذاكرة والتاريخ في يوم دافئ، التقت فيه أسرة المناضل الفقيد وديع الآسفي مع ثلة من المبدعين والمثقفين والشعراء ذكورا وإناثا تحت سقف جميعة الشعلة للتربية والثقافة أسفي بفندق المدينة.

كعادتها كما دأبت جمعية الشعلة للتربية والثقافة بمدينة أسفي حاضرة المحيط، خلقت الحدث واسترجعت الذاكرة الجماعية من أجل فعل الإرتقاء بالقراءة وأجناس الكتابة الأدبية. هي فعلا الشعلة الوقادة التي تعتلي منصة الترافع والخطابة بأسلحة التفكيك والتحليل والسرد، مستندة على ثلة من المبدعين والأدباء والكتاب والمفكرين، الذين يمتحون من لغة المثقف العضوي الذي ينتصر لقضايا المجتمع المغربي، هي الجمعية التي تقتفي الأثر بشبابها حامل مشعل الطفولة والشباب، لتضيء السبيل نحو الأرقى والأجود.

كانت قاعة الندوة الفكرية بفندق المدينة ترسم ابتسامة الإنسان الوديع، بصرامة نظرة عيونه الثاقبة، وكان الفضاء الجميل بأروقة منشورات الشعلة، مستعد لاحتضان "ذاكرة المدني" القادم من ماضي سنوات الرصاص بصيغة أخرى منحت للطفل الجريح فرصة الحديث والبوح والمصالحة في أمسية ثقافية باذخة بأوراق كتبت بأقلام سيالة بغزارة وتنوع التحليل حسب التخصصات في حضرة القارئ والمؤلف/ الطفل الذي عاش عذابات الأحداث المقلقة.

 

لقد كان الجسر الذي شيّده المهندس/ الطفل الوديع والبريء في زمن الجراح بسلاح الكتابة، محطة عبور لانطلاق حفل توقيع رواية "ذاكرة المدني في أنفا بارك" للكاتب توفيق الوديع، سبيلا للعبور نحو قول الحقيقة التي خطتها أنامل الطفل/المدني وهو يقتفي أثرها بين السطور...لأجله عكست الورقة الوازنة للدكتور النفساني والكاتب المتميز أيمن القشوشي تمكّنه من وضع الأصبع على الجرح بمبضع طبيب المجتمع، إلى جانب ورقة الكاتب الأستاذ شكيب عبد الرحمن، وقراءة الشاعرة المتميزة دامي عمر لعتبات الرواية وما بين السطور، ثم بعدها جاءت قراءة الناقد الأستاذ لكبير داديسي الذي صاغ كلماته ليحسم في "أثر القارئ في ما قيل وما لم يقل في رواية توفيق الوديع".

على نفس الخطى عَبَرَ الفاعل الجمعوي الأستاذ منير الشرقي ممرّ جسر الذاكرة في ورقته التقديمية الموسومة بـ "ذاكرة المدني في أنفا بارك ...انتصار للحياة"، حيث أشار إلى أن توفيق الوديع، هو ذاك الطفل القادم من "تخوم الصبا ومن ثنايا الطفولة" واعتبر نص الرواية " نصّ سرديّ عصيّ عن التصنيف، يمتح من الحديث إلى الروح مثل مونولوج داخلي في مصالحة تبدو غريبة مع الذات، جرّيئة في الحديث عن الماضي وما علق بالذاكرة من نتوءات"

وأضاف منير الشرقي مسير الندوة الفكرية متحدثا عن نص الرواية في ورقته بقوله: "نصّ بعيد عن السيرة الذاتية قريب منها، حيث يصبح الطفل هو السّارد، وقد بلغ من العمر عقده السادس. بوح متسامح على قدر عال من الصفح والمصالحة مع نذوب الماضي وجروحه العميقة". وشدد في تحليله الرصين على أن رواية ذاكرة المدني في أنفا بارك "سيناريو واقعي لحياة ميزها العنف بكل امتداداته المادية والمعنوية، عنف دولة في محطات رهيبة من تاريخ البلد، كان الطفل شاهدا على تفاصيلها المرعبة. وعنف مركب يحيط بطفل ظل يخفق قلبه ذعرا مما حوله".

