عبد المجيد طعام: التطهير العرقي في فلسطين (6)

عبد المجيد طعام: التطهير العرقي في فلسطين (6) عبد المجيد طعام
الأمم المتحدة تقترف جريمة في حق الفلسطينيين...النكبة والمواقف العربية والفلسطينية
قاطعت الجامعة العربية أعمال الأمم المتحدة منذ أن صدر القرار الأممي رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين، استغل الكيان الصهيوني الوضع للسير قدما نحو تطبيق مخططاته الاستعمارية بابتزاز اللجنة الدولية لفلسطين وتحقيق مكاسب جديدة، كما كال الاتهامات للقيادة الفلسطينية وحملها مسؤولية قيادة الشعب نحو كارثة 1948 ، إلا أن الحقائق التاريخية تفند هذه الادعاءات، لأنها تظهر مدى الظلم الذي تعرض له الفلسطينيون ، وتكشف أيضًا الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها الأمم المتحدة ، كما تبرز هدف تشكيل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، وتجاهلها للأصوات المعارضة لخطة التقسيم .
بعد عدة أسابيع من بدء أعمال لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، أدرك الفلسطينيون أن الأمور تسير عكس مصالحهم وحقوقهم الشرعية ،لأن القرار ينص على ضرورة تقسيم الأرض بين الفلسطينيين والمستوطنين الجدد الذين توافدوا بشكل مكثف خلال تلك الفترة .عندما تم اعتماد القرار 181 في نوفمبر 1947، بدأ يلوح أمام أعين الفلسطينيين الكابوس الذي سيفرض عليهم أن يعيشوه. بعد تسعة أشهر فقط من إعلان البريطانيين قرارهم بمغادرة فلسطين ، وجد الفلسطينيون أنفسهم عرضة لمنظمة دولية بدت على استعداد لتجاهل جميع قواعد الوساطة الدولية التي كان يفرضها ميثاقها، والإعلان عن حل يعتبر غير قانوني وغير أخلاقي ، حاول القادة الفلسطينيون أن يسلكوا طريقا قانونيا لإبطال القرار 181 ، طلبوا في ذلك الوقت من المحكمة الدولية - التي تأسست عام 1946 - أن تصدر حكمها بشأن هذا القرار المجحف، إلا أن مطلب الفلسطينيين لم يؤخذ بعين الاعتبار ، ولم يمنح لهم أبدا حق استئناف القرار الأممي ، مع العلم أن قرار الأمم المتحدة رقم 181، المعروف أيضًا باسم خطة تقسيم فلسطين، الصادر في 29 نوفمبر 1947، يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة لليهود والأخرى للفلسطينيين، مع إقامة نظام دولي خاص لمدينة القدس.رغم أن القرار في الأصل مجحف إلا أن الحركة الصهيونية لم تحترمه ، احتلت أراضٍ تخص الدولة الفلسطينية المُقررة وفقًا لذلك القرار، وارتكبت مجازر وعمليات التطهير العرقي بطرد الفلسطينيين من أراضيهم وتشريدهم وهذا ما عرف بنكبة 1848.بحلول النكبة أصبح حاضر الشعب الفلسطيني مأساويا ، كما بدا المستقبل مظلما كما هو الآن، لكن لم يُلاحظ تعامل الصحف الكبرى بشكل جدي مع ما كان يقع بفلسطين من تطهير عرقي.
