تطرح جريدة "أنفاس بريس" سلسلة من حلقات "ذاكرة رمضان" توثق لأهم وأبرز الأحداث التي وقعت خلال شهر رمضان منذ فجر تاريخ المغرب الإسلامي إلى المغرب المعاصر. هي سلسلة يومية من إعداد الكاتب والإعلامي الزميل الحسين العمراني الذي قام بجمعها وتوثيقها استنادا على عدة مراجع ووثائق وإصدارات.
إن السلسلة التوثيقية من "ذاكرة رمضان" تبرز عبقرية المغاربة عبر التاريخ، وتجعل المعلومة التاريخية في متناول الناشئة بأسلوب سهل ومشوق. كما أنها تكشف على أهم الأحداث الوطنية، بالخصوص التي وقعت في شهر رمضان، حيث قلما نعطي لتاريخنا مساحات في إعلامنا البصري لاستحضار مخزوننا التاريخي الذي يعتبر مصدر قوتنا وبه نكرس الانتماء لذواتنا وبوطننا، على اعتبار أن الوطنية الصادقة، والمواطنة الإيجابية بذورها الأولى يجب أن تكون من تربة الوطن، من ماضيه التليد. إذ لا يمكن أن نعايش تحديات الحاضر وإكراهات المستقبل إن لم يكن لنا ماض نستمد منه الدلالات والعبر.
حلقات "ذاكرة رمضان" تسافر بالقارئ عبر تاريـخ المغرب والأندلس ونسترجع من خلالها حضارة الأمة المغربية. هي سلسلة تسلط الضوء على ما تختـزنه وتوثقه العديد من الوقائع والأحداث التاريخية التي كان شهر رمضان مسرحا لها، حيث سنقف يوميا خلال هذا الشهر الفضيل عند منجزات شخصيات مغربية تركت الأثر ببصماتها الخالدة، الشاهدة على ذاكرة العصر.
حلقات "ذاكرة رمضان" هي سلسلة مشوّقة تسافر بالقارئ عبر تاريخ بلده، وتنفض الغبار عن وقائع تاريخية لازالت راسخة في الذاكرة المغربية عبر عدة قرون. وقد يكون من باب الصدف الإيجابية أن تعرف بلادنا العديد من المحطات التاريخية متزامنة مع شهر رمضان، برمزيته الروحية والدينية ودلالاته القدسية، وتتنوع هذه الأحداث ما بين الدينية والثقافية والرياضية والسياسية والفنية والعمرانية.
إليكم الحلقة 21من سلسلة "ذاكرة رمضان":
1 ـ تشييد عدوة الأندلس بمدينة فاس
بُنِيَّت مدينة فاس على مرحلتين، المرحلة الأولى ابتداء من العام 191 هجرية، الموافق لعام 807 ميلادية. وقد تم تشييد جزء من هذه المدينة والذي عُرِفَ بعدوة الأندلس على الضفة الشرقية من نهر فاس، وذلك في غرة شهر رمضان من العام 192 هجرية، الموافق لعام 808 ميلادية، كما أُسّس بها جامع الأشياخ.
2 ـ معلمة الجامع الأعظم بإشبيلية
يعد المسجد الجامع في القصبة من أعظم منشآت الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور بإشبيلية، ويطلق عليه الجامع الأعظم، وما زالت حتى الآن بعض البقايا منه، إلى جانب كنيسة إشبيلية العظمى، التي أقيمت فوق أنقاضه. وكان البدء بإنشائه واختطاط موقعه في شهر رمضان سنة 567، حيث هدمت العديد من الدور بجانبه لتوسيع نطاقه، واجتمع بإشبيلية للقيام بأعمال الإنشاء العرفاءُ والبناؤون من أهل إشبيلية، ومن سائر قواعد الأندلس، ومن أهل العدوة ولا سيما مراكش وفاس، واجتمع معهم أمهر العمال من سائر الحرف المطلوبة.
3 ـ يوم ولادة الكاتبة والصحفية مليكة بلمهدي الفاسي
ولدت مليكة الفاسي، في يوم في 21 رمضان 1337 هجرية، الموافق لـ 19 يناير سنة 1919، بمدينة فاس، لأب كان قاضيا واسمه المهدي الفاسي، وأم اسمها طهور بن الشيخ. ضمن هذه الأسرة المنتمية إلى عائلة فاسية عريقة، ستنشأ مليكة في جو تسوده الثقافة، ومنخرط في الدفاع عن قضايا الوطن وتحريره من الإستعمار.
