في هذا الحوار مع الأستاذ محمد أمغار، المحامي بهيئة الدار البيضاء، يتحدث عن ارتباط المال العام بالأحزاب السياسية، وكيفية تدبير الدعم العمومي الذي تتلقاه من الدولة، وذلك على ضوء تقرير المجلس الأعلى للحسابات الأخير..
كيف يمكن الحديث عن حماية المال العام في دعم الدولة للأحزاب السياسية على ضوء التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات؟
هناك تحولات كبيرة عرفها المغرب بعد دستور 2011،من حيث الصلاحيات التي منحت للهيئات الدستورية من أجل مراقبة المال العام بشكل مباشر أو غير مباشر. ودستور 2011 من خلال المادة 147 أضاف للمجلس الأعلى للحسابات مجموعة من الصلاحيات، عبر تدقيق حسابات الأحزاب السياسية، لأن هذا الأمر لم يكن مطروحا في علاقته بالمال العام، وحتى على مستوى البنيات التنظيمية والإطار القانوني المنظم للأحزاب السياسية، أعطى أيضا مجموعة من القواعد المرتبطة بمراقبة مالية هذه الأحزاب، ومن بينها أن هذه الأخيرة أصبحت ملزمة بإحالة ميزانياتها أو حساباتها السنوية على المجلس الأعلى للحسابات لكي يراقب ماليتها لما لذلك من ارتباط بالمال العام الذي تتوصل به على شكل دعم، بل هو من أهم مصادر تمويل الأحزاب السياسية، والدعم يعرف عدة أشكال، وبالتالي فإنه في إطار الشفافية والمحاسبة فإن الأحزاب ملزمة بكشف حساباتها المالية للمجلس الأعلى للحسابات..
على ضوء هذه المراقبة أثيرت مؤخرا ما عرف بالدراسات حيث برزت اختلالات في تفويتها لمقربين من الأحزاب وقياديين خلقوا مكاتب دراسات، وهو ما أثار سخطا اجتماعيا جراء هذا الإهدار في المال العام دون تبيان أثر هذه الدراسات ميدانيا، كيف تعلق على هذا؟
من بين أشكال الدعم نجد الدعم السنوي الممنوح للأحزاب في إطار التسيير، وهناك دعم مرتبط بتمويل الحملة الانتخابية، وكذا دعم تنظيم المؤتمرات مرة كل أربع سنوات، وهناك دعم آخر يتجلى في القيام بدراسات من أجل تقوية الوظيفة التأطيرية للأحزاب وتحقيق النجاعة الحزبية. وبالتالي فالمفروض أن تكون أوجه صرف الدعم للأحزاب المدعمة هي للأوجه المعمول بها والجاري بها العمل، سواء عن طريق المحاسبة المحددة من طرف مراسيم وزارة الداخلية أو القوانين المطابقة لعمليات الصرف، أو ما يسمى بالقانون المحاسبي..
الدراسات موضوع النقاش المجتمعي مؤخرا ليست جديدة أو طارئة على الساحة الحزبية. وبالرجوع للتقارير السابقة للمجلس الأعلى للحسابات، نجدها في العشرية الأخيرة، تظهر جلية في تقاريره عبر الملاحظات ردا على ما توصل به من الأحزاب السياسية، وإذا كان هناك خرق أو عدم فهم لأوجه صرف هذا الدعم العمومي، ما دام أن بعض الأحزاب تفتقد لأطر محاسباتية، يتم تضمين ملاحظات المجلس قصد إصلاح ما يمكن إصلاحه وتدارك ما يمكن تداركه في أجل زمني لاي تعدى 30 يوما، مع ترتيب الجزاءات القانونية كما هي مسطرة. وبشكل عام نجد الخلل في عدم الإلمام بالنصوص المرتبطة بالحسابات وكذا التدبير المالي، مما يوقع بعض الأحزاب في اختلالات مالية، مثلا إذا كان صرف أكثر من 10 آلاف درهم نقدا فإن ذلك يشكل خرقا قانونيا، لأن القانون يلزم في هذه الحال الأداء بالشيك، وكذا أن تكون الفوترة مستكملة الشروط الضريبية والتجارية..
كيف يمكن الحديث عن ضعف التدبير المالي لأحزاب مرشحة أن تكون غدا في الحكومة، وبالتالي الإشراف على تدبير الشأن العام للبلاد؟
نحن الآن نتحدث بشكل عام، والسؤال هو هل الأحزاب اليوم تقوم بدورها الموكول لها دستوريا من حيث التأطير والتوفر على برامج لتنزيلها على أرض الواقع، وهل لها من الكفاءة البشرية لذلك، ومع ذلك فالأحزاب سواء في المعارضة أو الحكومة، تمارس السلطة، وتدبر الشأن العام في عدد من الفضاءات، برلمان، جماعات ترابية.. وبالتالي فالأصل هو أن تكون لهذه الأحزاب أطرا في مستوى عالي للتدبير والتسيير. لكن واقعيا نحن نعرف حالة الأحزاب في بلادنا، مما يجعل هذه الاختلالات تتكرر عند كل إصدار جديد لتقارير المجلس الأعلى للحسابات.
