في معارض الكتب تحضر الروايات والأجناس الأدبية والكتب الدينية، بينما تغيب الكتب الرياضية عن رفوف أروقة دور النشر المشاركة. هذا وجه من أوجه فقر المكتبات الرياضية ودليل على أن التوثيق الرياضي يبقى آخر اهتمامات القائمين على الشأن الرياضي باستثناء مبادرات فردية، بالرغم من شعبية كرة القدم وحضورها في المجتمع المغربي قبل عهد الحماية.
متحف كرة القدم يكشف أزمة التوثيق الكروي في المغرب
في الأسبوع الأخير من شهر مارس 2024، تعززت المرافق الرياضية في المغرب بمتحف خاص بكرة القدم، داخل مركز محمد السادس لكرة القدم بالمعمورة ضواحي سلا، بغاية «المحافظة على الموروث التاريخي والحضاري والرياضي للمغرب وتثمينه».
رغم أهمية المبادرة ودورها في حفظ الذاكرة، إلا أنها تأخرت عن موعدها بسنوات طويلة، بالنظر لتاريخ كرة القدم المغربية، والأحداث والمسابقات والوجوه والإنجازات الكثيرة التي شهدتها هذه الرياضة في بلادنا.
رغم التأخير سيبقى متحف كرة القدم المغربية، «أول فضاء من نوعه يساهم في حفظ الذاكرة الكروية الوطنية وتثمين رصيدها التاريخي، ويسلط الضوء على أهم انجازاتها ونجومها ومحطاتها المضيئة»، كما جاء في البلاغ الرسمي الذي أعقب تدشين هذا الفضاء الذي سيعيد الاعتبار للأرشيف الرياضي والتوثيق.
قبل التدشين بحوالي سنتين، استدعت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مجموعة من الصحافيين ودعتهم للمساهمة كل من موقعه في دعم مبادرة إحداث متحف رياضي، وتقديم أفكار من شأنها إخراج الفكرة إلى حيز التنفيذ.
غاب خبراء الأرشيف الرياضية وغاب المهتمون بالتوثيق، وغاب أيضا الباحثون في تاريخ الرياضة المغربية والمختصون في «الأرشفة»، وانكب فريق العمل على جمع الوثائق والمستندات والقمصان والبذل الرياضية والكؤوس لتعزيز المتحف.
نور الدين عقاني، رئيس الجمعية المغربية للأرشيف الكروي، أوضح أن مجال التوثيق الرياضي بالمغرب لا زال بكرا يحتاج للمزيد من الوقت حتى ينضج. وقال: «في هذا الإطار تكلفت مجموعة فتية منبثقة من العالم الأزرق بكتابة تاريخ الكرة في المغرب وبالضبط منذ نيل الاستقلال. مجموعتنا تضم أفرادا يشتغلون في صمت، يقومون بتنقيح المعلومات و بالبحث في عدة مصادر، عن طريق البحث في الجرائد القديمة والمجلات والموسوعات على قلتها، مع الاعتماد على الروايات الشفهية من فم شاهدين على العصر. الإخوة الأرشيفيون يتحملون عناء التنقل ومشاق استخراج الحقيقة الرياضية من أجل خدمة للوطن بالمجان».
فقر المكتبة والصحافيون ينوبون عن المؤرخين
أمام فقر المكتبة الرياضية يطرح سؤال جوهري حول الأسباب وراء غياب المؤلفات الرياضية أو ندرتها، مقارنة بأجناس أدبية وعلمية تاريخية أخرى.
لكن لابد من ربط غياب ثقافة التأليف بغياب ثقافة قراءة الكتاب الرياضي أيضا، في زمن ارتفاع تكاليف الطبع، وطغيان الصورة والانترنيت على تقاليد النشر الورقي. ورغم ذلك أصر مجموعة من الكتاب، أغلبهم يحملون الصفة الصحفية، على تدوين تاريخ الحركة الكروية المغربية من مختلف الزوايا خاصة عبر سير ذاتية لرياضيين طبعوا تاريخ الكرة في بلادنا. أبرزهم الحسين الحياني وعبد لله رشد ونور الدين كديرة ولينو باكو ومنصف اليازغي وعبد العزيز بلبودالي ومحمد التويجر وسمير شوقي وأحمد ذو الرشاد ومصطفى العشماوي ويونس خراشي وبلخير سلام وبدر المقري وعبد الكريم لشهب وحسن بورحيم، واللائحة طويلة، إلا أنها تظل مجرد مبادرات شخصية من أصحابها، أو مبادرات من جمعيات تابعة للأندية حين يتعلق بتأريخ مساراتها.
عزيز بلبودالي، الكاتب الصحفي، اعتبر التوثيق الرياضي علما يحاول النبش في الذاكرة الرياضية الوطنية. وقال: «نعلم أن الرياضة في المغرب انطلقت منذ أكثر من قرن، وقدمت أبطالا وبطلات حققوا ألقاب قارية وعالمية وأولمبية فكان من العيب ومن العار أن يتمدد هذا المسار بخارا في السماء فكان من الواجب الحفاظ عليه من أجل معرفة الماضي».
