من أصل كل 100 بيضاوي هناك خمسة أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أي هناك 160.000 بيضاوي يعانون من إعاقة، من مجموع سكان بلدية الدارالبيضاء البالغ عددهم 3.330.000 نسمة (حسب آخر إحصاء رسمي للسكان بالمغرب).
ورغم ضخامة عددهم، فالملاحظ أن ذوي الاحتياجات الخاصة مغيبين من كل تخطيط في السياسة العمومية المحلية بالدار البيضاء، سواء من طرف الحكومة أو من طرف مجلس المدينة أو مجلس العمالة أو مجلس الجهة.
نفس التشطيب يطال هاته الفئة من لدن الولاية والعمالات الثمانية وشركات التنمية المحلية وشركات التدبير المفوض والمساجد. بل حتى القطاع الخاص (من أبناك ومطاعم ومقاه ومراكز للتسوق ومصحات وغيرها) يقصي ذوي الاحتياجات الخاصة من اهتماماته.
فلا ولوجيات موجودة بمعظم المؤسسات ولا البنايات تستحضر خصوصية ذوي الاحتياجات، ولا شوارع أو أرصفة مهيأة بما يتناسب مع المعايير العالمية في هذا الباب، ولا حافلات النقل العمومي مجهزة بما يخفف من معاناة هاته الفئة، ولا المراحيض المفتوحة للعموم (بالإدارات والمطاعم والمقاهي والمساجد، ... إلخ)، تتضمن التجهيزات الدنيا والبسيطة التي تراعي احتياجات ذوي الاحتياجات.
أما إذا تفحصنا البرامج والاعتمادات المرصودة خصيصا لذوي الإعاقة على اختلاف المستويات (إعاقة حركية أو بصرية أو عقلية وغيرها)، فسنصاب بالذهول لغياب أي سياسة عمومية تستهدف هاته الشريحة، سواء تعلق الأمر بتحمل كلفة التنقل العمومي أو التطبيب والدواء أو خلق مراكز التكوين والتأهيل أو الإدماج، ... إلخ، إسوة بما هو معمول به في الدول المتمدنة.
وإذا وسعنا الدائرة، وأضفنا النساء الحوامل والعجزة والنساء المصحوبات بعربات الرضع، فسنجد أن رقم "المحكورين" بالدار البيضاء لا يخص فقط 160.000 مواطن، بل يطال حوالي 600.000 فرد أو أكثر، ليس لهم أدنى حق في التمتع بأبسط "حقوق المدينة"، ألا وهو الحق في المشي في شوارع وأرصفة تراعي خصوصيات 15% أو 20% من سكان أكبر مدينة بالمغرب.
لو أخذنا سكان كل مقاطعة على حدة بالدار البيضاء، نجد أن ست مقاطعات لا يتجاوز عدد سكان كل واحدة منها عدد ذوي الاحتياجات الخاصة (160.000 نسمة)، أي أن ذوي الاحتياجات يشكلون لوحدهم مقاطعة مستقلة بكامل مقوماتها ((إن جاز لي استخدام هذا التعبير)، ومع ذلك لا يحظون بأي درهم عمومي.
المقاطعات المعنية هي: الفداء (158 ألف نسمة)، الحي المحمدي (138 ألف نسمة)، مرس السلطان (129 ألف نسمة)، روش نوار (115 ألف نسمة)، سباتة (116 ألف نسمة)، وأنفا (94 ألف نسمة). ومع ذلك، نجد المشرع ينص على وجوب تخصيص منحة سنوية لكل مقاطعة جماعية بالدارالبيضاء (هناك 16 مقاطعة)، وفق معايير تراعي الحجم الديمغرافي ونوعية المرافق الموجودة بترابها.
وبتصفح بيانات الميزانية العامة السنوية لمجلس المدينة، نجد أن الحد الأدنى التي تتوصل به كل مقاطعة بالدار البيضاء هو 2،2 مليار سنتيم كل عام. في حين أن ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يفوق عددهم سكان 6 مقاطعات بيضاوية، لا ترصد لهم السلطة العمومية أي سنتيم لصرفه على الأوجه التي تخفف من عذابات هاته الفئة.
ترى لو أن الدولة (في شخص الحكومة والجماعات الترابية)، عاملت ذوي الاحتياجات الخاصة بوصفهم "المقاطعة رقم 17" بالدارالبيضاء، ورصدت لهم 2،5 مليار سنتيم كمنحة سنويا، كيف سيكون عليه الفضاء العام بالنسبة لهاته الفئة؟!
ترى لو أن الدولة (في شخص الحكومة والجماعات الترابية)، نزلت من برجها العاجي واستمعت لمشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة ومعاناة ذويهم، وأشركت معها الجمعيات الجادة الفاعلة في المجال في كل ما يهم انتظارات هاته الفئة، كم من لغم يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي بالمجتمع قد ننزعه؟
ترى لو أن الدولة (في شخص الحكومة والجماعات الترابية)، استأنست بالتجارب الفضلى في العالم لاستلهام تعامل الدول المتمدنة مع ذوي الاحتياجات، كيف سيكون مستوى مؤشر التنمية البشرية في بلادنا؟