برنامج "مدارات": عبد الرفيع جواهري.. شاعر النهر والقمر

برنامج "مدارات": عبد الرفيع جواهري.. شاعر النهر والقمر عبد الرفيع جواهري
في حلقة جديدة من البرنامج الأدبي والفكري "مدارات" ، بثتها الإذاعة الوطنية من الرباط مؤخرا،  استعرض الاعلامي الزميل عبد الإله التهاني، ومضات من التجربة الشعرية للأديب المغربي عبد الرفيع جواهري، وقدم لوحات من أشعاره التي تحول جزء  منها إلى أعمال غنائية خالدة ، على  يد كبار الملحنين والمطربين المغاربة، واصفا تلك القصائد ، بأنها
 أمتعت أجيالا من المستمعين المغاربة. 
■ نبوغ أدبي  مبكر :
واستهل الإعلامي عبدالإله التهاني حديثه الادبي هذا،  بالاشارة إلى أن عبد الرفيع جواهري قد "أظهر نبوغا لغويا ونزوعا أدبيا، وهو بعد طفل ناشئ، يقبل على القراءة الأدبية بنهم وشغف ، ويستظهر نصوصا شعرية من مقروءاته، بحيث كان أعطي الانطباع، وهو يدرس في أحد المعاهد التي أسستها الحركة الوطنية بفاس،  أنه قادم لا محالة إلى حقل الكتابة الأدبية".
 وأضاف قائلا: "ربما يكون انتقاله من فاس إلى الرباط،، والتحاقه للعمل بالإذاعة الوطنية عاملا حاسما في تفجير طاقته الشعرية، وخروجها من بوتقة الكمون إلى ضوء الحياة. لكن الثابت أيضا - يقول معد ومقدم البرنامج - أن مستوى النضج الإبداعي المبكر الذي ميز شعره، كان يسبق تدرجه الطبيعي في مراحل العمر، ومعناه أنه فاجئ أبناء جيله الأدبي، وظهر فجأة في الساحة الثقافية ، كشاعر مكتمل الشاعرية،  دون المرور بالتدرج في البدايات وممهداتها المعتادة، فقد أعلنت قصائده تلك  عن ميلاد  شاعر جيدا ومجيد ، وهو لم يتخط بعد سن العشرين من عمره .
■ إنتاج غزير ودواوين أقل : 
وأشار الزميل عبدالاله التهاني إلى أن  الانتاج الشعري لعبدالرفيع جواهري ، صدر مطبوعا عبر مجموعة من  دواوينه الشعرية، من قبيل "وشم على الكف"، و"شيء كالظل"، و"كأني أفيق" ، وديوان "الرابسوديا الزرقاء".
ولاحظ في هذا السياق، أنه "ربما يكون جزء من إنتاج هذا الشاعر، هو الذي ظهر فقط ، منشورا على أعمدة الملاحق الأدبية للصحف المغربية،  وفي المجلات الثقافية داخل المغرب وخارجه، وكذا في سلسلة  دواوينه التي أصدرها.
ولفت الانتباه كذلك إلى أن هناك شعرا وفيرا ألقاه الشاعر عبد الرفيع جواهري في مناسبات فكرية، وفي أمسيات شعرية وملتقيات ثقافية عديدة، لم ينشر كله حتى الآن".
■ ثنائية الشعر والنثر : 
وأوضح الزميل عبالإله التهاني  "أن الجانب الشعري في الشخصية الثقافية للشاعر عبد الرفيع جواهري،  لم يحجب مجالا آخر كان له فيه إسهام كبير". ويتعلق الأمر بكتاباته النثرية الغزيرة  التي نشرها ، سواء في شكل خواطر أو افتتاحيات، كان يواكب من خلالها كثيرا من المستجدات والأحداث الوطنية والعربية والدولية"
وفي هذا السياق، أشار معد ومقدم البرنامج مدارات بأنه "إذا كانت خواطر عبدالرفيع جواهري ومقالاته الساخرة،، قد صدرت في كتاب يحمل عنوان "النافذة"، وهو نفس عنوان الركن الصحفي الذي كان يكتبه لسنوات طويلة في الصحافة اليومية، فإن افتتاحياته الصحفية يمكن إدراجها في باب أدبيات الفكر السياسي،  لاسيما وأنه أضاف إلى ملكاته الأدبية، تكوينا جامعيا عاليا في مجال القانون الخاص والعلوم السياسية"، وهي الافتتاحيات  التي صدرت في كتاب مستقل عن دار الأمان بالرباط عام 2016، تحت عنوان "التفكير بصوت مسموع : أسئلة للقرن المقبل".