وأضاف بلبودالي بأن «الكتب التي تطرقت للتأريخ الرياضي المغربي يبلغ عددها 104، غالبيها تسلط الضوء على سير ذاتية لبطل أو لتاريخ ناد من الأندية، مقارنة مع بعض الدول العربية كمصر مثلا التي تجاوزت 8 آلاف كتاب حول تاريخ الرياضة المصرية».
تكاليف الطبع وغياب المستندات والثورة الرقمية تعطل التأليف
هناك عدة عوامل ساهمت في ندرة المؤلفات الرياضية، لخصها بعض المراقبين في مشكل المقروئية في زمن الفايسبوك والانترنيت واليوتوب، إذ يفضل الناس - حسب هذا التفسير - متابعة «فيديو» حول نجم من نجوم الكرة بدلا من مطالعة كتاب حول سيرته ومسيرته.
بينما ترى فئة من المتتبعين بأن غلاء تكاليف الطبع، ناهيك عن صعوبة العثور على دار نشر تقبل بطبع المؤلفات الرياضية، والاعتماد على الروايات الشفوية وغياب الوثائق والمستندات وندرتها ساهم في فقر الكتابة الرياضة. لهذا يعول على الصحافيين في التأليف أكثر من الاعتماد على الباحثين في التاريخ الرياضي وفي السياسيات الرياضية وفي القانون الرياضي.
ويرى البعض أن الأندية المغربية لا تعير اهتماما للذاكرة، إلا من خلال صور وكؤوس تزين مقراتها، مقابل الاهتمام أكثر بالنتائج الآنية للفريق الأول، وعدم امتلاك مختلف المكاتب المسيرة لتقاليد الأرشيف. وإذا كان الفقر هو عنوان التأليف الكروي فإن الأزمة أعمق حين يتعلق الأمر بباقي الرياضات. لذا بات من الضروري الانتقال من المبادرة الشخصية إلى جعل التأليف الرياضي جزءا من اهتمامات الأندية مع مراعاة التطور الرقمي.
بينما يرى بلبودالي أن التوثيق انطلق من الأندية قبل أن يصبح شأن الصحافيين: «كانت محاولات عديدة لتوثيق الفعل الرياضي انطلقت من بعض الأندية الرياضية التي خصصت ركنا في مقراتها لحفظ الكؤوس والدروع والأقمصة، لكن هذه المبادرة لم تنجح في الحفاظ على الذاكرة الرياضية، لينطلق بعدها مجال التوثيق عبر إنتاج وإصدار كتب في الرياضة بفضل جهود إعلاميين وكتاب مغاربة، إلا أن هذا يظل اجتهادا فرديا في وقت كان يفترض فيه أن يكون مؤسساتيا ترعاه الدولة أي وزارة الرياضة مثلا أو اللجنة الأولمبية».
من متحف الجامعة إلى متاحف الأندية
حسب بلاغ الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فإن المتحف الوطني لكرة القدم، هو «ثمرة شراكة بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، والمؤسسة الوطنية للمتاحف، اللتان وقعتا في مارس 2022، اتفاقية من أجل إحداثه وتدبيره».
ويضم المتحف الوطني لكرة القدم المغربية، الذي انطلقت أشغال بنائه شهر مارس 2021، فضاء للعرض الدائم، ومرافق أخرى تلامس التاريخ الغني واللحظات المميزة لكرة القدم المغربية في عهد الملوك الثلاثة.
للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم شريكان في هذا المتحف: المؤسسة الوطنية للمتاحف، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، يساهمان في إحداث وتدبير مركز البحث والتوثيق في المجال الرياضي بالمتحف الوطني لكرة القدم.
وعبر عقاني عن استعداد جمعية الأرشيف الكروي لدعم مبادرات الأرشفة، «نحن بصدد إطلاق منصة الكترونية لكل متصفح كيفما كانت جنسيته للاستفادة من هذا الرصيد المعرفي الكروي النادر، نرجو كجمعية هاوية أن نلقى تجاوبا ايجابيا من لدن القائمين على المتحف الكروي الذي افتتح مؤخرا بمركز محمد السادس. نريد تقديم إضافة نوعية لبلادنا المقبلة على احتضان العديد من التظاهرات الكروية الكبرى ككأس أفريقيا وكأس العالم».
وأثنى عزيز بلبودالي على فكرة إنشاء متحف وقال: "ما أتمناه هو أن يتم تخصيص ركن كبير للكتاب الرياضي داخل المتحف باعتباره هو التاريخ و التوثيق، ونتمنى أن تكون هناك لجنة علمية للإشراف على هذا المجال. لم أز هذا المتحف بعد، ولم توجه لنا نحن مجموعة من الإعلاميين والكتاب والموثقين الدعوة في حفل الافتتاح، نتمنى أن يكون ذلك مجرد سهو وأن نتعاون في هذا المجال لما فيه مصلحة الرياضة المغربية".
بينما يجمع المهتمون بالبحث والتوثيق والأرشفة على الفقر الكبير في المعلومة الموثقة، ويؤكدون تأخر الرياضة المغربية وعدم قدرتها على مواكبة دول أخرى تعطي لهذا الجانب المكانة التي يستحقها والحاجة إلى متاحف خاصة لكل فريق.