كانت ممتلكات اليهود تمثل أقل من 6٪ من مساحة فلسطين بأكملها، ولم يكن يزيد عددهم عن ثلث السكان الأصليين ، ومع ذلك، حصلوا على أكثر من نصف الأرض، وإن كان اليهود يشكلون فقط 1٪ من عدد السكان الأصليين ، كل هذه المعطيات تدل على أن القرار الأممي 181 كان منحازا للحركة الصهيونية وتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني
منح القرار الأممي الأراضي الأكثر خصوبة إلى الدولة الصهيونية المقترحة، فضلاً عن معظم المساحات الحضرية والريفية ، كما ضمت الأرض الممنوحة لهم أكثر من 400 قرية فلسطينية من أصل 1000.استندت اللجنة الخاصة بفلسطين (UNSCOP)، في قرار التقسيم 181 على فرضية وجود تعايش سلمي بين الكيانين السياسيين ، الفلسطيني والصهيوني ، لهذا رأت هذه اللجنة أنه ليس من الضروري أخذ بعين الاعتبار التفاوتات الديموغرافية والجغرافية ، من هنا يمكن القول بأنها تعاملت مع القضية إما بغباء أو استخفاف أو عدم فهم الصهيونية ومخططاتها، أو تحيز وتواطؤ ضد الشعب الفلسطيني ، وهذا ما ذكره الكاتب وليد خالدي، في كتابه "الصراع الفلسطيني: تحليل وتحديات" حيث وصف قرار 181 بأنه "قرار تسرع في تقديم نصف فلسطين إلى حركة إيديولوجية ، تعلن علانية منذ عام 1930 ، أنها تسعى إلى تهجير الفلسطينيين" وهذا ما يفضح الجوانب غير الأخلاقية في قرار 181، خاصة وأنه لم يتضمن أي آلية لمنع التطهير العرقي في فلسطين.
لم يكن للدول العربية موقفا واضحا وحاسما ، بينما عبرت القيادات الفلسطينية على رفضها للقرار ، لأنها استشعرت أخطاره ، خاصة بعد أن اقترحت الأمم المتحدة على الأطراف المتصارعة الخريطة النهائية للتقسيم التي اقترحتها في نوفمبر 1947، وهي تشمل التفاصيل التالية:
تقسيم الأراضي: تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة لليهود ودولة للفلسطينيين.
الحدود الإدارية: يتم تحديد الحدود الإدارية لكل دولة وفقًا للأغلبية الديموغرافية في كل منطقة.
المدينة المقدسة (القدس): كانت مدينة القدس مقسمة إلى منطقتين، منطقة دولية تحت إدارة الأمم المتحدة ومنطقة لكل دولة.
التفاصيل الإدارية الأخرى: تم تقديم تفاصيل إدارية دقيقة بما في ذلك الحقوق والضمانات للأقليات في كل دولة.
على أساس خريطة الأمم المتحدة، كان من المفترض أن تقسم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: على 42٪ من الأراضي، كان من المتوقع أن يحصل 818،000 فلسطيني على دولة تضم أيضًا 10،000 يهودي، وعلى 56٪ من أرض فلسطين تقرر قيام الدولة المخصصة للصهاينة، يتعين ان يعيش عليها 499،000 يهودي بمشاركة 438،000 فلسطيني، اما الجزء الثالث، يضم مساحة صغيرة حول مدينة القدس، تقرر أن تكون تحت الإدارة الدولية، ويعيش عليها 200،000 نسمة، ينقسمون بالتساوي بين الفلسطينيين واليهود.
مثل الجمع بين الفلسطينيين واليهود داخل الدولة المخصصة لليهود كابوسًا سياسيًا للقادة الصهيونيين، لذا كان منتظرا أن يرفضوا الخريطة التي اقترحتها الأمم المتحدة، في الحقيقة كانت تلك الخريطة بمثابة برميل بارود، ينتظر من يشعل شرارته لينفجر على الفلسطينيين وحدهم، وهذا ما بدأ يلوح في الأفق، ففي اليوم التالي للتصويت على القرار المشؤوم، ستبدأ عمليات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وهكذا تكون الأمم المتحدة قد ساهمت بشكل مباشر في الجريمة التي اقترفت في حق الشعب الفلسطيني.
                                                                                 يتبع
ترجمة وإعداد: عبد المجيد طعام (بتصرف)
عن كتاب : Le nettoyage ethnique de la Palestine Ilan Pappé
الحلقة القادمة: موقف الحركة الصهيونية من القرار الأممي 181