مضطر أخوكم لا بطل، إلى العودة لموضوع حجز أمتعة فريق نهضة بركان وإبقاء الفريق بمطار بوخروبة لأكثر من عشر ساعات، بسبب ممارسة هذا الفريق المغربي لحقه الطبيعي والمشروع في وضع خريطة وطنه على أقمصته الرياضية، التي أقرتها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم باعتبارها زيّاً رياضياً قانونياً بناءً على لوائحها الرسمية!!!
المصيبة أن الأمر لم يقف عند هذا الحد من السلوك، الكاريكاتوري بامتياز، والذي يستدعي بكل جِد تدخّل أخصّائيي الطب العقلي والنفسي وعلماء الاجتماع لوضع تصوّر تشخيصي لهذه الظاهرة الجزائرية، التي لا يجود الزمان بمثلها في أكثر البلدان تخلفاً، وأشدّها "غياباً جَمْعِياً" عن الواقع، وعن كل قواعد التعامل الدولي والعلاقات الدولية، وأتحدّى أيَّ باحث أو دارس أن يأتينا بمثيل لهذا الذي يقع، بين قصر الموراديا ورئاسة الأركان الحربية ومطار بوخروبة، في جزائر لم تعد تعرف ما تريد وما تقول ولا ما تفعل، أمام عالم يستلقي على قفاه من شدة الضحك!!! فكيف ذلك؟
* أول ما تحجج به المسؤولون الجزائريون أن وجود خريطة المغرب كاملة على صدر التيشورت الرياضي الخاص بفريق نهضة بركان يعتبر عملا سياسياً مقصوداً يُراد به استفزاز الجزائريين، علما بأن دولتهم تدّعي أنهم غير معنيّين بالنزاع الذي افتعلته هي ذاتُها حول الصحراء المغربية "الجنوب/غربية"، وبالتالي فلا علاقة لها بخريطة المغرب من الأساس!!!
* بناء على هذا الموقف غير المشروع وغير المعقول، والذي يشكّل تدخلا سافراً وغيرَ منطقي ولا معقول ولا مشروع في شأن شديد الخصوصية يتعلق بفريق لكرة القدم يتمتع بوضعية قانونية لا غبار عليها إزاء لوائح الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بما في ذلك حصوله رسمياً ومنذ نحو ثلاث سنوات على الاعتماد الرسمي لزيه الرياضي الخارجي، وكذا قميصه الذي يلعب به مبارياته الدولية، وفي صدريته خريطة المملكة المغربية كاملة وغير منقوصة، لأن ذلك يعتبر شاناً سيادياً لا دخل للكاف فيه ولا صلاحية لها أساساً في قبوله أو رفضه، ولذلك أقرته مصالحُها المختصةُ بدون أدنى تردد... أقول: بناء على هذا الواقع، حرّك نظام الجزائر إعلامه وذبابه ليبث مقالات وتعاليق بهلوانية ركّز فيها فطاحلتُه على الجانب "الاستفزازي" الذي كرسته خريطة المغرب "المكمولة"، وكأن هذه الخريطة، بالذات، شكّلت مساساً بالأمن القومي لدولة الجزائر "العظمى"، التي يتضح من هكذا مواقف وهكذا ضجيج بأنها لا تساوي وزن ريشة في التقييم الدولي لأوزان الدول والأنظمة... وما زال إعلامهم يبكي ويصرخ ويُرغي ويُزبد ويُقسم بأغلظ الأَيْمان أنه لن يترك الأمر يمر بالسهولة التي كان يتصورها فريق نهضة بركان... وكل هذا وفريق النهضة البركانية يمارس حياته بشكل عاديّ حتى أنه أجرى بعض التداريب فوق بلاط المطار أثناء احتجازه تحت سقفه، بنفس الطلاقة التي أدى بها صلاة الجمعة جماعةً فوق نفس البلاط بلا ادنى حرج، لأن الذين وضعوا أنفسهم في شديد الحرج هم حكام هذا البلد المضروب في كل قيمه ومقوّماته!!!
