الزاوي: المغرب وسؤال المصير.. هل لا زال الإفلات ممكنا؟

الزاوي: المغرب وسؤال المصير.. هل لا زال الإفلات ممكنا؟ مولاي عبد الحكيم الزاوي
ليس الفكر على مسار واحد. هناك فكر سياحي فلكوري، وآخر حميمي وحارق. واحد يتودد لمالكي وسائل الإنتاج والاكراه، وآخر يندر نفسه دفاعا عن ما سماهم فرانز فانون ب"مُعذبي الأرض". ضمن هذا المسار، يُلح المفكر المغربي محمد منير الحجوجي على أن يتقاسم مع قارئيه المقولة التي تفيد: penser globalement et agir localement، تفكير كوني وتصرف محلي. 
 لا شك أن قارئ /متتبع مشروع الحجوجي يقتنع بأن الأفكار التي يترافع عنها تنتظم ضمن بنية فكرية تتشكل من حلقات مترابطة تنتهي بأفق ممكن التشييد. يتأسس البُنيان الفكري لهذا المشروع من ضرورة فضح سياسة الدولة في تخريب المحركات/ الأعمدة الحيوية للدولة/ الأمة: الاقتصاد، المرأة، المدرسة، المجال، الدين، المؤسسات، الأحزاب...وينتهي عند تقديم البدائل وموجبات الانعتاق من الاحتراب السياسي الذي يقربنا جميعا من الحائط. 
 يختص الحجوجي بأسلوب فريد في الكتابة؛ بساطة المعنى تقابل بعمق في التوصيف، وتتناغم مع الجرأة في نقل تفاصيل الواقع المركب، مع قدرة فائقة في النقل الابستمولوجي وتبسيط الخطاب إلى القارئ العادي. في الواقع، ينتقد الحجوجي الكتابات التي تغالي في تبني مواقف "الحذر المعرفي" و"المسافة الابستمولوجية"...ويرفض الاصطفاف في موقف الحياد. مثلما تخبرنا روزا لوكسمبورغ "لا حياد في زمن اللا حياد".
في كتابه "المغرب وسؤال المصير" هل لا زال الإفلات ممكنا؟ الصادر سنة 2023. يشتبك محمد منير الحجوجي مع قنوات التنشئة الاجتماعية التي تسعى إلى تمرير استراتيجيا القصف الذهني للأفراد والجماعات...ينطلق الحجوجي من فرضية واضحة جدا غير قابلة للتفاوض: المدرسة ولعبة فرملة الديناميات الاجتماعية وإعاقة التحولات الجذرية. واقعيا، يتعلق الأمر بتنشئة تربوية بمضمون سياسي- إيديولوجي تمارس دور الفيلتراج الطبقي le filtrage social. وتدفع بذلك، نحو صناعة مشهد يمكن توصيفه ب "أبارتهايد تربوي" بمعادلة 10/90، 10 بالمئة من المحظوظين، و90 بالمئة من البؤساء. بالنهاية، المدرسة العمومية عند الحجوجي تمارس وظيفة "شمكرة التلميذ" clochardisation de l’élève، وفي الطرف الآخر، هناك تتم هندسة تنشئة تربوية تخصص لصناعة نخب "عايشة فالسما" بالتعبير الدارجي، أي في الطوابق العليا للعالم، مغاربة خارج الأرض Hors- sol، نخب بلا انتماء، بلا قضايا، بلا قيم...متورطة في اللهث وراء النسق، في انتظار حمل الحقائب نحو الخارج مثلما يقول الطبيب النفسي جواد مبروكي.   لقد نجح النظام التربوي في تتفيه دور المُعلم، في ربطه بثقافة التنكيت. منذ حادثة 1965 الشهيرة، كان الموقف واضح جدا، كره الدولة للمدرسة والمعلم، وتعميق الأزمات بدل حلها...اتهام المعلم بمسؤوليته في التشويش على مالكي وسائل الإنتاج والاكراه. منذ تلك اللحظة بالذات، تم تحويل المعلم إلى شخص معاق، إلى متلاشية معرفية، تم إخراجه من دائرة الصراع. لا تختلف استراتيجية النظام التربوي عن استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي: التهام الأرض، تم الدعوة إلى التفاوض، إلى الاختلاف، إلى العيش المشترك، إلى الحب، إلى الفرح، إلى موازين...
