بمقبرة "دْرَاعْ الزِّيتُونْ" ترقد عشرات أرواح الشهداء الذين تناثرت جثثهم بفعل قنابل المدفعية الفرنسية في ساحة معركة سيد بوعثمان التاريخية في يوم رمضاني، وصفته شذرة من عيطة "النِّيرِيَّةْ" أو "الشجعان" بدقة النظم القائل: (شَعْلَاتْ النَّارْ بْلَا دُخَّانْ / وَرَا الطْرَابَشْ كِي بَلَّعْمَانْ / وَرَا الْمُوتَى كِيفْ الذَّبَّانْ). فمتى يتم رد الاعتبار لهذه البقعة الطاهرة من أرض الرحامنة المسقية بدماء الشهداء؟
ما اجتمعت الأمم على أمر مثل اجتماعها على تقديس الشهداء، رغم اختلاف عقائدها وهوياتها وثقافاتها...فحروف وكلمات أسطر المجد تكتب بالدماء، وتحمل في طياتها كل معاني الشّرف والإباء، لتبقى راسخة ومنارة يقتدى بها لكل الأجيال. وقد عبر ديننا الحنيف في أبهى صور التكريم والاحترام والتوقير والجزاء بالحسنى ببقاء الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
إن شهداء المقاومة بمعركة "دْرَاعْ الزِّيتُونْ" قد أبلو البلاء الحسن في سبيل دفع الظلم وإجلاء الظلمة والمستبدين...ومن أجل تحرير البلاد والعباد من المستعمر الغاشم، ومن كل غاز معتد أثيم، ليرث الأرض من بعدهم أجيالا تعاقبت تنعم بالحرية والحياة ورغد العيش.... فكان لزاما علينا تعريف الأجيال بهم واحترامهم وأخد العبرة منهم لتبقى رسالة من جيل لجيل.
من المعلوم أن معركة "دْرَاعْ الزِّيتُونْ" التي قادها المجاهد الشيخ الهيبة يوم 6 شتنبر في العام 1912 الموافق ليوم 24 رمضان، مدعوما ومسنودا من جل قبائل الجنوب، وقبائل سوس، وقبائل الحوز، والوسط التي قدر عدد جنودها بنحو 15000 ألف جندي، و 9000 بندقية وأربعة مدافع وسبحة، ضد القوات الفرنسية المحتلة بقيادة "شارل مانجان" الذي عزز صفوف جيوشه بجنود جزائريين وسنغاليين وبمعدات متقدمة...وما يبعث على الأسى والأسف والمرارة ما دوّنه العلامة الأديب والمؤرخ المختار السوسي حول خدلان ذوي القربى... لتكون هزيمة قاسية أمام صمود المقاومين، وهو ما عبر عنه "شارل مانجان" ببسالة الجنود رغم تقدم المعدات الفرنسية.
الشاهد عندنا معركة بهذا الحجم من الجنود والخيول والمعدات ستمتد إلى أميال، فكيف يقتصر رفات الشهداء ببقعة تكاد لا تتجاوز بضعة أمتار مربعة؟! بدون ترميم البقعة المباركة لجثامين الشهداء وتسييجها ووضع صرح أمامها وحولها بأسماء الشهداء وتخليد ذكراها وحماية حرمتها ممن يقطف ثمار تضحيات الأبطال، لزعامة منتفخة، زعماء ينبتون مثل الفطر مع ضيعاتهم، خططوا لحروب لم يخوضوها وجنو مغانم كثيرة.
إن فشل الرحامنة في بعض القطاعات، ليس لأنها الرحامنة، بل لأن من يمثلها وأغلب من يسكنها ليسوا من أهل الرحامنة في شيء، لن تجد فيهم إلا القليل من عليها يغار، وفي سبيلها يثار.... ويشهد الله أن قولي ليس عنصرية أو عنجهية. فلم تكن الرحامنة يوما لفئة أو عرش دون آخر بل كانت للجميع تقبل (كل من أتاها زائرا مؤمنا أو كافرا) تقري الضيف وتكرمه شتاء وصيفا، ولا تقطع من وصل، وبالعطاء لا تبخل ... وكم توافق هذه العبارة حال البلاد (نحن نصنع من الفاسدين والحمقى قادة ثم نسأل من أين أتى الخراب؟؟(.
إن شهداء مقبرة "دْرَاعْ الزِّيتُونْ" أحياء وستبقى أرواحهم تحرس الأرض من كل عابث يحاول طمس هوية سقيت بالدماء. لقد صار من الواجب إنصاف هؤلاء الشهداء برد الاعتبار لهم ولتضحياتهم، وأن لا يبقى ذكرهم عابرا بإقامة مهرجانات واحتفالات باهتة وعابرة، لابد من تثبيت حرمتهم ومكانتهم في ذاكرة كل الأجيال ولو بعد حين.
في هذا السياق ندعو مجموعة من المؤسسات ذات الصلة منها على سبيل المثال لا الحصر جهة مراكش آسفي، والمجلس الاقليمي للرحامنة، والمجالس المحلية، ثم وزارة الثقافة، ووزارة السياحة، ثم قطاع التجهيز....) لما تتحصل عليه من أموال الدولة والمال العام، العمل من أجل الحفاظ والنهوض بمجموعة من الدرر النفيسة المتواجدة بالمنطقة.
وإذ نبارك ونثمن مساعي الدولة وما ترمي إليه من الحفاظ على التراث المادي واللامادي في شتى المجالات (ثقافية وتراثية وايكولوجية وبليونتولوجيا وإحاثة وأركيولوجيا ....) حيث قامت بتدشين العديد من المتاحف، وفي صلبها فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة وجيش التحرير الذي يعرض فيه تراث كل منطقة بهويتها وتعددها داخل الوحدة التي ننعم بها كمغاربة. فلا يخفى على الجميع أن مثل هذه المبادرات لها ما لها من أهداف داخلية وخارجية لمصلحة الوطن. كما نسعد بما يقدمه المغرب من صورة مشرفة تدعوا للفخر والإعتزاز خصوصا بإدراج العديد من الخصوصيات بمنظمة اليونسكو للتراث العالمي وخير دليل ترتيب المغرب الأول مغاربيا، والثاني إفريقيا بعد مصر. وهذا أمر يدعو للاعتزاز والفخر لكل مغربي لا مراء فيه.
ملاحظة: ترددت كثيرا وأحجمت أكثر من مرة على وضع هذا المنشور كي لا أزيد بؤسا فوق بؤس لمن يشاركنا نفس الهموم ولكن العقبة كؤود بين عاصمة الرحامنة و (بحيرة رجال سلام) فوجدتني افضفض معكم.