رغم توفر المغرب على ثروة ثقافية مهمة مجسدة في تراثه المادي واللامادي، فإن الإشكال الذي لازال مطروحا بحسب عدد من الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي هو استثمار هذه الثروة لتحقيق تنمية مستدامة اعتبارا لكون الثقافة أصبحت اليوم ركنا أساسيا ولا غنى عنه في تحقيق التنمية وأحد العناصر الأساسية لتحديث المجتمعات. موضوع طرح للنقاش وشذ أنظار عدد من الخبراء والمهتمين بالموروث الثقافي المغربي بتنوعه خلال ندوة تحت عنوان "مغرب الثقافات" ضمن فعاليات مهرجان " تمازيرت " المنظم بمدينة ايموزار كندر من 3 إلى 5 ماي 2024 .
الندوة التي تابعتها جريدة "أنفاس بريس " سلط من خلالها محمد أمين بنيبوب، أستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وكاتب مسرحي الضوء على أهمية الموروث الثقافي الكبير الذي يحظى به المغرب، ويشمل الموروث المعماري والموروث الفكري والمخطوطات والموسيقى والألبسة الخ، كما أنه موروث متعدد على المستوى الوطني وعلى مستوى الجهات، كما دعا في تصريح لـ " أنفاس بريس " الى خلق مراكز تعنى بالتراث المحلي لكل منطقة بما فيه التراث الموسيقي، الشفهي، التبوريدة..مشيرا بأن هذه المراكز هي القادرة على تصنيف هذا التراث وتوثيقه وحمايته لكي يشكل نافذة ليس فقط للسائح الأجنبي بل أيضا للساكنة المحلية والمواطن المغربي بصفة عامة.
وأشار بنيوب أن هناك اهتمام بالتراث الثقافي من طرف أعلى سلطة في الدولة، كما أن وزارة الثقافة خلقت ما يسمى بالعلامة المميزة، داعيا الى انخراط
الباحثين والمثقفين والمفكرين والمؤسسات المدنية وذوي النيات الحسنة من أجل الحفاظ على التراث وتنميته، علما أنه يهم الجميع ولا يخص فقط الساكنة المحلية لأي منطقة .
كما تطرق الى جهود وزارة الثقافة والشباب والتواصل من أجل تسجيل وتصنيف التراث الثقافي سواء كان تراثا ماديا أو لاماديا، قبل تقديمه الى منظمة اليونسكو، حيث تم تصنيف مجموعة مهمة مثل الملحون، الطرب الأندلسي، التبوريدة..مجموعة من المصنفات التاريخية والأثرية بالمغرب ولكن هذا يتطلب – بحسب بنيوب- تشريعات وطنية لحمايته على المستوى الوطني كي يتمكن المغرب من الترافع حوله على المستوى الدولي .
من زاويته تطرق مسعود بوحسين، فنان وأستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي للثقافة باعتبارها من أفضل وسائل التنمية المستدامة، بحيث أنها عنصر مؤثر في الاقتصاد بشكل غير مباشر كما تشكل عامل ترويج اقتصادي مهم، مشيرا بأن هناك مجموعة من المناطق استفادت سياحيا وتنمويا بتشجيعها للمجال الثقافي ، بينما ظلت مناطق أخرى في خانة النسيان وطنيا ودوليا بسبب افتقادها لإشعاع ثقافي.
وأضاف بوحسين أن السائح اليوم لا يأتي من أجل رؤية المناظر الطبيعية والمعالم التاريخية بل يريد أيضا من أجل رؤية الثقافة والتراث بجميع أبعاده وتنوعاته ، مشيرا بأن المملكة المغربية هي دولة التعددية الثقافية وشعارها هي الوحدة داخل التعدد وهو ما يشكل عنصر غنى بحسب الباحث.
كما تطرق في تصريح لجريدة " أنفاس بريس " الى بداية تشكل الوعي لدى المواطنين وحتى لدى الفاعلين السياسيين بأهمية الثقافة والقطع مع الفكرة التي كانت سائدة بكون الثقافة هي مجال غير نافع، مشيرا الى وجود بوادر للاهتمام بالثقافة بالمغرب سواء من خلال النموذج التنموي الجديد أو من خلال المبادرات الملكية الكبرى، ليخلص بكون المغرب أصبح قوة ثقافية مؤثرة من خلال وجود مهرجانات كبيرة ومعروفة على الصعيد العالمي، علما أنه كان يجد صعوبة في تسويق الثقافة المغربية في وقت سابق، ليظل الإشكال – بحسب بوحسين – في كيفية الاستثمار الأمثل لهذا الثروة الثقافية، وهو ما يحيلنا ليس إلى شق الإنتاج الثقافي أو الإرادة السياسية، بل إلى الشق الهيكلي المرتبط بالقوانين وتنويع أشكال الدعم وتعزيز الثقافة وهو مجال الهندسة الثقافية للإدارة الثقافية والاستراتيجية الثقافية، ولم يفته أيضا التطرق الى دور الجامعة في النهوض بمجال الثقافة من خلال الاهتمام بها في جميع تخصصاتها، كي نتمكن من وضع استراتيجية ثقافية وتكوين مدبرين للشأن الثقافي سواء في التسيير أو في فلسفة الثقافة أو في الجانب الاقتصادي والقانوني والفكري الخ.