  مدرسة غير موحدة في شروط الانطلاق وحتى في نقط الوصول؛ مدرسة علوم تخماست، ومدرسة علوم النهب Les sciences de la chasse التي تُدرس مهن الأبناك/ الماركوتينغ/ الإدارة العليا...مافياتنا حسب الحجوجي الآن من طبيعة شبكوية، مافيات 2030 ستأكلنا ب"العلم"....تدار المعركة حتى من داخل اللغة، الفرنسية لم تعد أفقا لنخبة الغد، صار الرهان على اللغة الإنجليزية. المدرسة العمومية خضعت لقصف ممنهج، قاذفات استراتيجية فكت ارتبط الطفل باللغة أولا، وبالمعرفة ثانيا. ونتج عن ذلك انهزامية نفسية جعلت الطفل خارج النسق، حيث الشعور بالهزيمة الطبقية سيدفع نحو انتاج الاحتراب الاجتماعي بين ما يسميهم الحجوجي ب' البيض" وال"الكحل". كيانات مهزوزة، فارغة، يائسة، مكتئبة، بلا أفق...نحن أمام مشهد عام يعيد انتاج الإفلاس الاجتماعي بتشوهات أكثر عمقا.
 وجب الانتقال، وهذا هو جوهر الكتاب وعمقه من الدولة حارسة الطرائد Etat garde-chasse إلى الدولة البستانية Etat Jardiner، دولة بمهام رعاية/ سقي الجميع ليزهر الجميع...الأفق، مغرب ببنية واحدة، وهوية واحدة، ومصير واحد وأفق واحد للجميع.
 تركت مدرسة تخماست لإنتاج العبيد. هنا تنطبق مقولة بيير بورديو  "حرب الأغنياء على الفقراء تبدأ من المدرسة"...سنوات طويلة من الهدر البشري لم تكن إلا لتنتج أجيالا معطوبة، بلا رؤية، بلا هموم/ بلا أحلام استراتيجية واضحة...تربية تأسست على قيم التبعية، التواكل، الاستسلام، الانبطاح...وكانت فيها المدرسة مشتل تأسيس قيم الخضوع والخنوع...نحن هنا أمام عمل ديداكتيكي بعمق سياسي. الحاصل، وفق ما تدافع عنه أدبيات علم النفس السياسي أن الغباء/ الخواء/ التخلف صناعة بشرية وليس قدرية جينية. نجح النظام التربوي في أن يغرس نظام التنافسية/ الجري وراء المواقع/ الاحتراب الجماعي من أجل الخلاص الفردي والطبقي. في مستوى آخر، يقطن المغربي في مدن مشوهة، بلا مسحة جمال، مستباحة الشرف، حيث مافيا العقار والأبناك ابتلعت كل شيء، مدن سجنية لا تسمح بتنشئة الأطفال على قيم الذوق والجمال، ولا تسمح بتكوين الهوية الذاتية للأطفال...
ينتقد الحجوجي التصنيف الجندري بين الذكور والإنات، حيث يمرر القصف عبر تحويل الجسد من جسد بيولوجي إلى جسد ما فوق بيولوجي، مما يحدث اختلالات نفسية عميقة. هنا بالذات، نجحت الرأسمالية في ممارسة الخصي السياسي للمرأة، اخراج المرأة من الأرض، من العالم، من الصراع...وربطها بالفانتازم، بالجسد، بالإغواء والإثارة...المرأة اللذة وليست المرأة المناضلة الواعية الملتزمة...الخلاصة العامة عند الحجوجي، يظل الانسان عند الحجوجي أكبر من أي محاولة احتواء، قادر على انتاج البدائل. السرطان الأكبر الذي يتهدد مغرب اليوم يرتبط بالتوزيع الأولتراليبرالي Ultralibéral للثروة، ينتج الجميع الثروة لكنهم لا يستفيدون من خيراتها...لقد نجحت الرأسمالية بأنيابها الإعلامية في تدمير الانسان الحديث، حيث حولت النسيج البشري إلى جماعات متهافتة على الاستهلاك، وأيقضت استيهاماتهم الغريزية التي جرت الجميع نحو اللهث من أجل تحقيق اللذة والمتعة...نحن في خضم لحظة مفصلية، الالتحاق الجماعي بالنظام، النظام العام للأشياء، أو لنقل لحظة الهروب الجماعي من فكرة الثورة. الحل واضح جدا: امتلاك قنبلة نوورية، واقتصاد ذي محتوى تكنولوجي عالي...وهذان أمران يتأسسان على وجود مدرسة عمومية قوية. ماذا تفعل الدولة؟ الدولة تُخرب السلسلة من الأصل. لا تسمح بتكوين التلميذ الذي يميز بين الخطأ والصواب، الذي يُعمل المنهج الديكارتي من أجل بناء الموقف الوجودي، كما لا تسمح بوجود الأستاذ المُحرض على تجاوز اليقيينيات المفخخة، الأستاذ الذي يتخذ من ديداكتيك الاستفزاز منطلقا لبناء التعلمات الصفية...