■ ملامح المرحلة الرومانسية في رحلته الشعرية :
 وخلال تقديمه لملامح  التجربة الشعرية للشاعر عبد الرفيع جواهري،  أوضح الزميل عبد الإله التهاني،، بأنها تنقسم إلى ثلاثة مراحل أساسية،  لها ارتباط وثيق بالتحولات التي عرفها مساره الشخصي والفكري والمهني، وأنها ذات صلة بالمجال الجغرافي الذي عاش فيه وتأثر به.
وصنف المرحلة الأولى من إنتاجه الشعري، ضمن المرحلة الرومانسية الحالمة، والتي تبدأ  في نظره بالفترة التي قضاها الشاعر في الرباط ، قادما من مدينة فاس للعمل بالإذاعة الوطنية.
ويرى عبدالإله التهاني أن هذه المرحلة، امتدت لما يزيد عن عشر سنوات، وأنها شهدت ميلاد أغلب قصائده الرومانسية،  التي تغنى فيها بالحب والجمال والطبيعة.
واعتبر عبدالاله التهاني أن تأثير المجال الجغرافي للرباط، كان واضحا على المخيلة الشعرية للشاعر عبد الرفيع جواهري، إلى حد الافتتان، فباتت جماليات طبيعة الرباط،  تتردد في شعره بقوة خلال هذه المرحلة، ومن ذلك مشهد نهر أبي رقرق الذي  كان مصدر إلهام رئيسي للشاعر في هذه المرحلة من حياته، والتي أرخ لها معد ومقدم برنامج "مدارات"، بفترة الستينيات من القرن الماضي، مستشهدا في هذا الباب بقصيدته الخالدة "القمر الأحمر"، وكذلك بقصيدته الفاتنة "قصة الأشواق".
واعتبر عبد الإله التهاني أن الشاعر عبدالرفيع جواهري، رسم بخياله الشعري في هاتين القصيدتين ، لوحة جذابة لقمر الرباط، ولنهر أبي رقراق وضفافه وخلجانه، ولجباله التي تحضن انسياب مياهه ، وتحرس التواءاته .
وعن  خاصيات هذه المرحلة من مساره الشعري،  أكد عبد الإله التهاني أن الشاعر عبد الرفيع جواهري، قد كتب خلالها أجمل نصوصه الشعرية الرومانسية  وهو في العشرينات من عمره. 
وأضاف بأنه" إذا كنا لا نعرف له نصوصا أولى ، سابقة على ما كتبه في هذه المرحلة، فإنه يجوز لنا القول بأن تجربته الشعرية  لم تستغرق وقتا طويلا كي ينضج بناؤها الفني، ومستواها الإبداعي،  مما يحملنا على المراهنة بالقول كذلك،، بأنه ولد شاعرا جيدا ومجيدا بشكل مبكر ، وفي سن مبكرة من شبابه".
ولم تفته الإشارة إلى أن هذه المرحلة الرومانسية في شعر عبد الرفيع جواهري، تمتد لتشمل أيضا عددا من قصائده الرائعة ومنها قصيدة "ميعاد"،  وقصيدة "رموش"، وقصيدة "راحلة" وقصيدة "الشفاه الحمر" ، وكلها نصوص كتبها بين 1963 و 1970، وعمره دون الثلاثين. ووصف معد ومقدم  البرنامج الإذاعي "مدارات " هذه القصائد، بأنها ":كانت  صدى قويا لرؤية الشاعر  الرومانسية الحالمة،، بكل ما تعكسه من انفعالات وجدانية وارتجاجات عاطفية، تخفق بالحب والعشق،  وتحتفي بالجمال" . 