حرص الأب المهدي الفاسي، على تعليم ابنته إسوة بأبنائه الذكور، وعيا منه بضرورة المساواة بين الذكر والأنثى، فدرست بكُتّاب خاص بالفتيات بين سنتي 1928 و1930، ثم سرعان ما خصص لها أساتذة يدرسونها بالمنزل.
تعتبر الكاتبة مليكة الفاسي، واحدة من أبرز نساء الحركة الوطنية، على اعتبار أنها هي المرأة الوحيدة الموقعة على عريضة المطالبة بالاستقلال، فضلا على أنها كانت تعتبر خط الوصل والتواصل بين أعضاء الحركة الوطنية والملك محمد الخامس، حتى إنها آخر من التقى بالملك قبيل نفيه إلى مدغشقر سنة 1953.
وقد بدأت حياتها كاتبة وصحفية، حيث ناضلت ودافعت بقلمها من أجل تحرير المرأة ونيلها حقوقها، وكانت سببا مباشرا لتخصيص فرع بجامعة القرويين للطالبات. ويحسب لها أنه بعد الاستقلال، طالبت بحق التصويت للمرأة في الانتخابات، والتنصيص على المساواة في أول دستور للمملكة، في حين رفضت حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية في أول حكومة للمغرب المستقل، وفضّلت أن تشتغل عبر مسار طويل، من خلال الحقل الجمعوي، على محاربة الأمية ودعم الأيتام والنساء المحتاجات.
4 ـ انتفاضة فاس الدامية ضد الاحتلال الفرنسي
بعد عقد الحماية مباشرة بدأت المواجهات بين السكان المغاربة وبين المستعمر الفرنسي وجنوده، وكان أول وأهم حدث حصل مباشرة بعد توقيع عقد الحماية هو قيام ثورة المغاربة في فاس، التي يطلق عليها المؤرخ عبد الهادي التازي ”ثورة فاس الدامية” التي ذهب ضحيتها عدد كبير من المواطنين المغاربة واليهود والفرنسيين مدنيين وعسكريين، وعلى إثرها قرر السلطان عبد الحفيظ الانتقال إلى الرباط كعاصمة جديدة للمملكة، التي دخلها يوم 21 رمضان 1337 هجرية الموافق ل 19 يونيو 1919.
5 ـ مراحل نشأة وتطور وعصرنة المكتبة الوطنية للمملكة المغربية
تحول إسم المكتبة العامة بالرباط من الخزانة العامة والوثائق إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية في شهر رمضان. فبعد مرور قرابة قرن على إحداثها، تم إعادة تسمية الخزانة العامة للكتب والوثائق وإعادة تنظيم المهام المنوطة بها برسم الظهير الصادر في 16 من رمضان 1424 هجرية الموافق لـ 11 نوفمبر 2003 ميلادية، وتسميتها بـ "المكتبة الوطنية للمملكة المغربية" التي تحتفظ بوظيفته كمؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وقد أصبح للمؤسسة مقرا جديدا بعد أن دشنه الملك محمد السادس في سنة 2008، وتقع هذه المعلمة وسط مدينة الرباط على مقربة من مجموعة من الكليات والجامعات.
مرّت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالعديد من المراحل التي بصمت تاريخها على مر ثمانية عقود، بدءا من الخزانة العامة والوثائق، مرورا بسنة 2003، وحصولها على تسمية "المكتبة الوطنية للمملكة المغربية" وصولا إلى سنة 2008، التي يمكن اعتبارها بداية مرحلة النضج والتي تميزت بالتحول إلى مقر حديث ومتطور.
فكرة إنشاء خزانة عامة عصرية للكتب بالمغرب، تعود إلى العام 1912. إلى أن تحقيقها فعليا، لم يتم إلا في سنة 1920، حيث عين الأستاذ "دوسينفال" محافظا للخزانة العامة، وفي سنة 1926 وبمقتضى ظهير فاتح نونبر، ارتقت الخزانة العامة إلى وضعية مؤسسة عمومية، حيث عهد إليها بجمع الوثائق المتعلقة بالمغرب، وإتاحة الاطلاع عليها لعموم المهتمين، كما عهد إليها بمهمة جسيمة أخرى وهي تلقي وثائق الإدارات وحفظها، وذلك بمقتضى البند التاسع من الظهير المذكور. وهكذا أصبحت بحق الخزانة العامة للكتب والوثائق، وفي سنة 2003 تحول إسمها إلى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.