عندما أعلن الإليزيه l’Elysée يوم 11 من مارس 2024 ،أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الجزائري، وأنه تم الاتفاق بينهما أن يقوم عبد المجيد تبون بزيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس، في أكتوبر المقبل، بعدما كانت مقررة في شهر ماي، وبعد تأجيل لأكثر من مرة. في ظل لعبة طوم وجيري التي تميز العلاقات الفرنسية الجزائرية منذ 1962 .
تحضيرا لهذا اللقاء اجتهد المحللون في تصور وتخيل النقط الخلافية التي ستكون محل مناقشة بين الرجلين. وأيضا المشاريع التي سيتداول بشأنها فرق العمل من الخبراء والمسؤولين الرفيعي المستوى الذين سيصحبون الرئيسين، فتعددت الاحتمالات ،إلا أنها كلها أجمعت أن موضوع استرجاع البرنوس (سلهام) الأمير عبد القادر الجزائري سيكون محور اللقاء والمفاوضات حتى .
وهكذا تَأَمَلَ الجميع، أن يعود عبد المجيد تبون من زيارته لباريس ،في نونبر المقبل بعدما سيكون قد ألبسه الرئيس الفرنسي بالإليزي البرنس، وقلده سيف الأمير عبد القادر الذي تم استعادته بشرائه من طرف السفارة الجزائرية بباريس سنة 2023 في إحدى المزادات العلنية.وبذلك سيدخل الريس تبون عاصمة بلاده الجزائر، فاتحا وشاهرا سيفه محاطا بصور المليون ونصف من شهداء الثورة الجزائرية، وستستقبله الجماهير وهي تتدافع من مطار الهواري بومدين الدولي بالعاصمة -والذي بناه الاحتلال الفرنسي سنة - 1924 إلى قصر الرئاسة المرادية -الموروث عن الزمن العثماني والكائن ببلدية المرادية بولاية الجزائر العاصمة-والجميع يهتف بصوت واحد (تبون في ولاية ثانية).
فماذا حصل إذن، حتى يتوقف هذا الحلم وهذا السيناريو؟ وماذا وقع ما بين مكالمة ماكرو يوم الاثنين 11 مارس 2024مساءاً وبلاغ الرئيس عبد المجيد تبون ليوم الخميس 21 مارس الذي أعلن فيه عن تقديم موعد الانتخابات إلى يوم 7 شتنبر 2024 بدل دجنبر 2024.
فالثابت في الأجندات السياسية في العالم أنه عندما يتم تقديم الانتخابات الرئاسية عن موعدها الدستوري فالأمر لا يخلو من الاحتمالات التالية لا غير:
إما أن الرئيس الممارس يكون قد قدم استقالته اعتبارا لوضعه الصحي أوغيرها من الأسباب الأخرى التي قد تكون خاصة أعامةً كما حصل في الجزائر نفسها مع الرئيس اليمين زروال عندما قدم استقالته في نهاية 1998 وأعلن عن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في أبريل 1999 . عندما اكتشف أن المفاوضات لم تتوقف مع الجماعات الإرهابية وهو آخر من يعلم .
وإما أن هناك أزمة سياسية معلنة يتابعها الرأي العام بين الرئيس و المؤسسات الأخرى للدولة (البرلمان مثلا) في الأنظمة البرلمانية، مما يجعل البلاد في وضعية الجمود .
أو هناك أزمة هيكلية خفية في الكواليس بين أطراف نظام الحكم، قادة الجيش غالبا عندما يكون الرئيس مجرد واجهة .
وإما أن هناك احتقان اجتماعي في الشارع من إضرابات واحتجاجات وحراك ويكون سقف المطالب مرتفعا، وبالتالي يصبح تقديم الانتخابات عن موعدها إحدى الحلول السياسية التي تراهن عليها الطبقة الحاكمة لتجاوز الوضع.
وفي كل هذه الحالات يكون الرئيس الممارس والمعني قد حَسَمَ أمره أو حُسِمَ أمره بعدم تجديد ولايته، وبالتالي عدم الترشيح في الانتخابات التي قدمت عن موعدها.