■ الشاعر والقضايا الإنسانية :
وحدد الإعلامي عبدالإله التهاني،المرحلة الثانية من التجربة الشعرية للشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري، بالفترة التي تبدأ من مغادرته العمل الإذاعي لمزاولة مهنة المحاماة ، مبرزا  
بأن "المحتوى الرومانسي قد تراجع في شعره خلال هذه المرحلة، مقابل حضور قوي للقضايا الإنسانية والقومية.
واعتبر  أن ديوانه الشعري الأول "وشم في الكف" الصادر عام 1981، هو من أبرز عناوين هذه المرحلة الثانية من مسيرته الشعرية،  وهي مرحلة تنتمي إلى مفهوم الشعر الملتزم بقضايا الإنسان،  وبقيم الحق والعدل والحرية.
واللافت ـ حسب الأستاذ عبد الإله التهاني -  أن النصوص العديدة التي أنتجها الشاعر عبد الرفيع جواهري في هذه المرحلة من مساره الشعري ، لم تخل على مستوى اللغة، من عناصر الرقة والعذوبة التي كانت
 تطبع قصائده في المرحلة الرومانسية، لكن مع تغير جوهري في المحتوى .
كما لاحظ أن بعض النصوص التي كتبها الشاعر عبد الرفيع جواهري خلاله المرحلة الثانية من مسيرته الشعرية ، لكي تتحول إلى أعمال غنائية، لم تخل بدورها من تأثيرات هذا التحول الفكري في الكتابة الشعرية عند عبد الرفيع جواهري ،مستشهدا في هذا الباب بقصيدة  "أغني لها "، والتي أدتها الفنانة الراحلة رجاء بلمليح ، حيث شكل موضوع الحرية ،محورا أساسيا فيها.
■ المرحلة الثالثة من سيرته الشعرية : 
وتوقف الإعلامي الزميل عبد الإله التهاني عند المرحلة الثالثة، في المسار  الشعري للشاعر عبد الرفيع جواهري، والتي اعتبر أنها  تبدأ من تسعينات القرن الماضي وربما هي مستمرة حتى الآن،  واصفا إياها بأن هذا الشاعر "استعاد خلالها إلى رؤيته الرومانسية، منصتا لإيقاع روحه وذوب وجدانه، وعاد بشعره إلى ينابيعه الأولى، محتفلا بآهات العشق ومفاتن الطبيعة ومباهج الوجود" .
ولاحظ  أن الشاعر عبدالرفيع جواهري في هذه المرحلة "كتب نصوصا تفيض رقّة وعذوبة، بعضها يتغنى بالحب، وبعضها الآخر يحتفي بمدن تاريخية،  ظلت تسكن وجدناه،  ومن ذلك مدينة فاس التي خصها بقصيدة جميلة ، نشرها ضمن ديوانه الصادر عام 2010، تحت عنوان "كأني أفيق"، و نفس الأمر فعله مع مدينة مراكش،  التي استوحى من طبيعتها قصيدته المسماة "لحن الجنوب".
واعتبر  الإعلامي عبدالاله التهاني أن هذه المرحلة من المسار الإبداعي  لعبدالرفيع جواهري ، تؤشر على عودته لكتابة القصيدة الغنائية،  حيث تحولت مجموعة من نصوصه إلى أعمال غنائية ، أدتها أصوات فنانات مغربيات بارزات.
واللافت حسب الزميل  عبد الإله التهاني، أن الشاعر عبد الرفيع جواهري خلال هذه المرحلة من عطائه الشعري، قد لجأ إلى المزاوجة بين النفس العاطفي الوجداني، وبين إعادة استحضار تعلقه بمنظومة القيم الفكرية، التي ترددت في أشعاره خلال حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات،  وفي طليعتها قيم الحرية والتحرر، ومناصرة القضايا العادلة.
وكان مسك ختام هذه الحلقة الادبية، على شكل فسحة في رحاب حديقة الشاعر عبد الرفيع جواهري الشعرية ، حيث  قدم  معد ومقدم برنامج "مدارات"، قراءة في منتخبات من  القصائد الوجدانية للشاعر  عبدالرفيع جواهري، التي كتبها بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي،  وتحولت إلى أعمال غنائية خالدة ، حظيت بنسبة عالية من الانتشار، وحظيت بإعجاب واستحسان  من أجيال المستمعين المغاربة.