شخصيا، أعتقد أن شنقريحة، وهو صاحب هذه الفلتات القياسية في غبائها وبلادتها بكل تأكيد، يجلس منذ بداية هذه المسرحية أمام زجاجة كحول من الحجم الكبير، وهو يُعربد ويوجه أوامره لكل محيطه المغيَّب وعيُه بالاستمرار في نفس المنحى ولو على حساب سمعة بلد لم تعد له أيّ سمعة، بالمفهوم المتعارف عليه عالمياً لهذا الاصطلاح!!!
* في أَوَارِ هذه المعركة الدونكيشوتية، التي يحارب نظام الجزائر فيها طواحين الهواء، والعالم من حوله لا يزال مستلقٍ على قفاه من شدة الضحك، وجّهت الجامعة الملكية لكرة القدم رسالة إحاطة رسمية استعجالية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم، الذي لم يتأخر في إرسال كتاب جوابي إلى الاتحادَيْن المغربي والجزائري، يؤكد فيه مشروعية القميص الرياضي لنهضة بركان، بوصفه معتمداً من لدن الكاف من جهة، ولكون الفريق البركاني يمارس به رياضته ويُجري به مقابلاته الدولية طيلة السنوات الثلاث الماضية من جهة ثانية، وطالب الاتحاد الإفريقي الاتحاد الجزائري في نفس الرسالة الجوابية بإعادة أمتعة الفريق البركاني لهذا الأخير حتى يتسنى له استكمال استعداداته للمباراة المقرر إجراؤها في الساعة الثامنة من مساء يومه الأحد 21 أبريل كما كان مسطَّراً في برنامج الكاف.
* ولأن الزين ينبغي ان يكتمل من جميع جوانبه، فقد كان رد الاتحاد الجزائري أنه لن يسلّم الفريق المغربي أقمصته، التي تحمل خريطة المغرب، وأنه مقابل ذلك قد اتخذ مبادرة في غاية الكرم، حيث اقتنى أقمصة جديدة "من الطراز الرفيع" كما قال، للفريق البركاني، ووضعها رهن إشارته بمستودع الملابس حتى يرتديها أفرادُه أثناء جريان المباراة المرتقبة... وهذا تدبير لا أعتقد أن "والت ديزني" كان سيفطن إليه في كل مساره "الكارتوسينمائي" المثالي والذي حمله إلى سماء العالمية، بل من الأكيد أن دهاقنة الجن في مُلك سليمان ما كان ليخطر ببال أحد منهم مثل هذا الردّ العبقري رغم تطويعهم لقوانين الفيزياء، وطيّهم للمسافات، وافتضاضهم لبكارة الحيز الوقتي l'espace-temps في نقل أحدهم عرش بلقيس من مملكة سبإ إلى مجلس سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه!!!
* ودائما لكي تكتمل الفرحة بالنبوغ الجزائري، حقق أهل هذا النبوغ قفزة قانونية نوعية غير مسبوقة ولا تخطر ببال احد من العالمين، عندما اعتبروا الرسالة الجوابية للكاف على الإحاطة المغربية كما لو كانت قرارا قانونيا رسميا يقتضي الطعن فيه لدى دوائر رياضية دولية أعلى درجة، فوجهوا "مذكرة استئناف" إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، حتى وهم يعلمون بأن هذا الجهاز العالمي بقده وقديده لن يتسنى له أن يجتمع لمجرد إشارة من رئيس الاتحاد الجزائري المغلوب على أمره، وأن يُصدر أمره المخالف لموقف الكاف، علما بأن هذا الأخير لم يفعل سوى أنه أخبر الجزائريين بأن القميص المفترَى عليه مشروع وقانوني ومعتمد من لدنه منذ سنوات وبالتالي لا غبار عليه!!!
نهايته.. نحن هنا أمام حالة مَرَضية مستعصية يَلزَمُها، بكل جِد، ان تُعرَض على أخصائيي "الأمراض العقلية الجماعية"، لأن الأمر هنا يتعلق بدولة بنظامها وإعلامها ومسقّفيها، عفواً مثقفيها، الذين يبدو أنهم يمارسون غياباً مزمناً، أعتقد شخصياً أنه السبب فيما تنحدر إليه هذه الجارة من الدمار المفاهيمي والبَوار السياسي والدبلوماسي والإعلامي وكذا الرياضي بينما مثقفوها وقواها الحية في واد آخر...
نسأل الله السلامة والعافية!!!
محمد عزيز الوكيلي/إطار تربوي