ولم يفت منير الشرقي أن يعرج في ورقته التقديمية على إشراقات حياة الطفل توفيق الوديع حيث أوضح بأن حياته "لم تخل من إشراقات جميلة حين كانت صفاء روحه تنتعش وهو بين أحضان أمه ثريّا، تضمّه إلى صدرها، فينصت لنبض قلبها الرؤوف. تحدثه بحنو. تضمد روحه المكلومة مثل بلسم الجراح كانت. تمسح بوداعة دموعه البريئة ليبتسم"

لكن الصمت الرهيب كان سلاح الطفل في تلك الأيام المرعبة حين يقول منير الشرقي "قدرة رهيبة على الصمت كانت سلاح ـ المدني ـ لمواجهة درجات الإيذاء النفسي التي تعرض لها في محطات فارقة من حياة طفولته. ظل يقاوم بقامته القصيرة وقلبه الكبير. يكابر ويعاند. يطاوع نفسه عن الحديث فتمانع، يرمم وجدانه فينكسر، يتعثر ويواصل. متفائلا ظل. موقنا بأنه سينتصر"

وهو يصارع أمواج هذه الحياة القاسية، سيستمر "المدني" في تشييد الجسر الآمن للعبور بهندسة خطوط الكتابة والبوح الذي يعتصر قلبه طيلة عقود، على اعتبار "أن الطفل الكامن فيه يمانع، لكن الكهل يميل إلى البوح والمصالحة، وما بينهما من مخاضات، تطلّب سنوات من جبر الضرر بينهما". كل ذلك في سبيل أن يقول المدني الشاهد على تلك الأحداث والوقائع "وداعا للألم. أن يبتهج الطفل الذي كان. وأن يأذن للكهل بالكتابة. كان لابد من التوجس والإنتظار"، لأن الطفل/ المدني كان "في حاجة لجرعة كبيرة من الإنصات للذات في أعمق صورها عبر تمارين "اليوغا" والإستئناس بتجارب إنسانية رائدة في تاريخ البشرية".

هكذا يخلص منير الشرقي مقدم جلسة القراءات المتنوعة والمتعددة حسب تخصصات المساهمين في تفكيك وتحليل رواية الطفل توفيق ـ يخلص ـ إلى أن الطفل الوديع " كان يحتاج لقدر وافر من الحب والسعادة والسند الذي وجده في رفيقة حياته. ليبتسم الطفل الذي كان. ويأتي راكضا مزهوا يعانق المدني ذاته. فيصبحا معا ملء السماء. ما أجملك أيها الحياة".

 

هذه هي بعض ملامح سيرة رواية كتبت بحبر الطفولة المغتصبة وتحول بعزيمة الطفل إلى كتاب شيق "كتاب مثير، ولد مع الكاتب منذ الطفولة واستمر مخاضه طيلة عقود".

فعلا كانت اللحظة متميزة حين اعتلى توفيق المدني الوديع منصة الخطابة ليبوح بأشياء جميلة وقاسية في نفس الوقت لكنه فتح قلبه للبوح الشفاف، وأنصتنا إلى نبضات قلبه باستمتاع وهو يتفحص أوراق كتاباته بنشوة.

ملاحظة:

ـ الروائي والكاتب توفيق الوديع خريج كلية العلوم جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، تخصص في بناء الطرق والقناطر، خبير في إدارة الصفقات العمومية، له عدة مقالات أدبية لسير أعلام وطنية، أصدر سنة 2017، رواية حول مرحلة معينة من تاريخ المغرب، أب لأسامة وسامية.