كمثال صريح يشبه إلى حد بعيد ما نحن بصدده . ولو بدرجة متفاوتة فالأطباء ينتفضون ضد العشابين بعدما دخلوا ميدانا ليس من اختصاصهم، رغم تكامل الأدوار وتباينها، بل تراهم ينعثونهم بأقبح النعوت . رغم ان هناك عوامل أخرى خارجية تعد السبب الرئيسي، كون شريحة من المجتمع مستواها وطريقة عيشها استوجبت اللجوء للعشاب بدل الطبيب . وهو أمر ليس اختيارا بل فرضه واقع اقتصادي وأملته شروط مجحفة من خلال تدني الدخل الفردي وغلاء الكلفة الصحية وانعدام الخدمة العمومية. كلها شروط استقوى بها العشاب على الطبيب رغم أننا نلاحظ أن كلا الطرفين يمارسان المهمة بدرجات متفاوتة حسب المنطقة والبيئة. نخلص في النهاية إلى ثلاث معطيات أساسية، الأولى أن تسند الأمور إلى أهلها والثانية ان نحترم الاختصاص بدل التطفل عليه والثالثة أن نرتب الأولويات في واقعنا المعيشي.ونقاشنا العمومي. فلا يمكن الحديث عن استنتاجات واقع متغير بمسلمات لاتقبل التغيير . فقبل السعي لتغيير بعض ثوابث الدين الأولى توزيع عادل للثروة وتحسين ظروف الناس الاقتصادية والحقوقية بما يحفظ كرامتهم كاولوية تبنى عليها كل الاجتهادات لا أن نجعل الوضع الشرعي مطية لأهداف دخيلة قد تنسف لامحالة ودون أن ننتبه الهوية والخصوصية للدين، كمقتضى دستوري يأتي في الديباجة ويحتل فيها مكانة مهمة من الواجب علينا احترامها. مواجهة الطبيب للعشاب تشبه لحد بعيد الفقيه والمتقول ونقصد بهذا الأخير من لايملك أدوات تحليل مقاصد الشريعة. الملاحظ ان مجال الدين الكل يتكلم فيه بدون معايير ولا شروط. كثيرة هي الأدلة التي توصي بل تحذر من اقتحام هذا المجال بدون علم .لكن نحن مطمئنون لما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس (لن احل حراما ولن احرم حلالا ) كما أن الكلمة الفصل في النهاية سترجع إليه .
للمناظرة آداب من المفروض أن تحترم لكي نسميها باسمها الحقيقي، فمن الواجب أن يتم الاتفاق أولا على إطار النقاش ومنطلقاته الفكرية بل وحتى أدواته ومراميه وما الغايات القصوى التي نروم بلوغها ؟ وماهي الحدود التي من الواجب احترامها حتى لانسقط في الشذوذ من الأفكار التطرف فيها وأن نوازي بين الوصول للحقيقة وبين احترام افكار الآخرين لا أن نركب الحماسة لتسجيل أهداف في مرمى الآخر أو اسقاط خصم مفترض .فالخاسر في النهاية فهمنا للدين بنعراته وشطحاته وليس شيء آخر .