دعم الدولة للدراسات لدى الأحزاب، يطرح نقطتين، ما هو أثر هذه الدراسات والجدوى منها، وكذا الجهة الموكول لها، هل هناك ضوابط قانونية للتأطير؟
أعمال المجلس الأعلى للحسابات ينبغي أن تتجاوز المشروعية إلى الملاءمة، وهنا يطرح مدى الفهم للنص القانوني. فعندما نتحدث عن حزب قام بدراسة معينة من أجل استجماع المؤشرات واستخدامها في التحليل والخروج بخلاصات عملية، فهذا محمود وهذا من صلب عمل الأحزاب. لكن النص القانوني غير واضح في مسألة دعم الدراسات، هل هي لتقوية البنيات التنظيمية للحزب أم لوضع أرضية تهم السياسية العامة للبلاد؟
بالنسبة للنقطة الثانية المتعلقة بالجهة الموكول لها هذه الدراسات، أيضا القانون غامض، ولم يبين هل هي موكولة لأطر الحزب، أم لخبراء خارج المنظومة الحزبية، وهل الدراسات تتم بناء على صفقات أم تمنح دون منافسة.
شكل أخر هو لابد من آلية لمراقبة مدى جدية هذه الدراسات، من حيث عناوينها أو أثرها سواء على المنظومة الحزبية أو السياسة العامة للبلاد، بمعنى أن حزبا ما عندما يطالب بإنجاز دراسة لها علاقة بالتنظيم الداخلي أو الشأن العام، ينبغي أن تتسم الدراسة بالجدية، ولامبرر بأن تكون الدراسة موجهة لتقوية التنظيم الداخلي، حتى يتم السكوت عنها، لأننا أمام، أولا، تنظيم علني، وكذا ثانيا أمام مال عام يمنح لهذه الدراسة. ففي جميع الأحوال دعم الأحزاب هو لتجويد عملها بالدرجة الأولى، وليس لأمر آخر، وكل هذا يصب في نجاعة الحياة السياسية ببلادنا..
بالحديث عن دعم الدولة للأحزاب، في مختلف الأشكال، يلاحظ المتتبع أن مصاريف بعض الأحزاب ومرشحيها في الحملات الانتخابية يفوق الدعم العمومي أضعافا مضاعفة، حتى تحدث البعض عن تبييض الأموال عند بعض السياسيين، ألا يمكن التخوف من أن تصبح الحياة السياسية المغربية أشبه بنظيرتها في بعض دول أمريكا اللاتينية، في ظل هذا الفساد الحزبي لبعض المتابعين قضائيا؟
نعم، نحن الآن نناقش تمويل الدولة للعمليات الانتخابية، ويمكن القول أن هناك معايير موضوعية، وإن بشكل غير مطلق، في صرف هذا الدعم العمومي للأحزاب، وفق حجمها ومقاعدها وتنشيطها للحياة السياسية.. وكلما كانت هناك تغطية حزبية جغرافيا ومقاعد محلية، يكون الدعم أكبر.
بالنسبة لصرف بعض الأحزاب مبالغ كبيرة في حملاتها الانتخابية فهذا يعود لحجمها، ما دام أن هذا الدعم بالنسبة للأحزاب الكبرى لايشكل لها نسبة كبيرة، مقارنة مع أحزاب صغرى لا مدخول لها سوى الدعم العمومي الذي يصل أحيانا إلى 80 في المائة. وبالتالي فإن هناك أحزابا تتوفر على رجال أعمال يمنحون هبات لأحزابهم، وهي هبات طبعا محصورة ماليا، ولايمكن أن تتجاوز 600 ألف درهم سنويا، وكل تجاوز هو مخالفة للقوانين والأنظمة المعمول بها، كل هذا من أجل حماية الحياة السياسية من أي مال مشبوه أو تبييض للأموال، كما هو عليها الحال في بعض دول أمريكا اللاتينية، التي تسيطر فيها مافيات خطيرة على القرار السياسي،
وحسنا فعل المشرع المغربي عندما تشدد في ضبط مصادر التمويل الحزبي، وأخطر ما يمس ويضرب مصداقية الحياة السياسية هو دخول المال المشبوه في العملية الانتخابية. ومن يسعى لذلك لايريد المصلحة العامة بقدر ما يتوخى مسائل ومنافع شخصية، والقضاء صارم في هذه القضايا، ويتصدى لها بحزم كبير.