اليزيد بركة: المصطلحات السياسية الخاطئة مصيدة للفكر والممارسة

اليزيد بركة: المصطلحات السياسية الخاطئة مصيدة للفكر والممارسة اليزيد بركة
كثيرا ما أصادف في كتابات كثيرة بالمغرب مصطلحين متقابلين هما: الاسلاميون واليساريون، أو الاسلاميون والعلمانيون. والمقصود في تلك الكتابات هو إشارة الى تقابلهما المضاد أو المخالف والحقيقة أن المصطلحين لا يؤديان الرسالة المراد تبليغها،بل تضللها وتحجب الواقع .
يعيش المجتمع المغربي ارهاصات بالغة الحدة حول مجمل نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية .. وتتقابل في هذا الصراع قوى منظمة وأحيانا غير منظمة كل منها يحمل تصورات ورؤى حول الراهن والمستقبل ضمنه بطبيعة الحال تصورات ودروس مختلفة حول الماضي. هل يمكن أن يعبر المصطلحان السابقان عن كل تلك القوى؟ لا يمكن. ولنتجاوز، ونقول أن من يطرحهما لا يقصد كل قوى المجتمع، بل يقصد فقط إثنان منها هما الاسلاميين والعلمانيين لكن هل المنظمات الاسلامية في المغرب تعبر حقيقة عن كل الاسلاميين؟ كلا، وما المقصود بالإسلاميين في هذه الحالة، هل كل مسلم ملتزم أو كل حتى غير الملتزم، أو بالتعداد الرسمي الذي يعد على اساسه كل من ولد في بلد مسلم .. ؟ وما المقصود بالعلماني هل المعنى المبتذل المغرض الذي يعني الملحد أو الكافر أو المعنى العلمي الذي هو فصل الدين عن الدولة؟ ومن من منظمات اليسار بالتحديد يحمل المعنى الأخير؟
إن هذه المقابلة كتضاد وصراع تعبر عن غموض مقصود، وواضعها ليس اليسار بل الجهة التي لها مصلحة في التضليل واظهار كفة ثقيلة مقابل كفة خفيفة، اظهار قوة كاسحة في المجتمع مقابل أقلية محدودة وضعيفة. ودائما ما تبتكر القوى الرجعية المدافعة عن القديم مصطلحات تحاول أن تدجن بها صراع ما وتغلق عليه منافذ التطور.
تاريخيا، حتى كلمة الكافر والملحد لم يخترعها الفرد ليصف بها نفسه بل الذي اخترعها هو من يحمل رسالة دينية ضد من كان وثنيا وفيما بعد ضد حالات جديدة وكثيرة في إطار صراعات جديدة. واذا وقفنا على الصراع في المجتمعات الاوروبية نجد أن الافراد الذين لا يؤمنون بوجود الله يسمون أنفسهم الماديين، وقد كانوا قوة لا يستهان بها، وماركس لما خالفهم، وكان منهم في شبابه، وخالف في نفس الوقت من يؤمن بالفكرة فقط على انها هي المحددة، وجمع بين المادة والفكرة، وقال ان الواقع مادي جدلي في نفس الوقت، وفي نهاية المطاف مادي، أصاب المادية الصرفة في مقتل.
وقد أورد مثالا بالحروب الصليبية التي سيطرت فيها فكرة المسيحية وجيشت كل شعوب اوروبا بها لمدة تفوق اربعة قرون لكن ولو كانت هناك فكرة الدين مسيطرة لكن مصالح مادية هي جوهر تلك الحروب، وقد تهكم ماركس من غباء البورجوازية التجارية الاوروبية وقال انها لم تفهم مصالحها طوال كل هذه المدة وكانت تابعة للكنيسة. وحاليا الصهيونية منذ نشأتها لم تتحرك بفكرة بل بأسطورة فقط ومع ذلك ما تزال تغذي الواقع وتسيطر لكن جوهر الصراع هو مادي في نهاية المطاف.
في هذا العصر، ومنذ مدة طويلة مصطلح الماديين أو الملاحدة أو الكفار، كل من يستعمله، يلجأ الى التضليل واخفاء حقيقة الصراع الذي يجري على مستوى العالم وعلى مستوى كل مجتمع.
في المجتمع المغربي، أدق مصطلحين يعبران عن الصراع الذي يجري فيه إذا وضعنا جانبا الصراع بين اطياف المجتمع وبين قوى الدولة السياسية والايديولوجية والقانونية المسيطيرة هو: الأصوليون والتقدميون،أو النصيون الدينيون والتقدميون ، وهكذا بمصطلح الأصوليون يتم ابعاد كل من يرتاد المسجد، ولكنه يريد أن تحدث عدة اصلاحات في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من مصطلح الاسلاميين ، وبالتالي تضعه في خانة التقدمي ، بحيث ان واضع المصطلحين في تقابل كان يرمي الى جعله مسلما فوض تنظيما اسلاميا ما امر التكلم باسمه ، والحال ليس كذلك . كما ان اليساريين او العلمانيين لا تعبر عن كل من يخالف الاصولية او النصية او الحاكمية، وواضع التقابل يريد أن يبعد كل ملتزم بالدين عن اليسار ويجعله في تضاد معهد بما يركز فكرة اليسار على انه كافر ضد الدين، في حين ان اليسار يعتبر الدين معطى روحي للشعب المساس به هو مساس بأمنه، وهذا المنطلق ينادي بألا يتم اقحامه في الصراع السياسي والاقتصادي. إن الاسلام في جوهره إذا تم إبعاد الاغراض الذاتية لأي داعية هو دين يفتح الباب من خلال النصوص التي تحث على المصلحة العامة ومن هنا من الخطأ وضع خط أحمر بين اليسار بين أو التقدميون وكل متدين بالإسلام.