كان للغابة هيبة ووقار، يتجول فيها حراسها بلباسهم الأخضر على صهوة خيولهم القوية، يضبطون المخالفات ويحررون المحاضر للمخالفين، كانت الغابة معطاءة بالكلأ والحطب لكن تحت رقابة عيون لا تنام...
والى حدود 1990 و 1994 زرت الغابة المعنية ووجدتها لا تزال تحافظ على جمالها وجلالها وانبساطها ونضرتها وتنوعها...
ويوم الاربعاء 3 أبريل 2024 ساقتني الظروف الى تلك الغابة لأوقف سيارتي بجانبها وأدخلها في نوستالجيا الزمان والمكان، صدمني منظر الغابة، وجدت غابة أخرى غير تلك التي زرتها منذ 30 سنة أو مرحت فيها منذ 40 أو 45 سنة، وجدت غابة خربة منسية مقفرة موحشة، بلا حياة، فأما أشجار العرعار فقد أنهكها الأهالي بتكسير قممها وجوانبها من الفروع والأغصان ورميها كلأ لقطعانهم الجائعة بسبب نذرة الأمطار، أو جرها حطبا لكوانينهم التي لا تشبع نيرانها، وأما شجر الضرو فلم يبق منه إلا الجذور بعدما تحول إلى فحم تشهد عليه حفره برمادها، وفحم شجر الضرو من أجود أنواع الفحم حسب العارفين، وأما نبات توزالا فقد زال واندثر ولم يبق منه سوى الأثر اليابس الدال عليه، طبعا جفت الوديان ونشفت، وصارت الغابة تصلح مكانا مناسبا لتصوير فيلم رعب مفزع مخيف، بل صارت الغابة هي نفسها مبعث هلع وارتعاب، فقدت شموخها وعظمتها واستباحها من لا يدرك مقامها ومركزها، فرسمت عجلات الجرارات والعربات على أرضها دلالة على غزوها من طرف الغزاة لنهب ما تبقى من أشجارها وبيعه أعمدة أو حطبا...
كان مشهد الغابة كئيبا مؤلما، وجدت كل شجرة توشك أن تصيح صيحة المستغيث، وجدت نفسي أمام جريمة بيئية متكاملة الأركان مع سابق إصرار وترصد واتفاق، وحين سألت بعضا من جيران الغابة علمت أن قادم الغابة أسوأ، فثمة أخبار تفيد أنه تم تفويت مآت الهكتارات منها لشركات الرخام والأحجار، فجريرة هذه الغابة أنها تنتصب فوق الرخام والحجر...
وعندما أدركت أن المغرب يعيش سنوات جفاف عجاف، وعلمت أن دراسات علمية أثبتت أن الخضرة جالبة للسحب المحملة بالأمطار، وأن علاقة متينة تنهض بين اللون الأخضر والسحاب المطير، وأن الأول يجذب الثاني جذبا، ثم أرجعت بصري كرتين في الغابة لأجدها تتعرض لكل هذا الكم من التواطؤ و من الإهمال كي يسهل بيعها ثم إعدامها علمت كم نحن أغبياء وفاشلون و جبناء والأكثر من ذلك خونة خائبون...
غادرت الغابة واعدا إياها أن أنقل مأساتها ومحنتها ونكبتها وتذكرت أغنية قديمة تقول:
مال الغابة مقلقة...من حر المنشار خايفة...تبكي وتقول آحبابي سخيتو بيا...
للأسف لم يبق للغابة أحباب..