أما الاحتمال الرابع والأخير فهو عندما يكون الرئيس ومن معه يريدون تجنب إجراء الانتخابات في فترة قد تكون ملتهبة أو قد تكون لها تداعيات اجتماعية وسياسية وبالتالي في تقديرهم أن الزمن السياسي غير مناسب مما يستوجب تدبيره،مما يقتضي تقديم الانتخابات أو تأجيلها من التاريخ الملتهب إلى الزمن الميت.
تأسيسا على ما سبق يمكننا أن قراءة تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية من دجنبر 2024 إلى شتنبر من نفس السنة، يعكس خلافا خفيا وحادا داخل القيادة الجزائرية والعسكر أساسا حول المرحلة المقبلة، خاصة إذا علمنا أن عبد المجيد تبون يبلغ من العمر 80 سنة وعند نهاية الولاية المقبلة سيكون عمره 85 سنة، وبالتالي فالخوف من تكرار تجربة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وفي هذه الحالة يصبح احتمال عدم ترشيح عبد المجيد تبون في شتنبر 2024 أمر وارد وبقوة أو أن الزمرة الحاكمة في الجزائر تفضل أن تجري الانتخابات والمواطنون الجزائريون لازالوا يتمتعون بعطلتهم الصيفية مع أسرهم إما على شواطئ البحر أو في منتزهات الجزائر الجميلة أو خارج التراب الوطني بعيدا عن الهموم اليومية وأخبار السياسة المقلقة عوض تنظيمها في دجنبر كما كان مقررا والمعروف عند السياسيين والاقتصاديين أن نهاية السنة دائما هي فترة تقديم الحصيلة والحساب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمالي . وما دام الحساب صابون فالشعب الجزائري كان سيكون قاسيا على حكامه لو نظمت الانتخابات في موعدها،بل هناك من المحللين من يذهب إلى حد احتمال عودة الحراك الجزائري بكل مطالبه التي لازالت عالقة .
وفي الأخير وإذا عدنا إلى البرنس (السلهام )والى سيف الأمير عبد القادر الجزائري كبير المجاهدين، فلا بد من التذكير أن استرجاع القطع التراثية التي نقلها خلسة الاستعمار بشكل عام والفرنسي بشكل خاص من إفريقيا في القرنين 19 و 20 قد تجاوزت 000 90 قطعة تراثية ، حسب ما ورد في التقرير الذي قُدِم إلى قصر الاليزيه خلال سنة 2018 ،بعدما كان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرو ن قد التزم في خطاب له بعاصمة بوركينا فاسو واغادوغو وأمام 800 طالب سنة 2017 ،بالشروع في إعداد برنامج لإرجاع ما تم نهبه من إفريقيا ، حتى وإن كان ماكرون قد تحدث فقط عن دول الساحل جنوب الصحراء دون دول الشمال الافريقي.
وفي هذا السياق تم فعلا إرجاع إلى السينغال سيف الزعيم الديني الحاج عمر طال الفوتي ابرز شيوخ الطريقة التيجانية الذي غطت مملكته النيجر والسينغال وبلاد شنقيط ومالي . وقد تسلم السيف شخصيا الرئيس السينغالي ماكي سال Macky sall سنة 2020.
كما تم إرحال 26 قطعة تراثية تعود لمملكة بوني Trésors royaux d’abomey لجمهورية بنين سنة 2021 تم نهبها منذ 1890 .أما مدغشقر أو الجمهورية الملغاشية فقد استرجعت في 2020 وبمقتضى اتفاقية مع الحكومة الفرنسية تاج الملكةranavalona III) رانافالونا الثالثة التي حكمت بلدها ما بين 1883 و1897 .
ليبقى برنوس الأمير عبد القادر الجزائري معروضا بباريس خاصة إذا علمنا أن السلطات الفرنسية تؤكد أنها تسلمته من ابن الأمير شخصيا ولم يتم نهبه حسب تصريح لوزير الثقافة الفرنسي السابق فرانك ريستر .